مجتمع

عائدون.. الأسير عليلوش يحصل على “معاش هزيل” وينطلق في محنة جديدة (ح7)

لم يكن الشاب عدي عليلوش ذي العشرين ربيعا يدري وهو يتقدم بطلبه للانضمام إلى القوات المسلحة الملكية للدفاع عن حوزة التراب الوطني، سنة 1975، أنه سيؤدي فداءً للوطن جزءا من عمره وحريته على مدى 25 عاما من الأسر في سجون مرتزقة البوليساريو والجزائر…هناك سيذوق مختلف أنواع وصنوف التعذيب، وسيصل الى مرحلة فقد فيها الأمل في الحياة والعودة إلى أرض الوطن، بعدما شاهد المئات من زملائه يموتون جوعا أو تعذيبا أمام عينيه.

ولد عدي عليلوش، سنة 1955 ببلدة “النقوب” المعروفة بالقصبات و واحات النخيل بإقليم زاكورة، والتحق -كما سبقت الإشارة- بالقوات المسلحة الملكية في عام 1975، أثناء المسيرة الخضراء. وقضى بضعة أشهر في التدريب والتكوين العسكري بورزازات، ليتم إرساله بعد ذلك إلى الصحراء المغربية، حيث عمل في طانطان والسمارة والعيون. وما لبث أن وقع في الأسر رفقة ثلاثة من زملائه سنة 1976، أي بعد عام واحد فقط من انضمامه للجيش المغربي.

الحلقة السابعة: من محنة لأخرى

لم يكن عدي عليلوش يتصور أنه وبعد أن قضى 25 سنة في الأسر، 18 منها في سجون الجزائر، و7 سنوات في معتقلات البوليساريو، أن ينتهي به المطاف بتقاعد هزيل لا يتجاوز 1800 درهم شهريا، ولذلك فهو لايزال يناضل رفقة المئات ممن عاشوا نفس تجربته القاسية، عبر وقفات احتجاجية بالرباط لتحسين أوضاعهم المادية والاجتماعية.

ذلك أنه و بعد 6 أشهر عن إطلاق سراحهم، أحيل جميع الأسرى المغاربة المفرج عنهم على التقاعد، يقول عليلوش “قالوا لنا الله يعاون وخرجوني بـ20 ألف ريال فالتقاعد و16 ألف ريفيرم (تقاعد نسبي) بحال إلى طايح من السماء للأرض”، هذا التقاعد الهزيل مقارنة بما عاناه من تعذيب نفسي وجسدي على مدى 25 عاما كان خيبة أمل كبيرة بالنسبة له.

ومما زاد من حسرتهم، أنهم تم تسريحهم قبل شهر من زيادة قررتها الدولة في معاشات العسكريين شهر يوليوز 2000، “أحالونا على التقاعد في شهر يونيو حتى لا نستفيد من الزيادة التي ستدخل حيز التنفيذ في شهر 7، هذا غير معقول”، يضيف عليلوش الذي قرر ورفاقه أن يناضلوا من أجل استرجاع حقوقهم.

كل جندي وقع في الأسر، بحسب عليلوش كان يعتبر وكأنه يعمل جنديا داخليا، في حين كان يتعرض لمختلف أنواع التعذيب والضرب والشتائم في سجون ومعتقلات البوليساريو والجزائر، متسائلا بغضب: “أين العطل التي يجب أن نستفيد منها والأكل والعلاج وتعويضات التنقل والخدمة في الصحراء وباقي حقوقنا الأخرى”.

ويتذكر عدي عليلوش أن الملك محمد السادس كان في تلك الأثناء متواجدا بالقصر الملكي ببنسركاو. حينها، فكر 60 أسيرا الانتقال فرادى إلى مدخل القصر، حيث يمكنهم أن يتجمعوا هناك عسى أن يلتقوا بالملك لالتماس تدخله وعطفه لتحسين أوضاعهم المادية.

وحسب المتحدث، فإن ضابطا من الدرك الملكي مكلف بتأمين القصر الملكي اقترب منهم وخاطبهم قائلاً: “واش جيتو تهجمو على دار الملك؟”، وهو اتهام لم يستسغه الأسرى حيث رد عليه أحدهم: “أنا راه عاس على محمد الخامس والحسن الثاني ومازال نعس على سيدي محمد السادس، وتقول لنا دبا تتهجمو عليه”.

ومضى مستطردا: “اتصلوا بالقائد (الكومندار) المكلف بنا في الثكنة العسكرية بأكادير، وأخبروه أننا أحدثنا فوضى بالقرب من القصر الملكي، التحق بنا واجتمعنا معه في باشوية بنسركاو. تلقى اتصالا يبدو أنه من الجنرال، وقد فهمت من رده أنه كان يطلب منه استخدام القوة، ولكنه رد بأننا كبار السن ونحن محترمون، ونطالب فقط بحقوقنا”.

عاد الأسرى إلى أحضان عائلاتهم كلٌّ في مدينته، دون أن تجد مطالبهم آذانا صاغية، وبعد 3 سنوات، وبالضبط في 2003 قرروا لم شملهم من جديد والخروج في وقفات احتجاجية لإحياء مطالبهم، والتي وصلت فعلا إلى الملك محمد السادس حيث أمر رئيس الحكومة آنذاك عبد الرحمان اليوسفي بدراستها.

ووفقًا لعليلوش، فإن الملك محمد السادس أصدر توجيهاته بتعويض الأسرى، حيث أشار قائلا: “أصدرت الحكومة قانونا لتعويضنا، تمت المصادقة عليه، لكن لم نطلع على تفاصيله. وفي 30 يونيو 2003، أحال اليوسفي هذا القانون على وزير المالية، لكن دون أن يتم تنزيله”، غير أنه لم ينف استفادتهم من تعويضات اعتبرها “هزيلة” تتراوح ما بين 9 و16 مليون سنتيم.

استمر الأسرى في الاحتجاجات أمام البرلمان، وكانت مطالبهم دائما تقابل بالتسويف إلى أن دخلوا في اعتصام مفتوح دام 140 يوما، قبل أن يتم فضه فجرا باستخدام القوة، وبحسب عليلوش فإن الأسرى مازالوا ينضمون بين الفينة والأخرى وقفات احتجاجية، داعيا المنظمات والصحافة إلى إثارة ملفهم حتى يصل إلى الملك محمد السادس ليتدخل لوضع حد لمعاناتهم.

ورغم كل هذه المعاناة، يرى عليلوش بأن من حسن حظ الأسرى المفرج عنهم أنهم سيدفنون في أرض الوطن وبالقرب من عائلاتهم، عكس عدد من الشهداء الذي قضوا بسبب التعذيب في سجون البوليساريو ودفنوا هناك في مقابر جماعية، وهناك من دفن وسط الصحاري القاحلة دون قبور ولاشواهد وحتى دون كفن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *