مجتمع

عائدون (ح13).. الأسير سامر يتذكر لحظات عودته لحضن الوطن ونهاية مأساة دامت 25 سنة

لا تختلف قصة الضابط المتقاعد في القوات المسلحة الملكية، عبد الله سامر، ابن مدينة وجدة، كثيرا عن تجربة الأسير عدي عليلوش، إذ أن قاسمهما المشترك هو العذاب والمعاناة، فقد قضى سامر هو الآخر ربع قرن في معتقلات البوليساريو وسجون الجزائر، وذاق مختلف أنواع التعذيب والمعاناة، لا لشيء إلا لكونه حمل السلاح للدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة، وعن مغربية الصحراء.

ويحكي الأسير عبد الله سامر ضمن برنامج “عائدون” على جريدة “العمق”، تجربته المريرة مع الأسر لمدة 25 سنة في معتقلات وسجون البوليساريو والجزائر، و ظروفَ اعتقاله وتعذيبه بشتى أنواع الأذى النفسي والجسدي بمخيمات “تندوف”، كما كشف حقائق لأول مرة عن استنطاقه من قبل مسؤولين جزائريين، ومحاولته الهروب في مرات عديدة بعدما كان يمني النفس بحلم العودة الذي لم يتأت له إلا بعد مرور ربع قرن من الزمن.

الحلقة الأخيرة: نهاية المأساة

فقد سامر ورفاقه الأمل في العودة إلى حضن الوطن، بعد فشل محاولات فردية وجماعية للهروب من جحيم المخيمات، وظلت معاناتهم مع التعذيب مستمرة لسنوات أخرى، “كنا نعيش دائما على وقع الضرب بالعصي والكابلي، ويضعون (البريك) على ظهورنا ويجعلوننا نمشي حفاة لعدة ساعات”.

وقد استغل بعض الشباب في المخيمات هذا العذاب وحاجة الأسرى المغاربة لشعاعٍ من الأمل للخروج من هذا الكابوس، حيث طالبوهم بمبالغ مالية تصل إلى 12 مليون دينار جزائري لتهريبهم عبر الحدود، إلا أن معظم هذه العمليات باءت بالفشل.


“كان الأمل مفقودًا”، يقول سامر، ثم يواصل، “حتى بدأت اتصالات الصليب الأحمر الدولي من جنيف، وكذلك تحركات المغرب، بالإضافة إلى دعم دانيال ميتران التي كانت لها مواقف ضد الملك الراحل الحسن الثاني، ولكنها كانت صديقًة للأسرى بعد مراجعة مواقفها، وكان لها دورٌ في عودتنا إلى المغرب، بالإضافة إلى منظمة دولية في كاليفورنيا تضم في عضويتها مغاربة”.

ومضى مستطردا: “كنا 700 أسير في المخيمات من أصل 2400، أخبرونا بقرب عودتنا إلى المغرب، بينما استشهد 124 أسيرا”، وتعود الذاكرة بسامر إلى لحظات أليمة فقد فيها عددا من رفاقه الأسرى منهم من قتله مرتزقة البوليساريو بالرصاص ومنهم من دفنوه حيا، ومنهم من تم إحراقه حتى الموت.

ويحكي الضابط المغربي السابق عبد الله سامر لحظات تصفية مرتزقة البوليساريو لأحد الأسرى المغاربة، بتوجيه من ضباط جزائريين، وذلك بسبب ظهور اضطرابات نفسية عليه نتجت عن التعذيب الذي تعرض له.

يقول في هذا السياق: “حضر ضباط جزائريون إلى القسم العسكري للاطلاع على لائحة الأسرى المفرج عنهم، ولاحظوا أن أحد الأسرى يعاني من اضطرابات، فاستفسروا أحد الحراس عن سبب هذه الحالة، فأبلغهم بأنه تعرض للضرب فوق الرأس، فأجابوه: وهل تريدون إرساله للمغرب كي يخضعوه لفحوصات طبية، ليتبين لهم أنه تعرض للتعذيب، فطلبوا من الحارس قتله”. ويضيف: “ثم جاء أحد حراس البوليساريو، ويدعى الراحل، الذي كان من العائدين للمغرب، وأعلن استعداده لقتله، ثم أطلق عليه الرصاص ببرودة دم”.

كان سامر ضمن 143 أسيرا سيتم الإفراج عنهم كدفعة أولى، وقد تم نقلهم إلى مدرسة يطلقون عليها اسم “الشهيد أم عمي”، مكثوا هناك قرابة الأسبوع، وزعوا عليهم الأكل وملابس جديدة، وحلقوا رؤوسهم، ويقول الأسير المغربي: “بعد أسبوع زارتنا منظمة يرأسها سيف الإسلام القذافي، والتي كانت تقوم بالوساطة للإفراج عنا، ومعه قناة المنار اللبنانية، والقناة الاسبانية tve وقناة جزائرية”.

وقد شعر الأسرى المغاربة بفقدان الأمل في العودة إلى المغرب، بعدما دخل عليهم سيف الإسلام القذافي، لكون نظام القذافي آنذاك كان داعما للبوليساريو، يعبر سامر عن هذه الحالة قائلاً: “كنا نقول في أعماقنا، إذا بدأ في سبنا وإهانتنا، سنرد عليه بكرامة: إذا كان هدفك إهانتنا، فليكن، لقد تعرضنا للتعذيب بما فيه الكفاية، عد إلى بلدك ودعنا نموت هنا”.

غير أن نجل القذافي دخل وسط الأسرى المغاربة، وكان برفقته ضباط جزائريون ومعهم عبد العزيز المراكشي وعزيز غالي، وبدأ في مخاطبتهم بلغة عربية فصحى قائلا: “السلام عليكم أيها المغاربة، جئنا بمبادرة أخوية عربية عربية من أجل إطلاق سراحكم، وقد تواصلنا مع الإخوة المسؤولين الجزائريين، ووعدونا بأنه سيتم الافراج عن جميع الأسرى، لأنه تركنا وراءنا 500 أسير”.

ويحكي سامر لحظات استقباله عند وصوله إلى المغرب، وسماعه لصوت والدته عبر الهاتف بعد 24 سنة من الأسر، “كانت تسألني عن أخي، الذي كان هو الأخر أسيرا لدى البوليساريو، لم أرد أن أخبرها في الهاتف أن أخي استشهد، قلت لها سنتحدث في موضوعه عند وصولي إلى وجدة”.

ولم يفوت الأسير المغربي الفرصة للحديث عن الهبة الملكية التي تلقاها عند عودته إلى المغرب، وهو منزل في مدينته، وهي نفس الهبة التي حصل عليها جميع الأسرى، غير أنه أكد أنه لازالت هناك حاجة إلى بدل المزيد من المجهودات فيما يخص التعويضات التي يتلقاها الأسرى و أرامل الشهداء موجها نداء إلى الملك بالتدخل من أجل معالجة تلك الملفات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *