المغرب العميق، مجتمع

“قهر الجفاف” يطال نساء الجنوب الشرقي ويضعهن على هامش اقتصاد الواحات

لم يفت منظمة الأمم المتحدة، وهي تخلد في 17 يونيو الجاري، اليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف تحت عنوان “المرأة. حقوقها. أرضها”، أن تذكّر على موقعها الرسمي، بما “تخضع له النساء من قوانين وممارسات تمييزية تعيق تمتعهن بحقوقهن في الميزات والحصول على الخدمات والموارد” وبكونهن “الأشد تضررا عندما تتدهور الأراضي وتندر الميّاه”.

وحاولت جريدة “العمق” أن تقارب مدى تطابق ما أشارت إليه المنظمة الأممية على وضعية نساء واحات المغرب، التي يخيّم عليها شبحا التصحر والجفاف منذ سنوات، حيث أكدّت فعاليات جمعوية للجريدة أن “قهر الجفاف” طال النساء خصوصا الفئات الهشّة منهن، وجعل بعضهن “على هامش اقتصاد الواحة” بعد أن زادت الظاهرة من تفكك المنظومة الواحية التقليدية التي كانت تضمن لهن دخلا “محترما” على بساطته.

قهر الجفاف

الحسنية أشيش، فاعلة جمعوية بدوار تنفو جماعة فزواطة بإقليم زاكورة، قالت إن “نساء المنطقة تضررن كثيرا جرّاء الجفاف الذي يمتدّ على رقعة الإقليم ويجعل الساكنة تعيش “القهر”، خاصة أن قطاعا واسعا من الفئات الأكثر هشاشة، مثل المطلقات والعازبات والأرامل، ينتظمن في نواد وجمعيات نسوية تنتنج منتوجات تعتمد بالأساس على الماء؛ مثل الكسكس و’المحيمصة’ وتميت والحلويات”.

ولفتت أشيش، وهي عضو في جمعية ناد نساء تنفو للتنمية، في تصريح لجريدة “العمق” إلى “إقصاء” نساء الجمعية وعددهن 76 منخرطة و12 عضوة دائمة، من بعض الحلول التي تلجأ إليها الساكنة في ظلّ الجفاف والعطش الذي يطوق إقليم زاكورة ؛ “حيث تم إيقاف أعمال حفر يدوية لبئر موجه لأنشطة الجمعية النسائية في المراحل الأخيرة، وتمّ منحها لجمعية تدار من قبل رجال الدوار”.

وأوضحت أشيش أنه حين احتججن على هذا الإيقاف واجههن بعض الرجال بعبارات تصب في منحى “عدم أهليّة النساء لحلّ مشكلة الماء”، مؤكدة أن نساء الجمعية هممن بمساعدة محسنين وشباب على حفر بئر ثانية، إلا أنه تم إيقاف هؤلاء لحظة بداية الحفر.

ونساء هذه الجمعية المذكورة “لا يستفدن” أيضا من الصهاريج المائية التي يحملها المجلس الإقليمي إلى الدوار” بحسب أشيش، التي أكدت أن أنشطة الجمعية باتت تتكئ على “ما يوفره بعض المحسنين من صهاريج مائية”.

على هامش اقتصاد الواحة

وبالنسبة لمحمد بنشريف، باحث في علم الاجتماع، مقيم بمدينة بوذنيب إقليم الرشيدية، فإن فهم مدى تضرر المرأة جراء التصحر والجفاف الذي لحق المنطقة يستدعي بدايةً استحضار “مجموعة من العوامل التي أدت إلى تفكك تدريجي لنظام واحس كانت المرأة إحدى مكوناته الرئيسية. وأول هذه العوامل فيضانات واد كير سنة 2008، التي طمرت مجوعة من الأراضي الفلاحية.

كما استحضر بنشريف “الاستثمارات في الضيعات الكبرى لنخيل التمر، التي تقاطرت في السنوات الأخيرة على المنطقة، وجعلت الخطارات التي هي عصب نظام الرّي بالمنطقة، تجف أو يضعف صبيبها في الأقل، نتيجة اعتماد هذه الضيعات على ما كان محرما في هذا النظام: حفر الآبار في أعالي ومحيط الواحات. أما العامل الثالث؛ فهو إنهاك توالي سنوات الجفاف للموارد المائية المتمثلة أساسا في الخطارات وواد گير الذي كان يضخ كميّة وافرة من المياه إلى واحات المنطقة”.

وذكّر بنشريف في تصريح لجريدة ”العمق” بأن نساء الواحة لعبن دورا أساسا في المنظومة الواحية ‘المفككة”؛ فهن ساهمن دوما في الرفع من مردودية الواحات، عبر قيّأمهن بمجموعة من الأنشطة كجلب العشب والبرسيم من الواحات، أو الأعمال التس تدر عليهن دخلا محترما كتريية “الدمان” والدواجن والأرانب، وكذا الصناعات السعفية”.

أما اليوم فنساء الواحة ببوذنيب “يقعن على هامش الاقتصاد الواحي”، بتعبير المتحدث ذاته، الذي أضاف شارحا :”الوضعية الحالية أضعفت الصناعات التقليدية التي كانت على بساطتها توفر موارد مالية محترمة لنساء المنطقة، لمّا كانت تعتمد في مجملها على ما يجود به نخيل الواحة، مثل صناعة الحصير من سعف النخيل صناعة الأواني السعفية (الطباگ…)، وكذا إنتاج معجنات وعصائر التمر (تحلاوت)”.

وأقرّ بنشريف بأن نساء الواحة نجحن في إيجاد فرص عمل في ضيعات التمر، التي زادت آبارها من وطأة الجفاف على المنطقة، على غرار “أعمال تنقية أشجار النخيل ومعامل تصبير التمر”. لكنه استدرك أن “فرص العمل هذه تظلّ ‘موسمية’ بخلاف العمل داخل التعاونيات الذي كانت تتشوف النساء من خلاله إلى تثمين المنتوجات الواحية، ويضمن لهن دخلا مستداما على بساطته. وهو ما يجعل المرأة لا تجد ذاتها إلا داخل النظام الواحي التقليدي”.

ولم يفت الباحث في علم الاجتماع لفت التأكيد على أن إحياء الواحة هي ما سيحسن وضعية المرأة داخلها، مقترحا في هذا الصدد :”إصلاح الواحات التقليدية عبر تنقية أعشاش النخيل وحمايتها من التصحر، وكذا ردّ الاعتبار للإرث التاريخي والحضاري والموارد المائي الذي يتكيف مع خصوصيات المنطقة ويعد باستدامة الموارد المائية: الخطارات”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *