وجهة نظر

غسان فميريكان: الحلقة 3

استيقظت على الثامنة و النصف صباحا، و معالم التعب ظاهرة على وجهي، بعد رحلة دامت أكثر من 10 ساعات جوا، وصولا إلى عاصمة الولايات المتحدة الأمريكية واشنطن، حيث سأقضي أسبوعا كاملا أتعرف فيه على مجموعة من المقاولات التي تشتغل مع أو بالتواصل الإجتماعي..

خرجنا إلى أول لقاء رسمي صباح اليوم الأول، رفقة مجموعة من الشباب العربي، الذين تم اختيارهم بعناية للمشاركة في هذا البرنامج الدولي، و التقينا بممثلين عن البرنامج و تعرفنا أكثر على مسؤولة البرنامج و المترجمين الذين سيرافقوننا طيلة الرحلة..ثم ذهبنا إلى أحد المطاعم الجميلة التي هي لأحد المقاولين العرب، عراقي الجنسية إن كنت لازت أتذكر، مكان ساحر فعلا، يجمع بين العقل و البطن..مكان تأكل فيه أشهى و ألذ المأكولات، و تجد فيه أشهى و ألذ ما في الكتب و الروايات، مكتبة و مطعم في نفس الوقت، تجسيدا للمقولة الشهيرة التي تقول : كيفما الكرش كاتجوع و تبغي تاكل، تالعقل تايجوع و يبغي ياكل…خطفت جزءا من وقتنا قبل الخروج سائلا أحد الشباب العربي الذي يشتغل في المطعم..ألا تظن أن مثل هذه المبادرات ستكون جميلة لو وجدناها أيضا بالعالم العربي، فأجابني مبتسما : المشكل ليس في المطعم..المشكل في من سيزوره، و نحن نتعامل مع زبائن تدخل القراءة و العلم في حياتهم اليومية..فأظن من الصعب تحقيق ذلك عندكم…لم أقبل الجواب، و قلت ربما أن الذي جعلنا دائمي التأخير في هكذا مبادرات هو خوفنا من نقطة البداية، فربما لو بدأ شخص ما الفكرة..كان قد تأقلم معها الكثير في البلاد العربية..ربما..

أسرعنا إلى لقاءنا الثاني و لم يتسن لي إكتشاف الناس في الشارع و لا الحديث إليهم بسبب ضغط البرنامج، دخلنا لقاعة صغيرة اجتمعنا فيها مع شخص في الأربيعينات ربما من عمره أو أكثر، مبتسم..انتظرت أن يعرف نفسه، لأسمعه يقول إلياس أكرم، فعلا من الصعب تخيل ذلك..لأن رؤيته في الأول توحي لك أنه من سكان أمريكان الأولين..

في خضم حديثنا عرض علينا الياس ما سميته الممنوعات الخمس على الجماعة كيفما كانت، حيث أنه ممنوع على أي جماعة، أو هيئة، أ ومنظمة كيفما كانت أن تلغي هذه الحقوق الخمس ( من أخريات ) و التي سأشارككم إياها تباعا و التي يعتبرها المواطن الأمريكي حقه المحفوظ :

1 – حرية التعبير
2 – حرية التجمع و التنظيم
3 – حرية المعتقد الديني
4 – حق المواطن أن يحاسب الحكومة و المسؤول
5 – حرية الصحافة

قبل سنتين او أكثر قليلا، كنا في المغرب نشتغل على إنشاء جمعية خيرية، و تطلب منا جمع الوثائق و البحث الذي تقوم به وزارة الداخلية حوالي الشهرين، و قيل لنا الجملة الشهير : سيرو تاتجيو..بدأنا الإشتغال على مجموعة من الأنشطة حتى مرت مدة طويلة لنحصل على الوصل المؤقت فقط للجمعية، هذا الأمر الذي يشكل عائقا في الحصول على التمويل، او عقد اتفاقيات أو شراكات، هذا الوصل المؤقت الذي يعني حسب نظري ” هاك خدم، لا مشا دكشي مزيان، عليك نور، لا ممشاش مزيان، مكنعرفوكش ”.. مرت حوالي السنتين على تأسيس الجميعة و لازالت بدون وصل إيداع نهائي، مع العلم أن الذي جمع هؤلاء الشباب هو خدمة وطنهم و الإلتزام بالقانون، و الإشتغال في الضوء، أمام أعين السلطات..الكثير من الشباب ممن وقع لهم نفس المشكل استسلموا أمام تعقيد هذه التفاصيل، فتفككت جمعياتهم و أفكارها..منذ البداية..

في كوكب أمريكا عزيزي القارئ لهذه الأسطر، يمكننا الآن و أنت معي في هذه الرحلة، أن نفكر في إنشاء جمعية أو منظمة، دعنا نفكر قليلا في هدفها..أو أقول لك، ما رأيك في إسم لا لا لا لا ؟ جميل ؟ مثير؟ أعجبك ؟ هنئيا لنا، فنحن أعضاء بمنظمة لا لا لا لا..
في الحق الثاني من الحقوق التي كتبت سابقا عزيزي القارئ، حيث حرية التجمع و التنظيم، يقول المشرع الأمريكي أنك لا تحتاج لأي تصريح لتأسيس جمعيات أو منظمة غير حكومية أو مؤسسات مجتمع مدني.. بعد التأسيس مباشرة، يكفي التسجيل مع الحكومة، حيث لا يعتبر هذا إذنا أو تصريحا، لكن الهدف منه الحصول على رقم للضرائب، و هذا يمكن فعله في دقيقتين بدخول موقع أنترنت.. هذا لتشجيع انخراط المواطن و خلق منظمات غير حكومية تقوم مقام الداعم و المكمل و أحيانا المسؤول عن تقدم المجتمع..

اخترت من حقوق كثر، خمس، و من الخمس حقا واحدا..يضمن لك حرية التجمع و التنظيم، لأنني اعتبرها أسسا من تقدم أي دولة، حيث تجد الأستاذ في القسم، و الأم و الأب في المنزل يلقنون الأطفال أن التطوع واجب وطني على كل من ينتمي لهذه القارة..الشباب في الجامعات منخرطون، الموظفون منخرطون، المتقاعدون منخرطون..كل له دور.. عالم التطوع و الإنخراط الفعال.رحلتي معكم في الحلقة القادمة.