سياسة

يحياوي: اعتراف فرنسا بمغربية الصحراء سيحصن مصالح المملكة بالاتحاد الأوربي

في تعليقه على القرار الفرنسي القاضي بالاعتراف بمغربية الصحراء، قال أستاذ الجغرافيا السياسية، مصطفى يحياوي، إن قرار الرئاسة الفرنسية الذي أكد على ارتباط حاضر ومستقبل الأقاليم الصحراوية بالسيادة المغربية واعتبار ذلك أمرا ثابتا غير قابل للتفاوض لارتباطه بالأمن القومي للمملكة، يجعل المقترح الذي تقدم به المغرب حول الحكم الذاتي في 2007 المدخل الوحيد العملي لحل سياسي عادل ومستدام لنزاع إقليمي عمر لما يناهز نصف قرن من الزمن.

وقال يحياوي إن تسوية هذا النزاع أصبح خلال السنوات العشر الأخيرة من التحديات الجيوسياسية التي يراهن عليها المنتظم الدولي لتجاوز تداعيات المخاطر الأمنية التي تعرفها منطقة الساحل بسبب تزايد التهديدات الإرهابية وتعاظم نفوذ المنظمات المتطرفة والجريمة العابرة للحدود سواء ذات الارتباط بالهجرة السرية والاتجار بالبشر أو بالمخدرات؛ علما بأن فرنسا خلال الثلاث سنوات الأخيرة قد فقدت نفوذها في مجموعة من دول الساحل (مالي، بوكينافاسو والنيجر، والتشاد) لصالح روسيا والصين، وهي بصدد مراجعة جذرية لتواجدها العسكري والاقتصادي بمنطقة جنوب الصحراء خاصة وبإفريقيا عامة.

وفي سياق حديثه عن المعطيات الجيوسياسية وراء اتخاذ هذا القرار، أشار المحلل السياسي، ذاته في تصريح لجريدة “العمق”، إلى أن فرنسا كثفت خلال الفترة الممتدة بين 2022 و2024 معاملاتها التجارية مع مجموعة من دول غرب إفريقيا، خاصة نيجريا وغانا وكامرون.

وأضاف أن أهم توجه لهذه الاستراتيجية الفرنسية الجديدة هو تثمين المعابر البحرية على مستوى الشريط الأطلسي، حيث تتركز أغلبية الصادرات الفرنسية من المواد الاستهلاكية والواردات الإفريقية من المواد الأولية (خاصة البترول والغاز) في موانئ دول غرب إفريقية والتي شهدت خلال الفترة الأخيرة نشاطا تجاريا مهما ببسب اضطرار مجموعة من الشركات الدولية إلى تغيير مجرى تنقلها البحري من قناة السويس صوب أوربا بسبب التهديدات الحوثية وحرب إسرائيل على غزة وتأثيره على أمن منطقة الشرق الأوسط.

وباعتماد المعطيات الجيوسياسية المشار إليها أعلاه، يضيف يحياوي، فإن اعتراف فرنسا بجدية وواقعية وحتمية المخطط المغربي للحكم الذاتي مرتبط بقراءة سياسية واقتصادية براغماتية تأخذ بعين الاعتبار مركزية العلاقات الدبولوماسية والاقتصادية التاريخية بين الدولتين، كما تأخذ بعين الاعتبار الدور الاستراتيجي المحوري الذي بات تلعبه الدبلوماسية والاستثمارات الاقتصادية المغربية، إقليميا ودوليا، إن على المستوى الإفريقي عامة، وإن على مستوى منطقة الساحل وغرب إفريقيا.

واسترسل المتحدث مشيرا إلى التزايد الملحوظ للاستثمارات المالية المغربية في مختلف دول المنطقة، والربط القاري لأنبوب الغاز بين نيجريا والمغرب في اتجاه أوروبا، والمشروع الملكي الأطلسي لربط دول الساحل بالمحيط الأطلسي، والمشاريع المهيكلة التي يشهدها الجزء الجنوبي من الشريط الساحلي للمغرب على مستوى الربط الطرقي والملاحة التجارية (خاصة مشروع تأهيل ميناء أكادير ومشروع إنشاء الميناء الأطلسي للداخلة).

وخلص إلى أن إعلان فرنسا، باعتبارها ثاني عضو دائم بمجلس الأمن الدولي يعترف صراحة بالسيادة المغربية على الأقاليم الصحراوية، “نكون أمام حدث دولي ذي أهمية على مستوى مكاسب المغرب، أوروبيا ودوليا، في دفاعه عن وحدته الترابية”، معتبرا أن هذا الموقف الفرنسي الجديد سيحصن مصالح المغرب على مستوى الاتحاد الأوربي، كما سيكون له ما بعده على مستوى موقف المملكة المتحدة والتي أصبحت هي الأخرى أكثر ارتباطا على المستوى الاقتصادي بالمغرب فيما يتعلق بالربط الكهربائي عبر الأطلسي، على حد قوله.

وأعلن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون رسميا في رسالة وجهها إلى الملك محمد السادس أنه “يعتبر أن حاضر ومستقبل الصحراء الغربية يندرجان في إطار السيادة المغربية”، وذلك بحسب ما نقله بلاغ للديوان الملكي.

وفي الرسالة ذاتها، والتي تتزامن مع تخليد الذكرى ال 25 لعيد العرش، أكد رئيس الجمهورية الفرنسية للملك “ثبات الموقف الفرنسي حول هذه القضية المرتبطة بالأمن القومي للمملكة”، وأن بلاده “تعتزم التحرك في انسجام مع هذا الموقف على المستويين الوطني والدولي”.

وتحقيقا لهذه الغاية، يضيف بلاغ الديوان الملكي، شدد الرئيس إيمانويل ماكرون على أنه “بالنسبة لفرنسا، فإن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية يعد الإطار الذي يجب من خلاله حل هذه القضية. وإن دعمنا لمخطط الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب في 2007 واضح وثابت”.

وأضاف الرئيس الفرنسي أن هذا المخطط “يشكل، من الآن فصاعدا، الأساس الوحيد للتوصل إلى حل سياسي، عادل، مستدام، ومتفاوض بشأنه، طبقا لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة “.

وبخصوص مخطط الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، يرى رئيس الدولة الفرنسية أن “توافقا دوليا يتبلور اليوم ويتسع نطاقه أكثر فأكثر”، مؤكدا أن “فرنسا تضطلع بدورها كاملا في جميع الهيئات المعنية”، وخاصة من خلال دعم بلاده لجهود الأمين العام للأمم المتحدة ولمبعوثه الشخصي.

وشدد الرئيس ماكرون في رسالته قائلا “حان الوقت للمضي قدما. وأشجع، إذن، جميع الأطراف على الاجتماع من أجل تسوية سياسية، التي هي في المتناول”.

من جهة أخرى، وبعدما نوه بجهود المغرب من أجل التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الصحراء المغربية، أعرب رئيس الجمهورية الفرنسية عن التزامه بأن “تواكب فرنسا المغرب في هذه الخطوات لفائدة الساكنة المحلية “.

ويشكل إعلان الجمهورية الفرنسية، العضو الدائم بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، تطورا هاما وبالغ الدلالة في دعم السيادة المغربية على الصحراء.

ويندرج في إطار الدينامية التي يقودها الملك محمد السادس، وتنخرط فيها العديد من البلدان في مختلف مناطق العالم، لفائدة الوحدة الترابية للمغرب ولمخطط الحكم الذاتي كإطار حصري لتسوية هذا النزاع الإقليمي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *