سياسة

يرفض التبعية لفرنسا.. هل تتأثر علاقات المغرب والسنغال بصعود ديوماي فاي للرئاسة؟

طوت السنغال صفحة الرئيس، ماكي سال، بعد الانتخابات الرئاسية التي أسفرت عن فوز ساحق من الجولة الأولى لمرشح المعارضة باصيرو ديوماي فاي، الذي خرج من السجن قبل موعد الانتخابات بعشر أيام فقط، وبعد أسبوع من انطلاق الحملة الانتخابية، وسط تساؤلات حول مصير العلاقات الثنائية بين السنغال وشركائه في مقدمتهم المملكة المغربية.

وهنأ الرئيس السنغالي ماكي سال، ديوماي فاي، على فوزه في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، كما أقر منافسه الرئيسي ومرشح التحالف الحاكم أمادو با بالهزيمة، واتصل بديوماي فاي لتهنئته بالفوز.

الرئيس السنغالي الجديد كان أصغر المرشحين الذين بلغ عددهم 19 مرشحا في السن، ولا يتجاوز عمره 44 سنة، وقضى 11 شهرا في سجن “كاب مانوال” بالعاصمة السنغالية داكار، حيث زج به في السجن في أبريل الماضي بتهمة ازدراء المحكمة وإهانة القضاء، لينضم لقيادات حزبه “باستيف”، الذي تم حظره بعد ذلك بشهرين فقط.

وخرج باصيرو ديوماي فاي من السجن إثر عفو عام أصدره الرئيس ماكي سال في سياق محاولة تهدئة المشهد السياسي بالتزامن مع انتهاء ولايته، رفقه زعيم حزبه عثمان سونكو وقيادات أخرى.

ومن ضمن أولويات الرئيس الجديد الاقتصادية الخروج من التبعية الفرنسية، بداية بالعملة الفرنسية الموحدة التي يعتبرها سببا في تدهور الاقتصاد السنغالي، وتمثل وجها من أوجه الاحتلال الفرنسي لاقتصاد دول منطقة غرب أفريقيا، وتعهد بأنه إذا لم تفلح “إيكواس” في سك عملة غرب أفريقية جديدة فإن السنغال ستضرب عملة خاصة بها.

العلاقات لا تتغير بتغير القادة

يرى المحلل السياسي، محمد زين الدين، أن العلاقات المغربية السنغالية لن تتأثر بعد صعود باصيرو ديوماي فاي للرئاسة، فعلى الرغم من “أن الرئيس الجديد ينتمي لحزب معارض وسنه لا يتجاوز 45 سنة ورغم أن مساره السياسي مختلف عن ماكي سال، لكن بالنظر إلى طبيعة العلاقات الاستراتيجية بين المغرب والسنغال”، التي تحوي، وفق تعبيره، أبعادا متعددة على المستوى التعاوني المتين منذ الملك الراحل الحسن الثاني وتطور بشكل ملموس مع الملك محمد السادس، قائلا العلاقة الثنائية ستظل وطيدة.

وأشار المتحدث ذاته، في تصريح لجريدة “العمق”، إلى أن العلاقات الثنائية تشمل التعاون السياسي والعسكري والأمني والاقتصادي والروحي، معتبرا أن هذه الاعتبارات لن تتغير بل سيتم، حسب منظوره، دعم أواصر التعاون المشترك في جميع المجالات.

وذكر زين الدين أن السياسة الدبلوماسية للملك محمد السادس خاصة مع السنغال لا تتغير بتغير القادة، حيث إن هذه العلاقة كانت متجدرة حتى قبل عهد الرئيس السابق، ماكي سال.

وتابع: “لا يمكن تصور تواجد دولة في غياب أخرى على المستوى الإفريقي ولا يمكن لأي رئيس أن يخرج عن هدي هذه التوجهات العامة والتي تتضمن البعد الاقتصادي والاجتماعي والتجاري وقائمة على مبادئ الاحترام والتعاون والتقدير المتبادل، إضافة للأبعاد العسكرية والأمنية الدبلوماسية”.

وأكد المتحدث ذاته أن المغرب والسنغال يشتركان في مجموعة من المبادئ المشتركة على المستوى الدبلوماسي والتي لا يمكن أن تتغير، وفق تعبيره، بتغير القادة، مشددا على أن “العلاقة لا تتوقف عند الرؤساء بل هي أعمق من ذلك بكثير”.

كما أن المغرب يحظى، حسب زين الدين، بتقدير داخلي في السنغال من طرف أحزاب الأغلبية والمعارضة، وإن اختلفوا على المستوى الداخلي، إلا أنهم يعتبرون المغرب شريكا استراتيجيا لا غنى عنه.

البعد الروحي وتقارب الشعبين

شدد محمد زين الدين على أهمية البعد الروحي والديني في العلاقات الثنائية بين المغرب والسنغال، مشيرا إلى أن السنغاليين لا يمكن أن يتصورا علاقات إفريقية إفريقية في غياب المغرب، كما أن شيوخ الزاوية التيجانية يحظون بمكانة كبيرة على مستوى الاجتماعي ويكنون احتراما كبيرا للمغرب.

وأشار إلى أن الزاوية التيجانية تملك حضورا وتأثيرا كبيرين في المجتمع السنغالي، مبرزا أن العلاقة الوطيدة بين الشعبين المغربي والسنغالي تدفع في اتجاه توطيد العلاقات الثنائية.

جيل جديد من القادة

أبرز محمد زين الدين أن “إفريقيا تعرف بروز جيل جديد من القادة يملكون القدرة على الإنصات لمطالب شعبهم والاستجابة لها وينظرون للأمور بطابع براغماتي نفعي، ويمنحون الأسبقية لما سيعود على شعوبهم بالنفع،

وذكر المتحدث ذاته أن الرئيس الجديد يحظى بإجماع كبير بعد الفوز الساحق والإجماع من طرف الشعب السنغالي، مؤكدا أنه “على الرغم من أنه قادم من غياهب السجون إلا أنه يملك قدرة كبيرة على لم شمل شعبه والاستماع له”، إضافة إلى أنه لا ينتمي لجيل القادة العسكريين الذي سيطر في القارة الإفريقية لسنوات، بل هو خريج للقانون ويندرج ضمن الجيل الجديد من القادة الأفارقة ويملكون ثقافة أخرى تختلف عن سابقيه.

لا فرصة للجزائر وجنوب إفريقيا

أكد المحلل السياسي، محمد زين الدين، أن الجزائر وجنوب إفريقيا لا يملكان أي فرصة، وفق تقديره، لإمكانية جر السنغال للمعسكر الانفصالي، معتبرا أن البيئة الداخلية لبريتوريا حاليا لا يدفعها لخلق عداء صريح مع المغرب بمحاولة استقطاب دكار لمحورها الداعم لجبهة البوليساريو، مشيرا إلى أن الجزائر تدرك واقع العلاقة بين الدولتين والمستمرة منذ عشرات السنوات،

بالمقابل، ورغم كل ما ذكر، حذر زين الدين المملكة المغربية من سياسية الكرسي الفارغ خاصة أن الجزائر تحاول، وفق تعبيره، بجميع الطرق التأثير على الدول الإفريقية، مع ضرورة الحفاظ على نفس نسق التعاون المشترك مع الدولة السنغالية.

طمأنة الحلفاء والشركاء

في أول خروج له، طمأن الرئيس السنغالي الجديد، باصيرو ديوماي فاي، شركاء بلاده بأنّها ستظلّ “الحليف الآمن والموثوق به”، وقال الرئيس المنتخب: “أود أن أقول للمجتمع الدولي ولشركائنا إن السنغال ستحتفظ بمكانتها دائما، وستظل البلد الصديق والحليف الآمن والموثوق به لأي شريك سينخرط معنا في تعاون شريف ومحترم ومثمر للطرفين”.

وشدد ديوماي فاي، في خطاب متلفز، على أنه بانتخابه “اتخذ الشعب السنغالي خيار القطيعة” مع النظام القائم في البلاد، على حد قوله، مشيرا إلى أن “المشاريع ذات الأولوية” في عهده ستكون “المصالحة الوطنية وإعادة بناء المؤسسات”، بالإضافة إلى “تخفيض كبير في تكاليف المعيشة.

وأضاف أنه يعتزم العمل من أجل إحداث تغييرات داخل المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، مؤكدا التزامه بالحكم بتواضع وشفافية وبمحاربة الفساد على المستويات كافة”.

وتابع ديوماي فاي: “أطلق نداء لإخواننا وأخواتنا الأفارقة للعمل معا من أجل تعزيز المكاسب التي تم تحقيقها في عمليات تحقيق التكامل في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا مع تصحيح نقاط الضعف وتغيير بعض الأساليب والإستراتيجيات والأولويات السياسية”.

ولم يسبق لفاي أن تولى أي منصب منتخب بالسنغال، سيصبح خامس رئيس للسنغال وأصغر الرؤساء سنا في البلد الواقع في غرب أفريقيا ويبلغ عدد سكانه 18 مليون نسمة.

كاره للتبعية الفرنسية

أوردت تقارير سنغالية أن “باصيرو يختلف عن غيره من السياسيين السنغاليين، حيث تلقى تكوينه الأكاديمي كله في السنغال، ولم يدرس في فرنسا ولا في جامعات الغرب الأخرى، وإنما تخرج من جامعة الشيخ أنتا جوب والمدرسة الوطنية للإدارة في دكار عام 2007، كما أنه لم يتقلد مناصب عليا في الجهاز الحكومي”.

وأشارت المصادر ذاتها إلى أنه “ينشد الاستقلال والابتعاد عن الهيمنة الفرنسية، وينادي بالحريات الفردية والجماعية، وخلال دراسته في الجامعة، كان مقربا من الحركات الطلابية ذات النزعة الإسلامية والمقربة من أحد الجماعات الإسلامية واشترك معها في النضال والاحتجاجات”.

ويعتبر حزبه “باستيف” أن “فرنسا ما زالت تعتبر السنغال جزءا من مستعمراتها، كما أنها الناهب الأول للثروات الأفريقية، ولا بد من مراجعة العلاقات معها والدخول في شراكات ندية ومربحة للجميع”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *