وجهة نظر

نحو جبهة إسلامية موحدة

خالد بنشريف

عندما صعد شهيد مصر الرئيس محمد مرسي إلى عرش الحكم، خطى في سنته الأولى خطوات سياسية واقتصادية منسجمة مع هوية الشعب المصري المسلم، ممارسًا بذلك حقه في الحكم باسم حزب الحرية والعدالة.

لكن المراقبين من صهاينة إسرائيل ودولة بريطانيا وأمريكا والاتحاد الأوروبي علموا يقينًا بأن مشاريعه ستقود مصر إلى عالم الحداثة والتحديث، كما صرحوا.

ذلك أن ساسة الغرب يعتمدون في علاقتهم مع العالم الإسلامي على تفسيرات فلاسفتهم لماهية الحداثة، التي لا زال صغار يسارنا العلماني في المغرب يحاولون أن يقولوا شيئًا باسمها دون أن يفهموا أن منطلق نجاحها هو انسجامها مع هوية الشعب المراد تحديث واقعه.

إن عمق الخلاف في المغرب بين الإسلاميين والنظام لا يتعلق بـ “مدوخة الأسرة” التي تلوكها الآن الألسن وتخطها الأقلام، بل المشكل في أساسه فكري تتفرع عنه باقي الإشكالات والأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إلخ.

لكن الملفت للانتباه هو أن الإسلاميين إلى حد الآن لم يجرؤوا بعد على توحيد صفوفهم في جبهة تتخذ من هذه “المدونة” منطلق وحدتهم لمواجهة كل من يرتدي عباءة تلك التي يسمونها “الحداثة”.

لقد أضحت معالم معركتنا مع ناقضي أسس الإسلام في المدونة مكشوفة لكل مؤمن بمشروع الاستقلال الوطني، لأن حقيقة واقع الحال هو أن المغرب والمغاربة يحتاجون إلى استقلالين:

– الأول يتمثل في التخلص من التبعية السياسية الإلحاقية للغرب الذي ينظر إلينا على أننا أحفاد دولة المرابطين التي أمدت من عمر الأندلس لتبلغ ثمانية قرون من الوجود في أوروبا، حيث يعمل على حصارنا سياسيًا واقتصاديًا ومن ثم تخريب منظومتنا التعليمية والاجتماعية القيمية.

– الثاني مواجهة فكرية سياسية لا هوادة فيها مع من أسماهم المرحوم الدكتور المهدي المنجرة بالمهرجين الذين يناقشون الحداثة بمعزل عن هوية الشعب المغربي الإسلامية، هؤلاء الذين تجدهم يستميثون في تشويه الدين الإسلامي واستعماله أيضًا حسب أهوائهم بلا حياء، كما تفعل البرلمانية نبيلة منيب التي تفتقد إلى الرؤيا الواقعية لماهية الأسرة المتماسكة في المجتمع الحداثي الناجح.

إن الغباء السياسي الذي يسبح فيه اليسار العلماني المتطرف في المغرب، جعل الغرب في غنى عن خوض معاركه الفكرية والعقائدية ضد الإسلام، لأنه ببساطة وجد فيهم بغيته ليظل النظام المغربي يؤدي دوره التحكيمي في عدة قضايا، كمدوخة الأسرة والقانون الجنائي آنفًا، دون أن نحقق القفزة النوعية التي ظلت وهمية لحد الآن.

حتى وإن ظل اليسار العلماني المغربي المتطرف يتشدق على الدوام بثقافته الديمقراطية العالية، كما يدعي، ويعتبر أن كل عضو منهم هو بمثابة “مثقف عضوي” كما يتوهم، مع العلم أنه، أي اليسار العلماني، ذو قابلية لا حدود لها في التحالف مع صهاينة إسرائيل لطمس الإسلام كهوية لدى المغاربة.

لقد خضنا في ما سبق عدة معارك هجومية فكرية وعلمية ضد رموز من يسمون أنفسهم الحداثيين، فكان موضوع الإجهاض والقانون الجنائي وغيرهما مما لا زلنا على خلاف حوله لحد الآن، لسبب بسيط يكمن في أن الدولة ظلت تتفرج على المتصارعين لتطرح وتقرر في النهاية رؤيتها المنسجمة مع مقررات البنك الدولي والأمم المتحدة دون إصلاحات حقيقية تضمن تكامل النتائج الإيجابية المرجوة.

فعشنا للأسف التنزيل المشوه وبسوء نية مبيتة لمدونة الأسرة سنة 2000 التي أدت الى المزيد من تفكك بنية الأسرة كنواة للمجتمع المغربي.

أقسم برب الكعبة أن دعاة التنوع والعقلانية لا عقل لهم، وأن هدفهم الوحيد الأوحد هو محاربة الإسلام لا غير، ولو علموا وفطنوا ماهية الحريات الفردية لا استفادوا من المأساة اليومية في أمريكا التي خلدها في كتابه “موت الغرب (The DEATH of the WEST)” المؤلف الأمريكي باتريك جيه بوكانن… (Patrick J. Buchanan) السياسي والمفكر الأمريكي المعروف الذي شغل منصب مستشار لثلاثة رؤساء أمريكيين، إذ يقول:

“لقد ارتفع الرقم السنوي لعمليات الإجهاض في الولايات المتحدة من (6000) حالة سنويا عام 1966 إلى (600) ألف حالة عام 1976 بعد أن سُمِح بالإجهاض، واعتبرت عملية قتل الأجنة حقا للمرأة يحميه الدستور، وبعد عشر سنوات وصل الرقم الى (مليون ونصف المليون حالة إجهاض) في العام الواحد، أما نسبة الأطفال غير الشرعيين فهي تبلغ اليوم 25% من العدد الإجمالي للأطفال الأمريكيين… وهذا بالفعل هو منطق الحريات الفردية التي يريد اليسار العلماني حليف الفكر الصهيوني الصليبي العالمي، فأين هي عقولكم يا من توشحون أنفسكم بوشاح الحداثة دون فهم صحيح لعمقها”؟.

لن نستطيع كإسلاميين بلوغ مرامينا في الحكم لتنزيل مشروعنا الفكري ونحن متفرقين يعتمد كل منا خطابا يختلف عن الآخر، ذلك أن وثيقة الأمم المتحدة بشأن “إتفاقية سيداو” هي معاهدة دولية اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة وصادق عليها المغرب، وهو يعمل بجدية على إقرار بنودها شئنا أم أبينا، اللهم إن أسسنا على عجل جبهة إسلامية لمناهضة هذه الإتفاقية فنسمي من خلالها كل المتدخلين بمسمياتهم ونناقشهم بكل جرأة و الله غالب على أمره.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • عبده
    منذ أسبوعين

    كيف تقوم هذه الجبهة مع إَسلاميين سرون طاعة ولي الأمر مقدمة على طاعة الله.

  • Mohammed Bouiyed
    منذ أسبوعين

    هذا المقال للصديق خالد بنشريف يصف الأهداف الخبيثة التي تسعى من خلالها الطغمة اليسارية المتطرفة في المغرب فرضها على المغاربة قسرا دون الرجوع إلى رأيهم من خلال علمائهم.

  • مناصر العمل الغابوي / المغرب
    منذ 3 أسابيع

    أحيانا هناك أحداث تاريخية لاأفهم مراميها ولا كيفية حدوثها ومنها كما جاء في المقال الثمين عن تدخل المرابطين لتمديد حكم المشارقة والجماعات والطواءف في الأندلس لما يقارب ثمانية قرون إضافية بعدما كان المسلمون الغزاة على وشك المغادرة وهذا ماتسبب في تبني الغرب لموقف أبدي من المغرب عنوانه عدم الثقة في مغاربة اليوم وهل يمكن اعتبار الخطوة بمثابة استجلاب بغضاء وعداوات مجانا وربما بعض التسرع الذي حدث والمسكوت عنه تاريخيا هو ماجلب بعدها أطيافا من لعنات الحملات الصليبية غير المسبوقة في الشرق الاوسط والتي قد تكون كرد فعل من العالم المسيحي في القرون الوسطى على حملة اجتياح الاندلس من طرف مايقال أنهم عرب او مسلمون وكما قد يقول قاءل أن تحرك المرابطين بالأندلس كان مدروسا وفي محله وأنه ربما صرخات الإستنجاد من الضفة الإيبيرية كانت باتفاق مع المسيحيين هناك لأجل اختبار قوة ووزن المرابطين والقوى التي كانت موجودة بالمغرب لذلك كان الجواب للطرفين معا وهو غزو الاندلس وإعادة ترتيب كل شيء فيه وتثبيث موازين قواه الداخلية من جديد ما سمح بتواجد المسلمين لعدة قرون طويلة .

  • جمال
    منذ 3 أسابيع

    تحياتي للكاتب على وضوحه و تسميات الأشياء مسمياتها.

  • غير معروف
    منذ 3 أسابيع

    فكر طالباني -نظرية المؤامرة- تخوين الحداثيين لا اساس له بالعمالة للغرب والصهيونية و الماسونية... - القفز على الواقع ، المطالبة بتطبيق منظومة فقهية لم تعد تساير العصر ،منظور ضيق الهوية .خلاصة المحتوى يطغى عليه الفكر السلفي المتخلف