وجهة نظر

الجوار النجس !

لا يسع المرء إلا أن يأسف لمآل الوصل بيننا وبين إخوتنا في الجزائر، فبدل أن نكون فضاء واحدا موحدا يجمعنا ما يوحدنا تلقائيا، أكان جغرافية وطبيعة، أو عادات وتراكمات مجتمعية، أو كان صناعة، أو فلاحة، أو علما، أو إعلاما، أو أنشطة شبابية، أو نسوية، أو رياضية، أو غيرها كثير..، ويميزنا ما يفرقنا – على قلته وندرته – في بعض الأعراف وبعض اللباس وبعض الأكل وبعض الألفاظ وبعض الأساليب وبعض الاختيارات.. ولن تكون في النهاية بالتأكيد إلا جمالية، بل طهارة، مما اجتمعت عليه أسرار الجبال والبحار والأنهار والوديان وتعاقب عليه الليل والنهار وتدرج فيه الإنسان وتطبع عليه هنا وهناك.
لكن الاختيار الذي ذهب إليه حكام الجزائر منذ فجر الاستقلال وتسلطهم على السلطة بالكيفية المتسرعة/ “المراهقة” التي ارتأوها بأسلوب نرجسي شاذ، وتماديهم في الطغيان بعد ركوبهم على شعارات “الجهاد” لمغالطة الجماهير وتخديرهم بمصطلحات مخادعة، فتمكنوا من السطو على كل شيء وباتوا هم المجاهدين والمحررين والأحرار والمصلحين والأحق بالدولة، وبقيادة الدولة..!
فتحولت الدولة مع الزمن إلى كيان متسلط، ليس فقط على المواطنين الجزائريين، بل على الجوار والمحيط ككل من خلال النفسية العدوانية والذهنية المنحرفة على القيم وعلى القانون فضلا عن المنطق (!!!)
مفهوم الدولة بالكيان الجزائري المتصل بسيادة القانون وشيوع أعراف الأدب في المجتمع والإدارة والفضاء العام يكاد يكون منعدما بسبب هيمنة الظلم والفساد وغلبة الكفة العسكرية وسطوتها على كافة مرافق الحياة العامة..!
فمنذ اختطاف الدولة من قبل العسكر سنة 1962 تم – بكل جرأة، ويمكن القول أيضا بكل مزاجية – اعتماد التضليل في تأطير المواطنين بدءا من المدرسة والثقافة والإعلام والإديولوجيا (الحزب الوحيد/ الحاكم سابقا) ومؤسسة الجيش وأذرعها(…) إلى حد إخضاع الناس لغسيل دماغ  بمفاهيم ومغالطات متصلة بخلاصات نيل الاستقلال، و”قدسية شهر نوفمبر”، والحساسية المفرطة من “النظام الملكي المغربي/ العدو الدائم” (…)، كل هذا لنيل تميز وحظوة في مخيال المواطن الجزائري، واستبعاد أي تفكير سلبي مفترض نحو المؤسسة العسكرية المتسلطة التي يتستر وراءها الحكام الفعليون والسادة الحقيقيون لكل مرافق الحياة السياسية والاقتصادية والإديولوجية والإعلامية والثقافية وغيرها مما ظهر أو استتر.
والحقيقة أن خلفيات العداء الجزائري المتجذر نحو المملكة المغربية يعود في الأصل إلى مشاعر نفسية غير سوية توارثها الخلف عن السلف، الذي طالما استفاد من دعم مغربي شمولي سنوات الاستعمار الفرنسي، هذا الدعم الأخوي السخي الذي كان مساندة بإيعاز قيمي متصل بالدين أولا، ثم الأواصر المتقاطعة والدم المشترك، فلم يقتصر على جانب دون آخر، كان الإيواء والغذاء قبل السلاح، وكان أيضا بالرجال، وكان تلقائيا.. بمعنى أن المغاربة الذين قاوموا الاستعمار إلى جانب إخوانهم الجزائريين كان تطوعيا واختياريا وتلقائيا، كانت أخوة حقيقية، فمنهم من قضى نحبه ضمن المعارك المتواصلة المختلطة في مواجهة المعمر أو إثرها، ومنهم من كتب له أن يعيش إلى أن شهد مرحلة الاستقلال وما بعدها من انقلاب “الإخوة” في الدين والجوار والتاريخ والدم والأواصر على الأُخُوٌَةِ في الدين والجوار والتاريخ والدم والأواصر (!!!)
وانتهت مرحلة الكفاح المشترك ومرحلة التآخي، لتبرز مرحلة العداء المتصل بالنظرة المَرَضِية للجوار ذي التاريخ المتجذر لقرون مضت منتهية إلى المولى إدريس الأول مؤسس الدولة المغربية، وذي الثقافة والحضارة المتواصلتين والمتقاطعتين بأعراف ومعارف شتى متصلة ببيئة متداخلة ومرتبطة بتضاريس وامتدادات إفريقية، أندلسية، عربية، إسلامية تزاوج فيها وتلاحم الدين والتجارة والرحلة، واختلط الغزو والتحدي، والشدة والرخاء، والعدالة والظلمات، والامتداد والنصر، والانتصار والانكسار، والرخاء وشظف العيش، والضياء والقسوة..، فبرزت الفوارق وتجلت مع السنين المحاسن والمساوئ في مختلف مناحي الحياة، وتلكم هي سنن الكون.
بينما الراكنون إلى الجاهلية التي فاقت وتجاوزت مفهوم الجاهلية التي أدركها الإسلام وصحح  انحرافها وألغى ظلاميتها بنصوص وممارسات قيمية مثلى بهتت أصحابها وأبهرتهم.. لا يزالون يعضون على نرجسيتهم في الحقد والكراهية والحسد والتشبث بالضلال، وبالتالي التضليل من خلال كتابات عرابة (…) كما يفضل أن يكون البعض (محيي الدين عميمور على سبيل المثال، المتخصص في بث العداء والغمز واللمز نحو المغرب) أو من خلال مداخلات وسائطية خبيثة (محمد العربي زيتوت، عبدو سمار.. مثلا)
والغريب العجيب الملازم لما ذكر، أن يعمد الممسكون بزمام الأمور على رأس “الدولة” على إبراز “نخب سياسية” موازية لمنحاهم في تدبير الشأن العام هي في الواقع عبارة عن رسم كاريكاتوري متحرك، مضحك مبكي، تختلط فيه الإساءة للقيم قبل السياسة والاقتصاد والدبلوماسية والإعلام.. إلخ، وكأن قدر الجزائر من الانحطاط والسخافة، بل والهوان وافق بالفعل هوى وخيال رئيسه الجاهل، الأحمق (دمية العسكر) في تفاخره المتواصل بأنهم الأوائل في كل شيء..، إلا في التخلف والجاهلية والضياع..، هم بالفعل كذلك منذ اختطاف مشروع الدولة سنة 1963 من قبل عصابة الانقلابي، البهات الأول وقتئذ، الرئيس الراحل هواري بومدين ومن كان معه (!)
ولا غرو أن نشهد اليوم – فيما نشهد – هذه السلوكات الغريبة المتصلة بلقاء كروي، يفترض أنه عادي مثله مثل أي لقاء بين فريقين من بلدين مختلفين في الموقع وفي الجغرافيا وفي النظام السياسي وربما التوجه الاقتصادي، لكنهم غير ذلك في الأخوة والدين وبعض الماضي المشترك والتطلع للتعاون الصادق واستشراف المستقبل بما يخدم الطرفين، لكن الحالة النفسية لحكام الجزائر بالنظر لتكوينهم وماضيهم وسوابقهم غير المشرفة جعلهم يوجهون استقبال الفريق الضيف بطريقتهم الخاصة الملائمة لشخصياتهم المتقاطعة في الشر ولا شيء غير الشر والكيد والإصرار على ذلك، فكل إناء بما فيه ينضب كما هو معلوم (!)
فأن يركز بلد وفق إمكانياته على جانب التنمية وعلى تحقيق ما تيسر له من مصالح اقتصادية واجتماعية في ظروف باتت مليئة بالصعاب والتحديات من كل جانب، وأن يعمل على ربط توجهاته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية بقدسية وحدته الترابية وثوابته الوطنية، وأن يمد يد الأخوة الصادقة في ذات الآن لجواره الجزائري بخاصة في مناسبات عدة ومحطات مختلفة بلا كلل أو يأس وعلى أعلى مستوى، لم يجعل حكام الجزائر يزدادون إلا غلا وحقدا وعدوانا بسبب وبدونه..، بل لم يقدروا البتة تسامح جارهم ولا ترفعه عن حماقاتهم الموصولة صيفا وشتاء.. ودفعهم “لنخبهم” بأساليب غير مشرفة للتهجم على المملكة المغربية بكل الطرق التي لا صلة لها بالعلم ولا بالحقائق ولا بالأخلاق..!
فما معنى أن تقيم “الجزائر” الدنيا ولا تقعدها بسبب خريطة المملكة المغربية – بعد أن منعتها كليا بمجموع ترابها طبعا على جميع المستويات -، هل خريطة المغرب تمس بالسيادة الجزائرية فعلا ؟ هل تمثل تطاولا على التراب الوطني الجزائري ؟! ألم تقل الجزائر وتردد مرارا بأن “نزاع الصحراء ليست طرفا فيه” ؟! هذا التصريح موجود ومسجل على لسان رؤسائها ووزراء خارجيتها وكثير من مسؤوليها..!
لكن القصد لعله كان، وهو ما بات معروفا معلوما، أن الجزائر ليست طرفا في نزاع الصحراء (الغربية)، وإنما الصحيح أنها صانعته، أي هي من أنجبته – بتزاوج مع القذافي – وأرضعته وأنشأته.. وهي التي تموله وتدعمه بالمال والدبلوماسية والإعلام، والثقافة والتعليم..، بمعنى أنها صاحبة المشكل، والمهتمة الأولى والأساسية بالقضية (…)، كل هذا واضح جلي للخاص والعام، والأغرب والأعجب من كل هذا كله أن كل الأجهزة في الجزائر، من الرئاسة إلى أصغر مؤسسة في البلاد،  منخرطة في مسلسل الزور و الكذب والبهتان بالقول والفعل والعدوان والبيانات والكتابة الصحفية و”الأكاديمية”.. و..”البكاء على القضية الفلسطينية” و”مأساة غزة”.. كل هذا للوصول لجوهر الهدف.. الصحراء (الغربية) ولا شيء غير الصحراء (الغربية) وبموازاتها العداوة الموصولة للمغرب (!) وإلا فما معنى شحن الأطفال بشعارات ضد المغاربة خلال استعراض عسكري بمناسبة عيد وطني ؟ وما معنى تحريض “جزائريين” بعاصمة أوربية بكلام ساقط ضد المغاربة ؟ وما معنى إنشاء “تمثيلية” لمكتب انفصالي بالجزائر العاصمة يستهدف تجزئة المغرب وتكريس الإساءة إليه..؟! بل إن سفاهتهم بلغت بهم حد شيطنة المغرب والمغاربة حتى من على منابر المساجد..! أي والله.
إنها الحقيقة أيها السادة، حقيقة الجوار النجس، حقيقة الذئاب الذي تبكي الفرائس وتستنكر استهدافها، حقيقة شذاذ الآفاق المتعاطفين مع الضحية، ظالمة كانت أم مظلومة (!!!)
وصدق من قال أن الجزائر تعد من نواقض الاطمئنان و.. الطهارة..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *