مجتمع

“حصيلة ثقيلة”.. القضاء يتصدى لفساد منتخبين وتبديد الأموال يسقط برلمانيين

حمل النصف الأول من الولاية التشريعية الحادية عشر، حصة الأسد من حيث عدد البرلمانيين الذين جردهم القضاء الدستوري من عضوية البرلمان، بسبب متابعتهم بتهم فساد وجرائم تبديد أموال عمومية وجرائم مالية، واقتسمت فرق الأغلبية والمعارضة الممثلة في البرلمان المقاعد المفقودة، والتي توزعت بين حزب الحركة الشعبية بثلاث برلمانين وثلاثة آخرين لحزب التجمع الوطني للأحرار، وأربعة يتوزعون على أحزاب الاستقلال، والاتحاد الاشتراكي، والتقدم والاشتراكية، والاتحاد الدستوري.

وجرد القضاء الدستوري ثلاثة من برلمانيي التجمع الوطني للأحرار من مقاعدهم بسبب جرائم وجنح مالية، وهم محمد الحيداوي ورشيد الفايق وكمال المحفوظ، وهو ما يمثل 30 في المائة من مجموع من جردتهم المحكمة الدستورية من صفاتهم البرلمانية بسبب هذه الجرائم.

ربط المسؤولية بالمحاسبة

وبصمت المحكمة الدستورية خلال الولاية الحكومية الحالية على أكبر حصيلة في تاريخها، منذ خروجها إلى حيز الوجود، من حيث تجريد البرلمانيين من عضوية مجلسي المستشارين والنواب، فخلال الشهور الأولى فقط من السنة الجارية جردت هذه المحكمة سبعة برلمانيين من صفاتهم البرلمانية.

هذا الارتفاع، الذي شهدته وتيرة قرارات المحكمة الدستورية المتعلقة بتجريد برلمانيين من عضوية البرلمان، فسره أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني، محمد زين الدين، بمجموعة من العوامل، أبرزها وجود “دينامية جديدة” في هذه المحكمة.

وقال زين الدين، في تصريح لجريدة “العمق”، إن “طبيعة المرحلة الحالية والرهانات المعقودة على المحكمة الدستورية، نظرا لما جاءت به الوثيقة الدستورية من اختصاصات استراتيجية لهذه المحكمة، وعلى رأسها المنازعات الدستورية، كلها عوامل تفسر الوتيرة المتسارعة لقراراتها”.

ومن العوامل التي تفسر الإيقاع الذي سارت به قرارات المحكمة الدستورية، يضيف الأستاذ الجامعي، الهيكلة الجديدة للمحكمة والوجوه الجديدة، ما يعني أن هناك رأيا جديدا، وهو ما أعطى دينامية جديدة لعمل هذه الهيئة، سعيا “لتكريس روح وجوهر دولة الحق والقانون وربط المسؤولية بالمحاسبة”.

حصة متكافئة

ولنفس السبب جرد القضاء الدستوري ثلاثة برلمانيين ينتمون للحركة الشعبية من صفاتهم البرلمانية، ويتعلق الأمر بكل من أحمد شد ومحمد مبديع وعبد النبي عيدودي، وهو ما يمثل 30 في المائة من مجموع هذه الفئة.

وبلغت حصة كل من أحزاب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي والاتحاد الدستوري والتقدم والاشتراكية، 10 في المائة لكل واحد منها من مجموع البرلمانيين الذين جردهم القضاء الدستوري من مقاعدهم بسبب تورطهم في جرائم مالية، أو استبقوا قراره بالاستقالة، ليفسحوا المجال لمن يليهم في اللائحة.

ويتعلق الأمر بكل من محمد كريمين عن حزب الاستقلال، ورشيد الفايق عن الاتحاد الاشتراكي، وسعيد الزيدي عن التقدم والاشتراكية، وعبد القادر البوصيري عن الاتحاد الاشتراكي، وبابور الصغير عن حزب الاتحاد الدستوري.

البرلمانيون العشرة الذين جردهم القضاء الدستوري من مقاعدهم بسبب جرائم تبديد أموال عمومية، أو استبقوا قراره بالاستقالة لتحافظ أحزابهم على مقاعدهم، وضمنهم الوزير الحركي الأسبق محمد مبديع، ينتمي 5 منهم إلى أحزاب الأغلبية وخمسة آخرون إلى أحزاب المعارضة.

استقالة قبل التجريد

وقبلت المحكمة الدستورية استقالة البرلماني عن حزب الحركة الشعبية محمد مبديع من مجلس النواب، وصرحت، في قرار لها صدر في ماي الماضي، بشغور المقعد الذي كان يشغله بالغرفة الأولى.

وكان مبديع، المعتقل منذ أبريل 2023، بسجن “عكاشة” على خلفية ملف تبديد أموال عمومية بجماعة الفقيه بنصالح التي كان يترأسها، قد استبق قرار عزله، بتقديم استقالته من عضوية الغرفة الأولى للبرلمان.

المحكمة ذاتها قبلت في دجنبر الماضي استقالة البرلماني عن الاتحاد الدستوري بابور الصغير من عضوية مجلس النواب، حيث أقدم برلماني “الحصان” على هذه الخطوة لتفادي تجريده من صفته البرلماني وفقدان حزبه لمقعد بالغرفة الأولى.

وتوبع ويتابع بابور الصغير في عدة قضايا أمام المحاكم، جلها بخصوص تهم لها علاقة بجرائم مالية، من قبيل الارتشاء والنصب والتزوير في محررات بنكية واستعمالها، وخيانة الأمانة وإصدار شيكات بدون مؤونة.

ارتشاء وشيكات بدون رصيد

وجردت المحكمة الدستورية، في قرار لها صدر في يناير الماضي، رشيد الفايق من مقعده البرلماني بمجلس النواب، بعدما أدين استئنافيا، بالسجن النافذ 8 سنوات، وغرامة مالية قدرها مليون درهم، في قضية عُرفت إعلاميا باسم “مافيا العقار” بفاس.

وأدين الفايق، المنتمي لحزب التجمع الوطني للأحرار، من طرف غرفة الجنايات الابتدائية قسم جرائم الأموال بمحكمة الاستئناف بفاس، بتهم “الإرتشاء وتبديد أموال عمومية واستغلال النفوذ والسلطة”.

أما الحيداوي فقد جردته المحكمة الدستورية من مقعده البرلماني بمجلس النواب يوم 26 دجنبر 2023، لوجوده في إحدى حالات عدم الأهلية، بعدما أدانته استئنافية آسفي من أجل جنحة عدم توفير مؤونة شيكات عند تقديمها للأداء، وحكمت عليه بعقوبة ثلاثة أشهر حبسا موقوف التنفيذ وغرامة نافذة قدرها 30 ألف درهم.

كما جرد القضاء الدستوري أيضا كمال المحفوظ عن الحزب ذاته، من مقعده البرلماني بمجلس النواب، بعدما أدانته استئنافية بني ملال بإصدار شيك بدون رصيد وحكمت عليه بشهرين حبسا موقوف التنفيذ وغرامة مالية نافذة قدرها 50 ألف درهم.

وقضت المحكمة الدستورية، في دجنبر الماضي، بتثبيت تجريد النائب البرلماني عن حزب الحركة الشعبية عبد النبي عيدودي، عن دائرة سيدي قاسم، من عضويته بمجلس النواب.

جاء هذا القرار بناءً على طلب من الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، بعد أن صدر في حق عيدودي حكم قضائي نهائي بإدانته بتهمة تبديد أموال عامة خلال رئاسته لمجلس جماعة الحوافات بسيدي قاسم.

تجريد بعد عزل

وفي فبراير من السنة الماضية قضت المحكمة الدستورية بتجريد البرلماني عن حزب الحركة الشعبية، أحمد شد، من صفة عضو بمجلس النواب، بسبب إدانته، إثر خروقات مالية، بالعزل من عضوية ورئاسة مجلس جماعة بني ملال، وهو الحكم الذي أيدته محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط.

وجردت المحكمة الدستورية الاستقلالي محمد كريمين المعتقل في سجن عكاشة، في مارس الماضي، من مقعده بمجلس النواب، بعدما عزله القضاء من عضوية ورئاسة مجلس جماعة بوزنيقة، إثر متابعته بسبب تلاعبات مالية في ملفات عقود التدبير المفوض، واختلاسات مالية، واستغلال النفوذ، وتضارب المصالح.

وفي يناير الماضي جردت المحكمة الدستورية سعيد الزيدي، البرلماني عن التقدم والاشتراكية ورئيس جماعة واد الشراط بإقليم بنسليمان، من مقعده في مجلس النواب، بعدما عزله القضاء من عضوية مجلس الجماعة التي يرأسها.

ويتابع الزيدي أمام غرفة الجنايات الاستئنافية قسم جرائم الأموال لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، بتهمتي “الابتزاز والارتشاء”، بعدما ضبط بحوزته مبلغ 400 ألف درهم، ادعى مقاول تسليمه له لمساعدته في مشروع عقاري، وهي التهم التي أدين من أجلها ابتدائيا بسنة نافذة.

كما قضت المحكمة الدستورية أيضا بتجريد البرلماني عبد القادر البوصيري عن الاتحاد الاشتراكي، من صفة العضوية بمجلس النواب، بعدما عزله القضاء الإداري من عضوية مجلس جماعة فاس. ويتابع عبد البوصيري في حالة اعتقال احتياطي، على خلفه اتهامه بتهم “تبديد أموال عمومية والاختلاس والتزوير في محررات رسمية والارتشاء”.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *