وجهة نظر

عصيد والعمل الخيري.. المثقف في خدمة التحكم

في مقاله “عندما يتحول العمل الخيري إلى رشاوى انتخابية” .. شن السيد أحمد عصيد هجوما لاذعا على العمل الخيري .. الذي ليس في نظره سوى رشاوى انتخابية مقنعة .. لكن حديث الرجل عن العمل الخيري لم يكن سوى مقدمة للوصول إلى المقصود .. وهو النيل من سمعة حزب مغربي يرى فيه السيد عصيد خصما سياسيا وعدوا إيديولوجيا .. يقول: “وقد سبق لنا أن أشرنا في أكثر من مناسبة بأن آلاف الجمعيات التي تم تفريخها في فترة الوزير الشوباني كانت في معظمها جمعيات تابعة للحزب، تموّل من المال العام وكذا من أموال الأعيان الذين يشتركون في المصالح مع المنتخبين المحليين لحزب المصباح” .. ليخلص إلى القول: “من الناحية الأخلاقية يعتبر أمرا فادحا أن يتم إرشاء المواطنين تحت قناع عمل نبيل هو العمل الخيري الذي يمارسه محسنون حقيقيون في مختلف أرجاء المغرب دون حتى أن يعلنوا عن أسمائهم تعففا، بينما تقوم جمعيات الحزب بتوزيع ما توزعه باسم مساعدة المعوزين لكي تعود بنفس الوجوه لمطالبة المواطنين بأصواتهم مقابل ما أخذوه من هبات، وهذا سلوك في غاية الانحطاط وأبعد ما يكون عن العمل الخيري والانساني”.

طبعا، من حق السيد أحمد عصيد أن يقول ما شاء، وأن يقرأ الأحداث من زاويته الخاصة، وبالطريقة التي يراها مناسبة، لكن من حقنا نحن أيضا أن نعلق على كلامه، وأن نسائله بعض الأسئلة، التي نرجو أن يتسع لها صدره، وصدر كل من يؤمن بدور “المثقف العضوي” على حد تعبير الفيلسوف الإيطالي أنطونيو غرامشي، بما يميزه من نزاهة وموضوعية وانضباط:

السؤال الأول: من يريد أن يتحدث في هكذا موضوع، يحتاج إلى بحث ميداني، أو على الأقل إلى إحصائيات ومعطيات ميدانية، تشهد لصحة ما يقول، ويبني عليها استنتاجاته، ولا أثر لذلك في المقال، بل تحدث السيد عصيد عن آلاف الجمعيات التابعة للحزب، والتي تم تفريخها في عهد الوزير الشوباني والتي تمول من المال العام على حد تعبيره، لكنه لم يأت بمثال واحد يدعم ما ذهب إليه. فهل المثقف العضوي يلقي الكلام على عواهنه، ويتهم خصومه من غير حجج ولا أدلة؟.. وهل المثقف النزيه يمارس التشهير والشيطنة في حق المخالفين، ولا يستطيع أن يبني ذلك على معطى أو مثال أو حالة واحدة؟.

السؤال الثاني: هل يعلم السيد عصيد أن العمل الاجتماعي والخيري للتيار الإسلامي أقدم من عمله السياسي بعقود؟ وأن من أبناء الصحوة الإسلامية من تخصص في العمل الخيري وتفرغ له منذ مدة ولا علاقة له بالانتخابات ولا بالسياسة أصلا؟.

السؤال الثالث: لو سايرنا السيد عصيد في رأيه بأن كل عمل خيري ليس إلا رشوة انتخابية مقنعة، فما الحل الذي يقترحه لآلاف الأسر المغربية، التي يستغل الإسلاميون أصواتها مقابل هذه الأعمال الخيرية في زعمه؟ ولماذا لم يدع الدولة مثلا إلى تحمل مسؤوليتها الاجتماعية في محاربة الفقر والهشاشة، حتى لا يترك المواطنون فريسة للحملات الانتخابية للإسلاميين؟.

السؤال الرابع: إذا كان دافع السيد عصيد، هو الغيرة عل نزاهة الانتخابات، فلماذا لا يتحدث عن الفساد الانتخابي المفضوح، وعن الرشاوى الانتخابية المكشوفة والمعلنة، قبل ما يسميه بالفساد الانتخابي والرشاوى الانتخابية المقنعة؟.

يبدو أن عقول بعض المثقفين أمثال السيد عصيد، التي تربت على مقولات “المادية التاريخية” .. وعلى أن “الاقتصاد هو محرك التاريخ” .. وعلى أن “الدين أفيون الشعوب” .. وارتوت منها إلى حد الثمالة .. ليس بمقدورها استيعاب أن هنالك الناس من يعمل للآخرة ويحرص عليها أكثر من حرص أهل الدنيا على دنياهم .. وأن هنالك من يبذل من ماله وجهده ووقته ويفرح بما أعطى أكثر من فرحه بما أبقى .. وفي مثل هذا قد نلتمس للسيد عصيد بعض العذر .. ولا نحمله من الأمر ما لا يطيق .. ولكن ما لا نعذره فيه .. هو أن يتحول إلى بوق من أبواق التحكم .. وأن يمتثل المعادلة البراغماتية “عدو عدوي صديقي” .. بصورة غير نزيهة وغير شريفة .. على حساب المعلن من الثوابت والمبادئ.