سياسة

حظر “البوركيني” بفرنسا .. هل مازال شعار جمهورية “فولتير” صالحا؟

“حرية، مساواة، أخوة” شعار تفتخر به الجمهورية الفرنسية العلمانية وترفعه أينما حلت وارتحلت، فكلما ذكرت فرنسا إلا ويستحضر المتتبع بلد الديمقراطية وحرية التعبير وحقوق الإنسان واحترام كل الأديان والأجناس، لكن هذه الشعارات أضحت موضع تساؤل حقيقي ما يجعلها في مأزق حاد، خاصة بعد الاعتداءات المتكررة على المسلمين وآخرها منع لباس البحر الإسلامي أو ما يعرف بـ”البوريكيني” في بعض شواطئ فرنسا.

“عندما رأيت أن بعض رؤساء البلديات الفرنسيين كانوا يمنعون “البوركيني” دون أي نقاشات عامة، وهن مجرد نساء مسالمات يرتدين الملابس التي يخترنها، فهمت أن المسلمين سيعانوا لعدة سنوات قادمة، قررت أن أسدد جميع مخالفات النساء اللاتي يردن ارتداء “البوركيني” لأضمن حريتهن في ارتداء هذه الملابس والأهم من ذلك لتعديل هذا القانون غير العادل والجائر”، يقول رجل الأعمال الجزائري الذي عرض دفع جميع غرامات النساء اللاتي يتم توقيفهن.

جاء عرض رجل الأعمال الجزائري بعد أن تداولت صور على شبكات الانترنت لامرأة جديدة مستلقية على رمال شاطئ بمدينة نيس الفرنسية تأمرها الشرطة بنزع بعض ملابسها، في محاولة لتطبيق قانون جدلي جديد يمنع “البوركيني” من شواطئ بعض المدن الفرنسية.

من جهته وصف عمدة كان “البوركيني” بـ”رمز للتطرف الإسلامي”، وفرض غرامة قدرها 38 يورو أو ما يعادل 42 دولارا على من تخالفن ذلك الحظر.

في حين أكدت نجاة بلقاسم وزيرة التربية والتعليم العالي في فرنسا، أنها ضد لباس “البوركيني”، بالقول، “أنا ضده، فحلمي هو مجتمع تكون فيه النساء أحرار في أجسادهن”.

استنكار واسع

وفي الوقت الذي اتخذ فيه بعض عمداء بلد الأنوار قرار حظر لباس البوركيني، أعربت العديد من المنظمات والهيئات والشخصيات السياسية والحقوقية، عن استنكارها بسبب ازدياد الأعمال المعادية والمضايقات المستمرة للمسلمين في فرنسا خاصة بعد منع “البوركيني” باعتباره (المنع) يمس بالحرية الفردية ويشكل تناقضا صارخا مع الشعارات التي ترفعها فرنسا والمبادئ التي تقرها الاتفاقيات الدولية في مجال حقوق الإنسان.

في هذا السياق، انتقد “صادق خان”، عمدة لندن، حظر السلطات الفرنسية ارتداء النساء “البوركيني” واعتبره خطوة “غير صحيحة”، مؤكدا على أهمية عدم التدخل ومساءلة النساء في لباسهن.

كما دافع رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، عن الحريات الدينية التي تضمن حق ارتداء لباس البحر الإسلامي “البوركيني”، معتبرا بأنها رمز لـقبول الآخر في مجتمع منفتح.

ودعا ترودو ردا على الجدل الدائر في فرنسا حول “البوركيني”، إلى “احترام حقوق الأفراد وخياراتهم، وهو مبدأ يجب أن يحتل المقام الأول في خطاباتنا ونقاشاتنا العامة، بالتأكيد هناك جدل هنا وهناك، كما هو الحال دائما، والنقاشات ستتواصل”، مشددا في المقابل على أنه في كندا يجب “أن نذهب إلى ما هو أبعد من التسامح”.

وتحذو إيطاليا حذو كندا إذ اعتبرت بأن حظر البوركيني إجراء غير بناء لن يساعد في مكافحة الإرهاب، مشيرة إلى أنها لن تقدم على هذه الخطوة.

كما عبر المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية عن قلقه حول ما آلت إليه الأوضاع في قضية المنع، معتبرا أن عدد من العمداء في فرنسا يقومون بحظر هذا اللباس لأغراض سياسية وانتخابية بالأساس، لدرجة أن بعض المدن صدر فيها قرار منع “البوركيني” رغم زيف الحالات المسجلة.

وفي خطوة تضامنية أثارت إعجاب رواد التواصل الاجتماعي، نشر شابان فرنسيان صورهما وهما ينامان باللباس الرياضي للدراجات النارية، تعبيرا منهما على السخرية من الشرطة الفرنسية، على إثر الجدل الكبير والانتقادات على فرنسا التي خلفها منع اللباس المحتشم على شواطئها.

تعليق قرار الحظر

وبعد الاستنكار الواسع للمسؤولين والاستياء القوي لدى المواطنين، قرر مجلس الدولة الفرنسي، أعلى هيئة قضائية في البلاد، الجمعة، تعليق قرار منع “البوريكيني”، محذرا رؤساء البلديات الذين اتخذوا قرارا مماثلا من أن أي حظر لهذا اللباس يجب أن يستند إلى “مخاطر ثابتة” على النظام العام.

وذكر مجلس الدولة جميع رؤساء البلديات الذين لجأوا إلى مبدأ العلمانية بأن قرار منع ارتياد الشواطئ ينبغي ألا ينطلق إلا من مبدأ النظام العام مع ما يعنيه من “سلامة الوصول الى الشاطئ وأمن السابحين إضافة إلى الصحة العامة”.

واعتبر عدد من المثقفين والسياسيين أن الإسلام هو المستهدف دون غيره من الديانات في فرنسا، الأمر الذي يتناقض جملة وتفصيلا مع مفهوم العلمانية والذي يعد من أهم مبادئ الجمهورية، خاصة بعد منع النقاب وحظر جزئي للحجاب دون منع تعليق الصليب أو لبس الطاقية اليهودية على سبيل المثال.

ويبرر المسؤولون في فرنسا ما يقع من تضييق على المسلمين بخطر الهجمات الإرهابية المتتالية التي يتبناها تنظيم “الدولة الإسلامية” والتي لا تعرف مكانا أو توقيتا محددا لتضرب فيه، الأمر الذي يثير رعب المواطنين.

ولا شك أن تعليق قرار منع سيخفف من قلق المسلمين الذين تبقى قلوبهم في حناجرهم خوفا من سحابة “الإسلاموفوبيا” السوداء التي تطل عليهم من حين لآخر وتظلم بلد الأنوار.