مجتمع

الجندي .. مبدع “الأزلية” يرحل وفي نفسه شيء من حتى “تمييع الفن”

عن عمر يناهز 79 سنة، يودع الساحة الفنية بالمغرب، الهرم الكبير الفنان محمد حسن الجندي، وهو ما يجعل المغرب يفقد واحدا من أهم أعمدته الفنية، حيث استطاع الراحل على مدى عقود طويلة أن يحظى باحترام كل الأطياف والأجيال نظير ما قدمه للمشاهد والمستمع المغربي من أعمال فنية ظلت راسخة في عقول وقلوب عدد كبير من المهتمين ومتتبعي المسرح والسينما والإذاعة.

لقد برز اسم حسن الجندي المؤلف الإذاعي المسرحي والتلفزي في سماء السينما العربية بعدما فرض وجوده بتميزه الملفت على واقع الحركة الفنية والثقافية بالمغرب، ليصبح هرم من أهراماتها ورائدا من أهم رواد المسرح المغربي، وذلك في فترات مختلفة.

المسرح والتأليف

محمد حسن الجندي من مواليد مدينة مراكش الحمراء سنة 1938، بدأت مسيرته الفنية الزاخرة من مسرح الهواة بمراكش في فرقة “الوحدة” ثم فرقة “الأمل” عام 1957، حيث جمعت هاتين الفرقتين آنذاك أهم الأسماء الفنية البارزة في مدينة مراكش.

وجمع الرجل بين تميزه في التمثيل بالسينما والتلفزيون والمسرح، كما يبرز اسمه في ميدان الكتابة والتأليف بأعماله الأدبية وتمكنه من خفايا اللغة العربية، ويعد الجندي من أهرامات الفن حيث استطاع أن يبني الجسور بين المغرب والمشرق العربي من خلال أعماله الفنية.

أعماله الرائدة

قبل أن يعرفه الناس من خلال أدائه الرائع لدور أبو جهل في فيلم الرسالة بنُسخته العربية، وكذلك دور رستم في فيلم القادسية، تمكن الراحل عبر الإذاعة من نقل نبض التراث المغربي إلى المجال الفني الحديث، حيث حققت سلسلة “الأزلية” نسبة استماع ومشاهدة غير مسبوقة.

ومن أعماله التي حققت نجاحا كبيرا، ظل الفرعون، وطبول النار لسهيل بن بركة، والقادسية لصلاح أبو سيف في دور رستم، والرسالة لمصطفى العقاد في دور أبو جهل، وبامو لإدريس المريني ومطاوع وبهية وغيرها.

وبرزت أعماله التلفزيونية في عدة مسلسلات من أهمها صقر قريش لوليد سيف وإخراج حاتم علي، حيث لعب فيه دور الأمير يوسف الفهري أمير قرطة، وكذا مسلسل آخر الفرسان مع المخرج نجدة إسماعيل أنزور، ومسلسل الخنساء في دور صخر، إضافة لمسلسل فارس بني مروان، ومسلسل عمر حيث لعب دور عتبة بن ربيعة.

مناصب وجوائز

ترأس الجندي مندوبية الثقافة الجهوية بمراكش من سنة 1992 إلى غاية 1999، وعمل في إذاعة البي بي سي في سنوات السبعينيات بلندن معدا ومقدما لبرنامج “كشكول” المغرب، وأول ممثل مغربي يكرم في الدورة الثانية من مهرجان مراكش الدولي للفيلم بنجمة مراكش رفقة الأمريكي فورد كوبولا والهندي أعمير خان.
سلمه مركز العالم العربي بباريس عام 1999 وسام “عملة” باريس، وحصل كذلك على وسام الثقافة من جمهورية الصين الشعبية.

عمل الجندي محاضرا في مادة الإلقاء بالمعهد العالي للتنشيط الثقافي والفن المسرحي بالرباط، وأشرف على إدارة شركة جندي للإنتاج الفني التي أنتجت مسرحيات شاعر الحمراء والمتنبي في جامع الفنا، وسلسلة غضبة وفيلم ثعلب أصيلة.

ملك الشاشة المغربية

وُصف الجندي بـ”ملك” الشاشة المغربية، ووصفه العقاد بـ “الوحش”، وطلب منه الملك الراحل الحسن الثاني أن يسجل “ألف ليلة وليلة” بصوته، ومما ذكره الممثل القدير حسن الجندي أنه درس في الكتاب القرآني والتحق بمدرسة ابن يوسف التاريخية، واهتم بعلوم الدينية والدراسات الشرعية.

وقد اعتقد والده أن الدراسة في المدارس العصرية انسلاخ عن الشخصية الوطنية فمنعه من الالتحاق بها، وبعد الضغط والالحاح عليه سمح له بالذهاب إليها شريطة ألا يلتحق بمدرسة تدرّس اللغة الفرنسية، فالتحق بالمدرسة الحسنية عام 1946 التي كان يديرها أحد الزعماء الوطنيين، وهناك تعرف على المسرح لأول مرة.

الجندي يناهض التمييع

ويُعدُّ محمد حسن الجندي رجلا محافظا، عشق اللغة العربية وناهض تمييع الفن، وقال “أجد نفسي حيثما كان هناك فن نبيل يحترم الذوق ومشاعر الناس. أنا لست من أولئك الذين يسفّهون العمل الفني، ويغرقون الإبداع في الإباحيات”.