مجتمع

من الهجرة السرية إلى العلنية.. هكذا مرت ليلة “الهروب” الكبرى على الحدود مع سبتة (فيديوهات)

عاد الهدوء تدريجيا ليُخيم على معبر باب سبتة الحدودي، اليوم الإثنين، بعد يوم عصيب وليلة ساخنة من المواجهات العنيفة والمطاردات والاعتقالات التي عاشها المعبر والمناطق المحيطة به، عقب دعوات الهجرة الجماعية صوب مدينة سبتة المحتلة يوم 15 شتنبر.

ومنذ الساعات الأولى من صباح أمس الأحد، عاشت المناطق المحاذية للسياج الحدودي مع سبتة ومحيط المعبر، عدة محاولات اقتحام من طرف مئات من مرشحي الهجرة -أغلبهم مغاربة وضمنهم جنسيات إفريقية وعربية-، وسط محاولات لاجتياز الحواجز الأمنية بالقوة، وهو ما أدى إلى نشوب مواجهات عنيفة.

وعلمت جريدة “العمق” من مصدر مطلع بأن عدد مرشحي الهجرة السرية الذين تم توقيفهم من طرف قوات الأمن، خلال يوم أمس الأحد، تجاوز 1500 شخص، أغلبهم قاصرون ومراهقون وشبان، تم ترحيلهم إلى مدن بعيد عن الشمال عبر حافلات.

وبحسب مصدر الجريدة، فإن عددا كبيرا من المرشحين بدؤوا في مغادرة المنطقة في اتجاه مدن أخرى، أغلبهم مشيًا على الأقدام عبر الطرق المؤدية إلى طنجة وتطوان، فيما تراجع آخرون للاختباء في غابات بليونش وبعض الأحياء الشعبية بالفنيدق.

وأفاد المصدر ذاته بأن أحداث الأمس، نهارا وليلا، خلفت عشرات الإصابات في صفوف قوات الأمن والمرشحين، تم نقل أغلبهم إلى المستشفيات القريبة لتلقي العلاج، فيما عاينت جريدة “العمق” نقل مجموعة من المصابين عبر سيارات الإسعاف بشكل مستمر، طيلة يوم أمس.

ووفق ما رصدته الجريدة في ساعات الصباح الأولى من اليوم الإثنين، فإن أحداث العنف خلفت أضرارا مادية بممتلكات عامة وخاصة، بمدينة الفنيدق وقرب المعبر الحدودي باب سبتة، حيث عانيت الجريدة تكسير سيارات وحافلات وواجهات محلات ومنازل وأرصفة، وسط وابل من الحجارة في الشوارع والأزقة.

وأشار مصدر “العمق” إلى أن السيطرة الأمنية التامة التي فرضتها السلطات الأمنية بالمعبر وعلى طول الحدود مع المدينة المحتلة وداخل مدن الفنيدق والمضيق وتطوان وطنجة، منعت المرشحين من التسلل إلى سبتة رغم إقدامهم على عشرات المحاولات للوصول إلى البحر والسياج الحدودي.

وعرفت المنطقة استنفارا أمنيا كبيرا جدا لمواجهة التدفقات الكبيرة لآلاف المرشحين للهجرة السرية، فيما انتشلت الوقاية المدنية جثتين بشاطئ الفنيدق، بعد زوال أمس الأحد، يُرجح أنهما تعودان لمرشحين للهجرة السرية سباحةً نحو مدينة سبتة المحتلة، فيما تم إنقاذ شخص ثالث من الغرق.

وكان المغرب قد دفع بتعزيزات أمنية كبيرة إلى معبر سبتة والمناطق المحيطة به، وبالفنيدق، السبت والأحد، في ظل عمليات توافد غير مسبوقة لمرشحي الهجرة السرية مشيًا على الأقدام إلى المنطقة، عقب انتشار دعوات على مواقع التواصل الاجتماعي لتنفيذ “هجرة جماعية” يوم 15 شتنبر.

وبحسب ما عاينته جريدة “العمق”، فقد انتشر عناصر الأمن والدرك الملكي والقوات المساعدة بكافة المناطق المتاخمة للحدود مع سبتة، مع تطويق كامل للمعبر الحدودي، إلى جانب تعزيز تواجدها بشكل مكثف في مختلف شوارع وأحياء الفنيدق والمضيق وتطوان.

وطيلة الأيام القليلة الماضية، توافد المئات من المرشحين إلى المنطقة، قادمين من مدن مغربية مختلفة، أغلبهم مشيًا على الأقدام، بعدما شددت السلطات من إجراءاتها بمداخل مدن الشمال، فيما كانت عناصر الأمن تفتش سيارات الأجرة والحافلات وحتى السيارات الخاصة، لتعقب المشتبه في احتمال مشاركتهم في الأحداث.

كما رصدت الجريدة تواجدا كبيرا لعناصر الأمن بالزي المدني في أماكن متفرقة بمدن الفنيدق وتطوان وطنجة والمضيق، إلى جانب معبر باب سبتة ومحيطه ومنطقة بليونش، فيما ظلت مصالح الأمن والقوات المساعدة والدرك الملكي تقوم بدوريات أمنية مكثفة بالمنطقة.

وتصاعدت في الأيام الأخيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، منشورات تحرض الشباب والمراهقين على التسلل إلى سبتة يوم 15 شتنبر سباحةً وعبر اقتحام السياج الحدودي، وهو ما دفع السلطات المغربية إلى إعلان حالة استنفار أمني واستخباراتي لتعقب المحرضين ومعرفة الجهات التي تقف وراء الأمر.

يأتي ذلك في وقت تشهد فيه السواحل الشمالية للمملكة، خاصة بالفنيدق وبليونش، تصاعدًا لافتًا في محاولات الهجرة السرية عن طريق السباحة نحو مدينة سبتة المحتلة، فيما تمكنت مصالح الأمن من توقيف المئات من المرشحين، طيلة الأسابيع الماضية.

يُشار إلى أن عمليات أمنية مكثفة باشرتها مصالح الأمن والدرك بتنسيق مع مصالح المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني والسلطات المحلية، في الأيام الماضية، أسفرت عن توقيف العشرات من المشتبه في تورطهم في التحريض على اقتحام سبتة جماعيا على مواقع التواصل الاجتماعي.

جهود وتحديات

في هذا السياق، يرى مصطفى العباسي، الباحث في العلاقات المغربية الإسبانية، أن المغرب يبذل جهودًا هائلة لمحاربة الهجرة السرية بشكل عام، سواء عبر الحدود الشمالية مع سبتة ومليلية المحتلتين، أو في السواحل الجنوبية للمملكة، المقابلة لجزر الكناري.

العباسي أوضح في تصريح لجريدة “العمق”، أن هذه الموجة الجديدة من الهجرة تضع المغرب في موقف معقد وصعب للغاية، حيث يتحمل عبء إدارة وتواجد آلاف المهاجرين السريين الذين يتدفقون على أراضيه من دول مختلفة، وينتظرون فرصة للعبور إلى الجانب الآخر من المتوسط.

وأكد الباحث ذاته، أن المغرب يجد نفسه في مواجهة تحديات متعددة، ليس فقط على المستوى الأمني، بل أيضًا على الصعيد الاجتماعي، حيث يعاني المهاجرون من ظروف غير مستقرة تجعلهم يشكلون عبئًا كبيرًا على الدولة.

واعتبر العباسي، أن التصاعد الأخير في محاولات الهجرة السرية لا يمكن اعتباره مجرد صدفة، بل هو جزء من نشاط منظم تقوده شبكات تهريب محترفة تعمل على تسهيل عبور المهاجرين نحو أوروبا.

ويعتبر هذا التصاعد، الذي يحدث غالبًا في نهاية فصل الصيف مع تحسن الأحوال الجوية وتزايد ظاهرة الضباب، تحديًا كبيرًا للسلطات المغربية التي تجد نفسها في مواجهة يومية لمحاولات التسلل، سواء عبر البحر أو عبر الحدود البرية.

من جهة أخرى، تستمر جهود التنسيق بين المغرب وإسبانيا لمواجهة هذه الظاهرة، حيث قامت السلطات الإسبانية بإرجاع جميع المهاجرين الذين تمكنوا من الوصول إلى سبتة، في إطار التعاون الثنائي بين الجانبين.

ومع ذلك، تبقى هذه الجهود غير كافية في ظل تزايد محاولات الهجرة السرية والضغوط المتزايدة على المغرب، والذي يتحمل مسؤولية حماية الحدود الأوروبية دون تلقي الدعم الكافي، وفق المتحدث.

وفي ظل تصاعد الأوضاع، شددت السلطات القضائية المغربية من إجراءاتها، حيث قررت متابعة جميع المهاجرين الذين يعيدهم الجانب الإسباني قضائيًا، وهي خطوة تعكس التزام المغرب الجاد بمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة.

ويؤكد مصطفى العباسي، الباحث في العلاقات المغربية الإسبانية، على ضرورة التعامل بجدية وصرامة مع هذا الملف، خاصة مع تزايد أعداد الضحايا والمخاطر الأمنية المرتبطة بالهجرة السرية.

وتأتي هذه التطورات في وقت يشهد فيه شمال المغرب استنفارًا أمنيًا كبيرًا، حيث كثفت السلطات المغربية من عمليات المراقبة والتفتيش على طول سواحل الفنيدق والمناطق المجاورة، لمنع محاولات التسلل إلى سبتة.

ورغم هذه الجهود المكثفة، لا تزال ظاهرة الهجرة السرية تمثل تحديًا كبيرًا للسلطات المغربية، خاصة في ظل نشاط الشبكات الإجرامية التي تستغل ظروف المهاجرين لدفعهم نحو القيام بمغامرات خطيرة للوصول إلى الضفة الأوروبية.

إشادة اسبانيا بالمغرب

رئيس حكومة سبتة المحتلة، خوان فيفاس، قال إن المغرب قام بدور بارز في التصدي لمحاولات الهجرة غير الشرعية، مشيرا إلى أن السلطات المغربية تمكنت من توقيف حوالي 1500 شخص كانوا يحاولون العبور إلى سبتة سباحةً، الليلة الماضية.

وفي حديثه لوسائل الإعلام، وصف فيفاس التحركات المغربية بأنها تشكل “مستوى عالٍ من التعاون، ساهم بشكل كبير في تفادي أزمة إنسانية”، منوها في السياق ذاته، بجهود المغرب التي تشمل إرسال تعزيزات مكثفة إلى المناطق الساحلية للحد من محاولات العبور.

ووصف رئيس حكومة سبتة، هذا التعاون بأنه “حاسم في ضمان استقرار المنطقة”، معتبرا أن الوضع على الأرض أثبت أن المغرب يلعب دورًا رئيسيًا في إدارة هذه الأزمة، مما يسهم في الحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة، بحسب تعبيره.

من جانبها، أعربت مندوبة الحكومة الإسبانية في سبتة، كريستينا بيريز، عن تقديرها البالغ للتعاون المغربي في مواجهة الظاهرة الجديدة للهجرة السرية عن طريق السباحة.

ووصفت بيريز، في ندوة صحفية مطلع الأسبوع الجاري، الوضع الحالي على الحدود بين سبتة والفنيدق بأنه يعرف “أقصى درجات الضغط”، مشيرة إلى أن المغرب قام بدور حاسم في احتواء الأزمة.

وأضافت: “نحن ممتنون للتعاون الوثيق الذي أبداه المغرب في الأيام الأخيرة. لقد أظهروا التزامًا قويًا في وقف محاولات العبور والحد من تدفق المهاجرين، مما ساهم في تخفيف الضغط على الحدود”.

واعتبرت بيريز أن السلطات المغربية قد أرسلت تعزيزات كبيرة إلى الشواطئ وزادت من الجهود لمراقبة وتفتيش السواحل، مما ساعد بشكل كبير في الحد من أعداد المهاجرين.

وتابعت قولها: “المغرب يتعامل بوفاءٍ تام وبتفانٍ شديد في احتواء المهاجرين، حيث ضاعف قواته على الحدود 3 أضعاف، بالإضافة إلى قبوله لعمليات إعادة المهاجرين الذين تمكنوا من الوصول إلى سبتة”.

وأضافت في نفس السياق: “ليس من السهل على المغرب أن يتعامل مع ما يحدث على سواحله (…)، فبدون مساعدتهم، ستكون الحالة أكثر تعقيدًا”.

كما أشادت المسؤولة الإسبانية، أيضًا، بجهود قوات الأمن الإسبانية، التي تعمل بشكل وثيق مع نظيرتها المغربية للحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة، مشيرة إلى أنه “لن تتم تعبئة الجيش”، وأن مدريد “على علم بكل شيء”.

في السياق ذاته، أثنى وفد الحرس المدني الإسباني على التعاون المغربي، مشيرين إلى أن عملهم المشترك في البحر أسهم بشكل كبير في إنقاذ الأرواح وتفادي وقوع حوادث مأساوية.

وذكرت التصريحات الرسمية للحرس الإسباني أن تدخل المغرب كان حاسمًا في إيقاف محاولات العبور، مما ساعد في تجنب الكثير من الحالات الحرجة التي قد تسفر عن فقدان الأرواح.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *