وجهة نظر

السياسة تقديم الخدمة وليست ممارسة الوصاية

ونحن على أبواب الانتخابابت التشريعية، أنزعج في الحقيقة كثيرا عندما ألمح في بعض السياسيينالرغبة في تشكيل الهوية الدينية والثقافية للمغرب والمغاربة حسب رغبات وميولاتهؤلاء السياسيين الإيديولوجية. من ذلك ما فتيء يصرح به أحد رؤساء الأحزاب السياسية في كل مناسبة على أن المغرب بلد مسلم وليس بلدا إسلاميا وأن المغرب ليس بلدا عربيا وأن انخراط المغاربة في الإسلام انخراط ديني وليس انخراطا حضاريا أو ثقافيا…

نحن متفقون على أن الحفاظ على الهوية الدينية والثقافية بالنسبة للأفراد والدول والمجتمعات أمر في غاية الأهمية. ومن فقد هويته الثقافية والدينية، فقد جزءا هاما من شخصيته قد يفقد معه توازنه ومكانته بين الناس. فمن الطبيعي بل ومن المطلوب أن يحرص الإنسان على الحفاظ على مكونات هويتهكلها وأن يقاوم عوامل الانسلاخ والذوبان. إلا إذا كان التخلي عن بعض الأمور المرتبطة بالهويته اختيارا حرا مستقلا لاعتبارات وقناعات تتعلق برغبة الشخص نفسه، فحينها يجب أن يبقى للإنسان حق الاختيار.

لكن، من يحدد هويات الناس ياترى؟ هل للغير الحق في تحديد هويتي وانتماءاتي؟ أم أنا ولا أحد غيري من لي الحق في أن أحدد من أكون، وعلى الغير أن يتعامل معي كما أقدم نفسي وليس كما يريد أن يراني او يشكّلني هو؟ ثم، ماذا عن الدولة وهويتها ومن له الحق في تحديدها؟

أتساءل عن فائدة دستور 2011 الذي من المفروض أن المغاربة صوتوا لصالحه بنسبة كبيرة جدا، ما قيمة هذا الدستور إذا لم يحدد هوية الدولة بوضوح لا لبس فيه وبعبارات لا تحتمل أكثر من معنى؟ وإذا كان الدستور قد حدد ذلك فعلا، فلماذا يطلع علينا بعض السياسيين كل مرة ليناقشوا ويحددوا ديانة المغرب ولغته وحضارته؟ المفروض وبدل الإغراق في لغىة الشعارات واللعب على وتر الهوية أن يفكرهؤلاء السياسيون في كيفية تنزيل واحترام الدستور الذي صوت المواطنون لصالحه، والذي من شأنه وحده أن ينهي النقاش والخلاف حول هوية الدولة.

إن استغلال السلطة السياسية للعبث بهوية الدولة ومحاولة تشكيلها حسب ميولات من هم في الحكم عامل أساس من عوامل عدم الاستقرار. فالساسة بميولاتهم المختلفة وربما المتناقضة يتغيرون كما تتغير مواقعهم. وهوية الدولة يجب أن تبقى ثابتة بعيدة عن عبث السياسيين. وإذا جاز لكل من وصل إلى الحكم أن يصبغ هوية الدولة بصبغته الإيديولوجية فستضيع هذه الهوية ويصيبها المسخ ولن نعرف أبدا من نحن وما تكون دولتنا.

إن الضامن الأساسي لاستقرار هوية الدولة والحفاظ عليها هو أن تكون واضحة المعالم في الدستور (وأظنها كذلك). ثم نعمل جميعا وخاصة السياسيينومن هم في مراكز القرار على احترام هذا الدستور والرجوع إليه في مثل هذه الأمور التي لا يمكن أن تحسم بالشعارات والعواطف. أضف إلى ذلك أن انشغال السياسيين المفرط بالجانب الهوياتي للدولة يستنزف أوقاتهم وطاقاتهم مما يؤدي حتما إلى التقصير في تقديم خدمات للناس تسهل حياتهم وترفع من مستوى معيشتهم.

بعض الساسة لا يقتصرون على الرغبة في تحديد هوية الدولة، بل يريدون التحكم حتى في هويات المواطنين وفرض الوصاية عليهم في اختيار أية لغة يتحدثون وأي فهم للإسلام يتبنّون… مع أن المنتظر من السياسي كما أفهم أن ينكب على تدبير شؤون البلاد وأن يجتهد في تلبية رغبات المواطنين وتحقيق متطلباتهم والرفع من مستوى معيشتهم. أما المجال الهوياتي للأفراد، فيجب أن يبقى لكل فرد فرد الحق في أن يختار هو بنفسه الانتماء إلى الهوية التي يرتاح إليها ويجد فيها نفسه، في ظل ما يسمح به الدستور الذي توافقنا عليه جميعا، أو غالبيتنا على الاقل.

وعلى السياسي حينها وبدل أن يحدد هويات الناس ويفرض عليهم الوصاية، أن يعمل على توفيرالإمكانات اللازمة والمناخ الصحي الذي يضمنلجميع أفراد المجتمع القيام بكل الخطوات والأنشطة الأساسية للحفاظ على هوياتهم.

وعلى السياسي كذلك أن يكون محايدا في هذا الأمر وأن يقف على نفس المسافة من كل مكونات المجتمع، لأنه لما أصبح في السلطة، أصبح يمثل الدولة. والدولة يجب أن تخدم كل مواطنيها بالتساوي، وإن كانت هويتهم الثقافية وحتى الدينية مخالفة لهذا الذي في السلطة أو ربما متناقضة مع ما يراه.