سياسة

الوحداني لـ “العمق”: تم تهديدي بالتصفية الجسدية إذا لم التحق بـ “البام”

محمد الوحداني، شخصية باعمرانية طبعت الساحة السياسية والجمعوية بسيدي إفني بكثير من الجدل، وذلك بسبب تحركاته التي بصمت عن لحظات ذات انعطافة تاريخية بعاصمة آيت باعمران، بدءً بأحداث السبت الأسود سنة 2008، ومرورا بتشكيل السكرتارية المحلية وانتهاء بترؤس المجلس البلدي لسيدي إفني، فدخول السجن بعد ذلك.

في هذه الحلقات المعنونة بـ “السر” والتي خص بها الوحداني جريدة “العمق المغربي”، نتعرف بشكل أقرب إلى شخصية الوحداني ومساره طيلة عشرين سنة من حياته، حيث يحكي عن تجربته بانتصاراتها وانكساراتها، حكايات وفاء وحكايات خيانة مقربين وأصدقاء، تقاطعت حكاية حياته مع حيواتهم

الجزء الخامس: خيانة ذوي القربى

إبتسمت غيضا، والحنق قد أخذ بمجامعي، أفكار كثيرة جالت بخاطري، أن أرفض الإدلاء بأي تصريح وإلتزام الصمت، طيلة مراحل التحقيق والتقديم و المحاكمة. وأن أدخل في إضراب مفتوح عن الطعام والماء، فكرت بأن أية مساهمة مني في هذه المهزلة، هو إضفاء شرعية قانونية وتاريخية، على هذه المؤامرة اللعينة.

الهدف كل الهدف من هذه المسرحية المفبركة، هو إزاحتي عن  المشهد السياسي والإنتخابي، تيقنوا جديا أنني حجرة عثرة في طريقهم. كنت أول رئيس في تاريخ  المغرب استقدموا له أربع لجان تفتيش في مدة عام! حاولوا جهدهم إفشال تجربة رئاستي، وإحباطي، لكن التضامن الشعبي الواسع، وخصوصا في السنتين الأخيرتين بعدما توضحت صورة المؤامرات المخزنية ضدي من جهة، وتكالب اللوبيات الفاسدة ضد التجربة التي راهنت عليها الساكنة للخروج بالمنطقة من دائرة التهميش والحكرة.

وبعد أن لم تنجح محاولات التصفية الرمزية لتجربة السكرتارية، إذ أن النفس الإحتجاجي إستمر باشكال مختلفة، واستمرت معه قوافل المعتقلين وأحداث نضالية في مختلف مناطق اقليم إفني، بين الفينة والأخرى، وباءت بالفشل كذلك أوهام مريضة تريد إقبار إسم محمد الوحداني كمناضل وكأحد قيادات الحركة الإحتجاجية، ومن بعدها جاءت محاولات التصفية الجسدية عبر حادثة سير في يوليوز 2014، وتهديدي عبر وسطاء لهم أنني إذا لم أنخرط في حزب البام، وكما قال لي بعض وسطائهم: “غادي نطحنوك”!

أبودرار محمد الأمين الإقليمي لحزب الأصالة والمعاصرة، كان ودودا في إقتراحه لي الإنضمام الى حزبه، قلت له في نقاش جماعي، حضره الأستاذ محمد انفلوس والسيد عمر أنجار وآخرون، كيف تقترح علي أن أدخل فرع  حزبكم بافني وأنت تعرف أن فيه رموز فساد ونهب مال عام، أجابني وفي عينيه نظرة تحد مازلت اتذكرها، سنطردهم! هو خبر طبعي، أما الأخرون ولأنهم لا يعرفونني جيدا، كانوا يظنون أنني بالتهديد سأخضع لتعليماتهم، كانوا ولا زالوا واهمين! إفني كانت بالنسبة لصناع قرار ولازالت رسالة رمزية، وآيت باعمران كتحالف قبلي، ومنطقة توتر، يريد بعض مكونات الدولة العميقة، أن يمرروا رسائل مشفرة للحاكم بانهم تحكموا فيها!

جاء بعد ذلك، قرار عزلي في 28 فبراير 2014، اعتمادا على حكم بالسجن، صدر في حقي عام 2008، باعتباري المحرض الأول على أحداث كانت هي مقدمة أحداث الربيع العربي، عرفت بأحداث إفني، أو كما اسمتها قناة الجزيرة: من سيدي إفني إلى سيدي بوزيد (المدينة التونسية، التي كانت بداية إنفراط عقد كثير من الديكتاتوريات العربية، والتي عرفت أحداث حرق الشهيد البوعزيزي لنفسه، لتعرف شوارع كثير من البلدان اعتصامات سقطت على إثرها عروش حكام مصر وتونس وليبيا واليمن ….).

الغريب في الأمر، أن قرار عزلي جاء بعد إنقضاء المدة القانونية لتقادم الحكم الصادر في حقي، وتم التشطيب علي من اللوائح الإنتخابية في المرحلة الأولى لوحدي تحت ذريعة أنني محكوم بأربعة أشهر سجنا عام 2008، بمؤامرة شارك فيها كثيرون، بعض أصدقائي القدماء اعضاء المجلس البلدي بإفني، والعامل السابق ماماي باهيا، ولوبيات عقارية وانتخابية بكلميم وإفني، ومحامي باعمراني بالرباط، نسق مع محام آخر هناك، وصرح بأنه يمثلني زورا كي يحصل على نسخة من قرار محكمة النقض! وتم تقديمها إلى لجنة مراجعة اللوائح الإنتخابية برئاسة قاض من محكمة تزنيت ومحمد سالم الطالبي نائبي الأول في رئاسة المجلس البلدي، وباشا مدينة سيدي إفني.

والمخزي أنه تم التشطيب علي في المرحلة الإبتدائية لوحدي، بالرغم عن أن هناك أكثر من عضو في مجلس بلدية إفني اعتقل وحكمت عليه المحكمة بنفس الحكم الذي تم الإعتماد عليه للتشطيب علي من اللوائح الإنتخابية! أحد أعمامي (مبارك) هو من وضع طلب التشطيب علي من المسجلين في اللوائح، وأحد اصهاري (أحمد بوفايم) هو من نسق مع لوبيات من كلميم وإفني ومع المحامي الباعمراني في الرباط كي يستخرجوا نسخة الحكم، وصهر آخر لي موظف ببلدية إفني هو من زور تصحيح الإمضاء على طلب التشطيب، بالرغم من أنه لم يكن له تفويض بتصحيح الإمضاء (عالي بوفيم، الرئيس الحالي لجماعة مستي) … أطراف كثيرة كان من مصلحتها إزاحتي من الطريق، بأي وسيلة.

تحرك المخزن واللوبيات الفاسدة بقوة، كي يقنعوا المواطنين الإفناويين بالمشاركة في هذه المؤامرة، وحاولوا اقناع أكثر المعارضين السياسيين لي بذلك، لكن في آخر المطاف لم يقنعوا أحدا غير بعض أفراد عائلتي وأصهاري وأصدقاء لي ومحامين إثنين. خانني المقربون، لأنني كنت عادلا وصارما مع عائلتي والمقربين لي أكثر من الآخرين! وأنا أيضا من أرسل لأبيه وأخيه مرارا لجان مراقبة من الشرطة الإدارية والجبايات، ورفضت طلبات غير قانونية لأعمامي. في الحقيقة كنت سعيدا بأن الشعب تضامن معي، ولا يهم إن خانني المقربون مني دما أو علاقة مصاهرة أو صداقة، لأن قربهم مني، كان فقط استجداءً لمصالح فاسدة! لم يحصلوا عليها في آخر المطاف، فأعلنوا العصيان وباعوني للشيطان.

وحينما لم تفدهم كل هذه المناوشات البئيسة، في عزلي عن جماهير الشعب، بدؤوا في البحث عن طريقة أخرى لتوريطي في ملف قضائي يكون حاسما في عدم ترشحي مرة أخرى، خصوصا بعد صدور حكم نهائي لصالحي في قضية التشطيب علي من اللوائح الإنتخابية، وقضت المحكمة بأن قرار التشطيب غير قانوني، وقضت بإعادة تسجيلي! بل أكثر من ذلك حصلت على قرار قضائي برد الإعتبار يوم الجمعة التي كانت قبل اعتقالي في مؤامرة بوليد التي كانت يوم الإثنين 15 ديسمبر 2014! مما جعل هذه اللوبيات أمام أمر واقع جديد هو أنني أصبحت من الناحية القانونية، مسموحا لي بالمشاركة وأصبح من حقي رفع قضية ضد وزارة الداخلية في شخص عامل الاقليم، لأن قراره كان قرارا إداريا مشوبا بالشطط. كان الوقت يزاحم كل المفسدين في مواقع شتى.

التحقيق:

كان علي أن أتخد قرارا مصيريا في حياتي السياسية والنضالية، إما أن أشارك في هذا التحقيق، وذلك يعني شرعنة اعتقالي أو أبدأ المعركة من هنا والآن! وذلك كان قراري. لكن الأقدار كان لها مسار آخر. وقبل أن أجيب كما كان ينتظر الكوميسير طارق ومن كان يحرك خيوط التحقيق …

المحقق طارق: أنا مافهمت والو! هاد النهار طاح عندنا فاكس تاع رد الإعتبار تاعك، ومن بعد طاح فاكس تاع الإعتقال تاعك! على أي المعلومات تاعك كلها كاينا هنا (اسمي واسم أمي وأبي … إلخ)  غادي نبداو بالسؤال الأول. في هذه اللحظة تحركت يد القدر، ليتغير كل شيء، كان يحمل بيده صورا تفحصت فيها جيدا، صور نيران وقنينات غاز مشتعلة! قلت له: سي طارق ممكن نشوف. قال لي: هاك.

رأيت مشاهد مروعة، أول ما تبادر إلى ذهني آنذاك هو سؤال صادم إقشعر له بدني ومازال: كان من الممكن أن تسقط أرواح! أنا المؤمن بالدفاع عن حق الناس في الحياة، أنا المؤمن بالسلم قناعة ومبدأ، لا يمكن أبدا أن أقبل لنفسي أن اتحمل مسؤولية ولو أخلاقية عن حصول حادث يؤدي إلى موت أو عنف.

الله يشهد أنه لا علاقة لي بما وقع في بولعلام من إضرام نيران أو أحداث. ولا يمكن أبدا أبدا، أن أحرض أيا كان على ذلك. قررت في تلك اللحظة أن اتحمل مسؤوليتي الاخلاقية والتاريخية والنضالية، إفني مدينتي وهذا الوطن وطني، بما أن الأمور وصلت إلى حد مثل هذا، وتجرأ ولو قلة من الساكنة على اجتراح هذا السلوك العنيف، فانه هناك خطأ ما نتحمل مسؤوليته جميعا. حدثث نفسي بأن أي تصعيد مني سيفتح باب جهنم على المنطقة، وقد تسقط أرواح ما، ذلك لن أقبله أبدا. أقبل أنا أن أسجن أو حتى أن أموت، ولا يمكنني أن أقبل نهائيا أن يموت أحد آخر أو يصل ضرر ما إلى بلدتي.

قلت للكومسير: أنتم تعرفون جيدا أنني لم أكن هناك، وأنتم لديكم وسائلكم الخاصة للتأكد من ذلك. وأكثر من ذلك كيف يعقل اتهام مثلي بأنه يحرض الناس على إضرام النار في قنينات الغاز، وفي الممتلكات العامة والخاصة؟ عار مايقع، ويوما ما سنقف جميعا أمام الله، وسأخاصمكم أمامه، أ من أجل انتخابات عابرة يفبرك كل هذا الملف؟

الكوميسير: حنا دابا ماقلنا كاين أو ماكاين، كاين أسئلة يلزم تجاوب عليها وتصريحات تاع شهود، والجواب اللي قلتي غادي  نكتبوه، بلا زيادة أو نقصان. وقبل ماتوقع على المحضر قرا التصريحات تاعك، حنا را في دولة الحق والقانون هنا دخل الكوميسير المسعودي، ووقف من وراء المحقق طارق قائلا وهو يحاول أن يظهر صرامة مفتعلة، وبدون مقدمات: أنت را عارف أ الوحداني أنك من حرض على أحداث  نوفمبر، وكاين شهود على أنك كنت في بولعلام!

الوحداني: ياك أودي لاباس! شفتك جاي سخون، وكتكلم معيا بطريقة تاع تازمامارت، إوا إلى كنت اعطيني شي دليل أو محضر معاينة أو صورة تاعي وأنا في أحداث نوفمبر، أما القصة تاع الشهود أنت را عارف وأنا عارف أنه هنا كان اللي كيقول ليهوم إلى بغيتو تخرجوا قولو را الوحداني كان في بولعلام. والله يجازيك بخير، حنا باقي ماوصلنا في التحقيق لهاد المرحلة،  توجهت للكوميسير طارق: شكون دابا غادي نجاوب واش أنت أو هو؟ هنا قام وترك كرسي التحقيق للمسعودي، وقال لي وهو يهم بمغادرة الغرفة: كيف كيف، كمل معاه مون كوميسير!

المحقق المسعودي: هل كنت في الوقفة التي دعوت إليها بحي للا مريم، ومامضمون البيان الذي وزعته … قاطعته.

الوحداني: أولا أنا لم أدع إلى أي وقفة بحي للا مريم أو بولعلام، وثانيا لم أوزع أي بيان، وإذا دعوت أو وزعت أي بيان فلديكم ألف جهاز بالمدينة كي تؤكدوا به هذا الإتهام!

في هذه اللحظة دخل الكوميسير طارق، وتوجه إلى المسعودي: لقد جاءت عائلته. حينها قال لي الكوميسير: غادي تشوف عائلتك ونتم التحقيق، و لكن بسرعة فنحن مطالبين بتتمة الاستماع والإتصال بالنيابة العامة.

دخل بعدها أخواي عزيز وجمال، كان أثار الدمع باديا في عيون عزيز، مقلتاه حمراوين، وأوداجه منتفخة، وجمال متأثر بأنفة، لكن سحنة وجهه يبدو عليها حزن دفين يحاول أن يغالبه! أخذاني بأحضانهما، كم هو دافئ حضن الإخوة  وآمن حينما تجرب طعنات الغدر مرارا. أحسست بالدم الفوار  يغلي في عروقي، تذكرت في لحظات خاطفة، ذكريات إعتقالي عام 2008، وكيف  دافع عني إخواتي عزيز وجمال ويوسف المعتقلون أيضا معي، حينما كان البوليس والمخازنية وقوات التدخل يضربونني بعصيهم وخوداتهم، فارتمى إخوتي من فوقي كي يردوا عني ضربات كلاب مسعورة، كلما تذكرت تلك اللحظات أشكر الله على نعمة الأخوة.

همست في أذن خويا عزيز: أمي وأبي كيف حالهما؟ أجابني: بخير غير أنت ماتدير والو فراسك من ناحيتهما. را جابنا لك 2 مانطات ووسادة والعشا هاهو، و المونادا را صفتها لك با! هي والحلوة اللي عزيزة عليك! أبي كان في أغلب الأحيان ينهرني لأني أكثر من شرب الليمونادا، ولكنه يعرف أنني مغرم بشربها، ولكنه الآن أمرهم باحضارها لي. أما الحلويات فمنذ صغري وإلى حدود اليوم مازال يحضرها لي! غالبت دمعي ليس ضعفا، ولكني في تلك اللحظات كنت في حاجة أن أراه وأن أرتمي في حضنه كطفل لا يهرم أبدا، كما أفعل حينما يأتي لي بحلوى الفتها منه منذ عهد الصبا ، أن اشكو له كما دوما طعن الغدر الذي حاق بي مرة أخرى! أحسست أن حالته النفسية والصحية لم تسمحا له بالحضور لزيارتي. علمت فيما بعد أنه غادر إفني لم يتحمل ان ينام في مدينة ينام ابنه البكر على حصير أرضها معتقلا! ذهب عند اختي لطيفة بميراللفت وجلس القرفصاء مثل طفل على سرير، وانهمرت دموعه أول مرة مدرارا كما لم يراها أحد!

سلمت أخواي نظارتي ومفاتحي وعانقتهما عميقا، وأوصيتهما بوالداي، وكذلك بابنتاي. وودعتهما بحرارة، وخرجا وهما يغالبان دمعا كسيرا.

فتحت قنينة الليمونادا، وارتشفت جرعات، إنها من أبي، وتوجهت إلى المحققين: على بركة الله، فلتتما مهمتكما!

مرت أطوار التحقيق عادية، مجرد أسئلة وأجوبة لا دليل يدينني فيها، حتى ما ادعاه الكوميسير المسعودي من أنه هناك شهود، تبين أن ماورد في كل تصريحات المعتقلين على ذمة القضية، ليس إلا أقوالا من باب: سمعنا و تناهي إلى علمنا ويشاع في المدينة أن الوحداني كان يحرض المحتجين على إضرام النار، حينها قلت للمحققين اللذين كانا يديران التحقيق على الطريقة الأمريكية وبتنسيق تام، طارق بأسلوب لبق والمسعودي بأسلوب جاف تاع لعياقة د البوليس تاع الثمانينيات مرة مرة! قلت لهما: دخلت عليكوم بالله واش كاين شي قضية في العالم تبنى على تناهى إلى علمنا وسمعنا ويشاع. انتهى التحقيق، الملف فارغ أصلا!

بعد هنيهة جاء الكوميسير طارق وقال لي: سيتم تقديمك غدا. الآن ستظل في الحراسة النظرية، قاطعته مبتسما: قل إوا يلاه تكلاصا هنا فوق الضس.

نادي بوليسيا، لما جاءه أدى له تحية على أصولها: نعم سيدي العميد.

الكوميسير: خد معك سي الوحداني، واعطيه فراشو ينعس، ثم انفرد به واعطاه تعليمات أخرى!

كنت تعبا غاية التعب، أردت فقط أن انزوي لوحدي واستريح من عشرين سنة من الأحلام والأوهام، عشرين سنة من النضال والحروب والمناورات والخيانات.

توجه أمامي البوليسي المكلف بالمداومة، كان شابا خلوق، متوسط الطلعة، بشوشا، ضعيف البنية، تبعته وأنا أجر الخطو صوب القفص. سلمني الغطاء والوسادة، وطلب مني بأدب أن أسلمه مابحوزتي فقلت له ضاحكا: ليس لدي إلا ملابسي أتريدها؟ أجابني محرجا: لا، لا إذا كان لديك شئ ما في جيوبك، قلت له: الهاتف سلمته لكم منذ البداية، عندي فقط البطاقة الوطنية، ومبلغ 120 درهم. فأنا أفقر رئيس في العالم، ضحكنا وتسلم مني المبلغ والبطاقة.

ثم نظر إلى حذائي الرياضي، وقال لي: دوك السيور! قلت له: صحيح ممكن ننتحر بيهوم ياك؟! قال لي: هناك آخرون في الزنزانة ممكن اديرو أكثر من الانتحار، أما أنت السيد الرئيس نحن متيقنون من أنك عاقل! سلمته ما طلبه مني، فإذا بي أسمع صوتا يناديني من داخل الزنزانة الرئيسة: والرايس والرايس، توجهت نحوه. تعرفت عليه كان صديق طفولة، أصاحبي صيدوك، كنا ننتظر سماع حوارك على راديو MFM من خلال الأنترنيت، ساعة داك بوليد طلق غار ناس الغيوان نص ساعة وحنا غار مع الهمامي أبابا الهمامي، حتى نشرت مواقع اخبارية والفايس بووكات خبر اعتقالك عاد قالها هو!

جاء البوليسي وأمرني بالإتجاه إلى زنزانة منفردة، دخلتها، رائحتها عفنة، كانت ضيقة وبها مرحاض ظاهر، تنبعث منه رائحة القئ والخمر والقاذورات والبول … حصيرة بالية القيت فوقها غطاءً. وضعت الوسادة جهة باب القفص وتمددت التحفت بالغطاء الثاني، فالجو كان باردا، في الجهة العليا كانت ثقبة المرحاض بادية ولا تبعد إلا بمسافة قصيرة عن قدمي! احسست بالغثيان الشديد، حاولت أن أنام لكن الأرق استبد بي. فبدأ شريط الحكاية يعود بي إلى مكالمة كانت جزءً مهما من مؤامرة اعتقالي!

المكالمة:

كنت في الدار البيضاء مع بعض الأصدقاء، كانت الساعة تشير إلى الخامسة والنصف زوالا، هاتفي يرن، نظرت إلى شاشته، اسم صالح الداحا هو من يتراقص، تعجبت وتسألت عن سر هذا الإتصال، فله مدة لم يتصل بي، فقد انقطعت اتصالاته بي منذ عزلي! قررت أن لا أجيبه، لكني قلت مع نفسي، سأجيبه وهي مناسبة لكي أسمعه بعض ماكنت أريد قوله له، خصوصا وأنه قد بدأ في شن حرب كلامية ضدي ومن داخل مكتبه .

صالح الداحا: مرحبا السيد الرئيس

محمد الوحداني: مرحبا السيد العامل غير أنا را مابقيت رئيس (ظننت حينها أنه ربما اراد الإتصال برئيس بلدية افني وأخطأ في الرقم)

الداحا: الرئيس كيبقى رئيس، والوزير كيبقى وزير، والعامل كيبقى عامل، واخا مايبقى في المنصب … على أي را غبرتي علينا، أنا قلت نخليوك ترتاح شوية، ودابا را صافي ارتاحتي، الإقليم را محتاج التجربة تاعك وهادي را بلادك ممكن تخدمها ماشي غار من خلال موقع الرئاسة، انا سولت عليك خوك قال ليا بأنك مسافر.

الوحداني محمد: صحيح السيد العامل ماشي ضروري نكون في الرئاسة باش نفيد بلادي، وداكشي اللي عطيت لبلادي من خارج الرئاسة وقبل منها أكثر بكثير من موقع المجلس البلدي. غير أنا عييت بغيت نرتاح شوية، عاد نفكر في الصيغة تاع بحالاش نفيد المنطقة.

الداحا: شوف أسي محمد، أجي لإفني، أنت راكمت تجربة كبيرة في التسيير، وأنت فاعل مدني، وقوة اقتراحية مهمة الكل باغي يستفاد منها، ضروري تجي تدير معنا ايديك في ايجاد حل للمشاكل، بلادك هادي ناضلت وضحيتي من أجلها، حنا كنبقاو موظفين غدا نمشو. الكلام ماشي تاع التليفون، هنا لا المجلس البلدي ولا المجلس الاقليمي خدامين، وأنا خاصني اللي اعطيني اقتراحات، كل شيء كيقول ليا، الوحداني من الناس اللي باغي المصلحة للإقليم. المهم أنا نتسناك.

محمد الوحداني: على أي السيد العامل، أنا ساعود قريبا ونتشاوفو إن شاء الله. انتهت المكالمة الفخ.

يتبع …

 

هذه المادة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “العمق المغربي”.