مجتمع

النصب في 5 ملايير.. حكم يعمق آلام منخرطي ودادية بالناظور ويعفي المتهمين من التعويض

واقعة قانونية غريبة معروضة على القضاء المغربي، جسدها صدور حكم قضائي عن محكمة الاستئناف بمدينة وجدة، يقضي بالحجز على حساب ودادية سكنية بناء على حكم صادر عن ابتدائية بركان سنة 2021 في حق شخصين قاما بالنصب على مهاجرين مغاربة في ما يفوق 5 ملايير سنتيم.

وجد مكتب الودادية الجديد نفسه أمام حكم يقضي بأداء قرابة 3 مليار سنتيم، بعد ما حاول المتضررون الحجز على حسابات المتهمين الذين أدانتهم المحكمة الابتدائية ببركان، ووجدوا حساباتهم فارغة، الأمر الذي دفعهم إلى استئناف القرار والدفع بإصدار قرار الحجز على حساب الودادية السكنية، رغم أنها لم تكن طرفا في الدعوى القضائية، وأن أعضاء مكتبها منخرطون متضررون أيضا.

ويتعلق موضوع الحكم الابتدائي (2021) برئيس ودادية راس الماء بالناظور السابق ومستشار معه، تمت إدانتهم بجريمة “خيانة الأمانة وعدم تنفيذ عقد”، بـ8 أشهر حبسا نافذا لكل واحد منها، وإرجاع المبالغ المالية التي أداها المتضررين المشتكين والبالغين 22 شخصا، مع تعويض قدره 10 ألف درهم لكل واحد منهم.

ورفع الحكم الاستئنافي (2024) الصادر عن محكمة الاستئناف بوجدة عقوبة السجن إلى سنتين حبسا نافذا، وإبقاء نفس التعويض للمتضررين مع إرجاع المبالغ المقدمة.

بعد إصدار الحكم الاستئنافي، أخذه المتضررون للمحكمة الابتدائية من أجل استصدار قرار تنفيذ الحجز على الودادية، لكن المحكمة الابتدائية رفضت ذلك، لأن الودادية ليست طرفا في الدعوى والحكم كان ضد متهمين بصفتهما الشخصية، في حين أصدرت استئنافية وجدة بعد اللجوء إليها بالحجز  على حساب “ودادية راس الماء السكنية” وليس على المتهمين.

مكتب الودادية، لم يقبل القرار الاستئنافي الصادر في حقهم، لأنه قرار “غير قابل للطعن ومشوب بانعدام التعليل”، كما عبر أحد أعضاء الودادية لجريدة “العمق”، الأمر الذي دفعهم إلى مراسلة رئاسة المجلس الأعلى للسلطة القضائية.

وقال مكتب ودادية راس الماء، في شكايته التي اطلعت عليها “العمق” إن الجرائم المرتكبة في حق المهاجرين مغاربة العالم، “جرائم قام بها أشخاص وليست هيئة، كما وقفت على ذلك الأبحاث القضائية”، وأنه “من غير المنطقي أن تؤدي الودادية مبلغا ماليا ضخما بناء على حكم بقضي بأداء المتهمين تضامنا فيما بينهما لفائدة المطالبين بالحق المدني المبالغ المختلسة”.

محكمة ترفض وأخرى تقبل

في بداية القصة، بعد صدور الحكم النهائي والعمل على تنفيذه، لجأ المتضررون إلى المحكمة الابتدائية ببركان من أجل إجراء حجز لدى الغير على الحساب البنكي للودادية، لكن المحكمة رفضت إصدار الطلب.

وعللت ابتدائية بركان القرار لأنه تبين لها بعد العودة إلى حكمها الصادر في 2021، أن الحكم صدر في حق المتهمين (رئيس الودادية ومستشار)، وبالتالي “لا صفة للمطلوب ضدها، أي ودادية رأس الماء السكنية، للحجز على أموالها على اعتبار أنها غير معنية بمضمونه”.

ولأن هذا القرار لم يلقى قبولا من طرف المتضررين، تقدموا لمحكمة الاستئناف بوجدة لاستئنافه. هذه الأخيرة قبلت الطلب في الشكل، كما قضت في الموضوع بالحجز على مبلغ 2.865.00,00 درهم، من حساب الودادية السكنية، محملة المستأنفين الصائر.

ودادية رأس الماء السكنية، بدوها لم تقف مكتوفة الأيدي، بل راسلت رئاسة المجلس الأعلى للسلطة القضائية بالرباط، تطالبه بالتدخل والنظر في قرار استئنافية وجدة التي قامت بإصدار قرار يروم “الحجز لدى الغير ضدا على القانون”.

واعتبرت الجمعية، في شكايتها التي توصلت بها جريدة “العمق” أن قرار استئنافية وجدة اتخذ “بدون سند تنفيذي، ودون التثبت من الدّيْن ولا من صفة المَدين وعلاقة هذا الأخير بالجمعية، كما أن القرار يشوبه عيب في التعليل”.

وحسب المعطيات التي توصلت بها “العمق” فإن استئنافية وجدة، “لم تستدعي الجمعية ولم تستمع لها أو لممثلها القانوني، ولم تواجهها أو تطلب منها أية وثائق”، الأمر الذي دفعها إلى تقديم شكاية لدى رئاسة المجلس الأعلى للسلطة القضائية.

هل تزر وازرة وزرة أخرى؟

مكتب الودادية تساءل في الشكاية الموجهة لرئاسة السلطة القضائية، بالقول: هل يمكن الحجز على أموال “عمر” لدى الغير لفائدة زيد، في حين أن المدينين أدانتهم المحكمة بالحبس وأداء التعويض؟

أوضحت الشكاية أن المحجوز على حسابها البنكي، هي جمعية ودادية رأس الماء السكنية عقدت في 2022 جمعا عاما إثر اعتقال رئيسها السابق، وترتب عن هذا الجمع تشكيل مكتب مسير جديد بأعضاء جدد وفتح حساب جديد وجرى تغيير مقر الجمعية للقطع مع التدبير السابق للجمعية.

كما قام الجمع العام بعزل الرئيس والمستشار المدانين بجنحة “خيانة الأمانة وعدم تنفيذ عقد”، وطرد باقي أعضاء المكتب السابق والتشطيب عليهم من لائحة المنخرطين بالجمعية بسبب الأخطاء والجرائم المقترفة.

المكتب الجديد يقاضي القديم

حسب المعلومات التي توصلت بها جريدة “العمق”، فإن المكتب الجديد، تقدم لدى المحكمة الابتدائية ببركان، من أجل التعويض عن الضرر الذي تسبب فيه المكتب السابق.

وتبين لمنخرطي الودادية في الجمع العام أنهم كانوا ضحايا خيانة الأمانة منذ البداية، بعد إخفاء كراء محل تجاري لفائدة الودادية مقابل 2000 درهم شهريا لمدة 14 سنة، دو علم المنخرطين ودون رضاهم، مشيرين إلى أن المحل يستغله الرئيس في أعماله التجارية رفقة أحد إخوانه.

كما سجل الجمع العام وجود خروقات وجرائم خطيرة، لم يكتشفها المنخرطين إلا بعد انعقاد الجمع العام الذي عقب اعتقال الرئيس، وبعد الأبحاث التي قامت بهبا الضابطة القضائية، والخبرات المحاسبتية المنجزة التي كشفت هدر وتبديد واختلاس مبالغ مالية كبيرة.

وحسب الخبرة، فقد وقف الجمع العام على سحوبات بنكية غير مبررة من حسابات الودادية الأربع، وصلت 638 533 15 درهم.

الاختلالات المرصودة لم تقف عند هذا الحد، بل سجل الجمع العام، أن المكتب المسير للودادية صرح بنصف القيمة الحقيقية للأراضي التي اشتراها، إذ اشترى أراضي بـ150 درهم للمتر المربع، وقال للمنخرطين إن ثم الاقتناء هو 300 درهم، في حين الأراضي التي اشتراها بـ160 درهم، قال إنه اقتناها بـ410 درهم للمتر المربع.

ويبلغ مبلغ المال المهدور في شراء الأراضي، حسب الوثائق التي حصلت عليها “العمق” أزيد من 26 مليون درهم.

2008 إطلاق المشروع

تعود تفاصيل القصة إلى سنة 2008 بعد تأسيس ودادية تحت اسم “ودادية راس الماء السكنية”، وتم بموجبها اقتناء بقعة أرضية بجماعة راس الماء بإقليم الناظور، القطعة الأولى منها بمساحة 12 هكتار و97 آر، والثانية بمساحة 3 هكتار و53 آر، بمبلغ إجمالي يساوي 5.205.6100 ستنيم. وقد وصل عدد المنخرطين بعد تعميم إعلان تجزيء البقعة إلى 420 منخرط.

الوعاء العقاري كان في الأول تابعا للمجال الفلاحي لكن بعد سنة 2016، أصبح تابعا للمجال الحضري. في 2018، وبعد الحصول على رخصة الشروع في التجزئة، تعذر إتمام الأشغال نظرا للمبلغ الذي طالبت به وكالة الماء الصالح للشرب والتطهير، والذي وصل 728 مليون سنتيم، ما دفع مكتب الودادية إلى دعوة المنخرطين إلى إعطاء دفعات أخرى حتى يتسنى للمكتب الاستمرار في التجهيز.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *