وجهة نظر

قراءة تركيبية في الخطب و الرسائل الملكية ذات الصلة بمواقف جلالة الملك من أحداث غزة

إن مواقف المملكة المغربية من القضية الفلسطينية ثابتة ومؤكدة، تعكسها العديد من المبادرات والخطب والرسائل الملكية، ذلك أن جلالة الملك محمد السادس حفظه الله مافتئ منذ إعتلاءه عرش أسلافه المنعمين يعبر عن دعمه ووقوفه مع نضالات الشعب الفلسطيني من أجل إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وذلك في إطار حل الدولتين، لقد قاد حفظه الله وعلى إمتداد سنوات وبوصفه رئيسا للجنة القدس مجهودات جبارة دعما لفلسطين ودعما للسلطة الفلسطينية، سنحاول في هذه المقالة الوقوف عند أبرز مواقف جلالة الملك محمد السادس من التطورات التي أعقبت أحداث 7 أكتوبر 2023، وذلك من خلال تحليل مضامين الخطب والرسائل الملكية التي تطرق فيها جلالته إلى هذا الموضوع، تنهض إذن هذه المقالة على جرد لجميع الخطب والرسائل الملكية التي تم إلقاءها أو بعثها خلال الفترة الممتدة منذ أحداث 7 أكتوبر 2023 إلى يومنا هذا، حيث كانت آخر النصوص الملكية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية هي الرسالة الملكية السامية الموجهة إلى رئيس اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف، السيد شيخ تابغ، وذلك بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، الذي خلده العالم في 26 نونبر2024.

  • ماهي إذن المرتكزات التي ينهض عليه الموقف المغربي من الحرب الدائرة في فلسطين والتي أعقبت أحداث 7 أكتوبر؟
  • وما هي مضامين المنظور الذي دعى جلالته لإعتماده للإنتقال من تدبير الأزمة إلى إيجاد حل عادل ودائم؟
  • ما هي ثوابث الموقف المغربي من خلال الخطب الملكية وماهي المواقف ذات الصلة بالتطورات المستجدة؟
  • كيف حضرت الأبعاد الإنسانية لأحداث غزة في الخطب والرسائل الملكية؟
  • ماهي مداخل إحياء عملية السلام كما وردت في خطب جلالة الملك؟
  • ما هو حجم حضور مدينة القدس والمطالبة بالحفاظ على هويتها الحضارية في النصوص الملكية؟

أولا : يجدر بنا قبل الإشتغال وتحليل الخطب والرسائل الملكية التي  وقع فيها الحديث عن أحداث غزة منذ 7 أكتوبر، أن نحدد بداية هذه النصوص الملكية وتواريخ إلقائها أو إرسالها حسب الحالة، وفي هذا الإطار نشير إلى أن هناك تسعة نصوص ملكية، وهي حسب تسلسلها الزمني:

  • رسالة جلالة الملك الموجهة إلى المشاركين في المؤتمر رفيع المستوى لدعم مدينة القدس. يوم :12/02/2023.
  • رسالة جلالة الملك الموجهة إلى المشاركين في المؤتمر البرلماني الدولي المنعقد بمراكش حول” حوار الأديان : لنتعاون من أجل مستقبل مشترك”. يوم :13/06/2023
  • الخطاب السامي لجلالة الملك الموجه إلى القمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية بالرياض. يوم:11/11/2023.
  • الرسالة السامية لجلالة الملك الموجهة إلى رئيس اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف. يوم:29/11/2023.
  • الخطاب السامي لجلالة الملك الموجه إلى القمة ال 15 لمنظمة التعاون الإسلامي. يوم:04/05/2024.
  • خطاب جلالة الملك الموجه إلى القمة الثالثة والثلاثين لجامعة الدول العربية يوم:16/05/2024.
  • خطاب جلالة الملك الموجه إلى الأمة بمناسبة عيد العرش المجيد. يوم:29/07/2024.
  • خطاب صاحب الجلالة الملك الموجه إلى القمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية. يوم 11/11/2023.
  • رسالة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله ، إلى رئيس اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف، السيد شيخ نيانغ، وذلك بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، الذي يخلده هذه السنة يوم: 26/11/2024

سنحاول إقتفاء آثر تلك المرتكزات وفق التسلسل الكرونولوجي للنصوص الملكية التي سنسعى إلى تحليلها وفق نفس تركيبي ، وذلك من خلال العناصر التالية:

ثانيا: الملاحظة الأولى والجوهرية هو أن الديبلوماسية الملكية في هذا الموضوع ليست سجينة ردود الفعل أو التسرع، بل يطبعها التأني والحكمة، وذلك وفق منظور شمولي ملكي ثابت في دعم نضالات الشعب الفلسطيني، لذلك فإن أول نص وقع فيه الحديث الملكي حول هذا الموضوع، إنطلاقا من الجرد الذي قمنا به، هو الرسالة الملكية الموجهة إلى المشاركين في المؤتمر رفيع المستوى لدعم مدينة القدس المنعقد بالقاهرة يوم 12 فبرابر 2023، طبعا من المفيد التذكير هنا أن هذه المقالة تتناول الرسائل والخطب الملكية، وليس بلاغات وزارة الخارجية التي صدرت خلال هذه المرحلة حول هذا الموضوع.

ثالثا: في جميع الرسائل والخطب الملكية نجد جلالة الملك يؤكد على مركزية القضية الفلسطينية في بلادنا، باعتبارها في مستوى القضية الوطنية الأولى، وأحد ثوابت السياسة الخارجية.

رابعا: هناك حضور بارز لمدينة القدس، وتأكيد متجدد على أن جلالة الملك ينطلق في مختلف مواقفه في هذه القضية، من أمانة رئاسة لجنة القدس المنبثقة عن منظمة التعاون الإسلامي، حيث دعى جلالته في الرسالة الموجهة إلى المشاركين في المؤتمر  رفيع المستوى لدعم مدينة القدس إلى وجوب ” توحيد الموقف العربي، لمواجهة الانتهاكات التي تتعرض لها المدينة المقدسة، ومحاولة طمس هويتها الحضارية الفريدة، وتغيير طابعها القانوني، الذي تعهدت قرارات مجلس الأمن الدولي بحمايته”، مؤكدا في الآن ذاته على  أن حماية مدينة القدس يجب أن تكون عملا صادقا، بعيدا عن نطاق الشعارات الفارغة، والمزايدات العقيمة و الحسابات الضيقة.

خامسا: تشكل الرسالة الملكية الموجهة إلى المشاركين في المؤتمر البرلماني الدولي المنعقد بمراكش حول ” حوار الأديان؛ لنتعاون من أجل مستقبل مشترك”، أحد أهم النصوص الملكية الفكرية التي لئن لم تشر بشكل مباشر إلى الاحداث الجارية، إلا أنها تعالج أحد الإشكاليات الكبرى التي يطرحها الصراع في الشرق الاوسط، في هذه الرسالة الملكية تحليل عميق لجدور الكراهية وتفنيذ فكري لاطروحة ” اللامساواة الطبيعية”، وفيها أيضا إستحضار للجدور التاريخية والفكرية للعنف الديني والعرقي و الويلات التي تسبب فيها في تاريخ البشرية، حيث ذكر جلالته في هذا الإطار بتاريخ بلادنا العريق في التسامح الديني منذ أن إستقبلت آلاف الأشخاص من المسلمين واليهود الذين فروا من الاضطهاد الديني في شبه الجزيرة الإبيرية خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر، هذا بالإضافة إلى الموقف التاريخي لجلالة الملك محمد الخامس طيب الله ثراه، الذي وفر الرعاية والحماية لآلاف الأشخاص من معتنقي الديانة  اليهودية، الفارين من اضطهاد حكومة فيشي المتحالفة مع النازية.

وبعد هذا الاستحضار التاريخي الذي أشار فيه جلالة الملك إلى إستقبال المغفور له الحسن الثاني للبابا يوحنا بولس الثاني سنة 1985، أكد جلالته على حرصه منذ إعتلاءه العرش على تعزيز روح الأخوة والتعايش والتعاون ما بين المغاربة يهودا ومسلمين.

سادسا: شكلت القمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية المنعقدة بالرياض يوم 11 نونبر 2023 بدعوة من المملكة العربية السعودية، فرصة لجلالة الملك للتأكيد على الموقف المغربي الواضح والقوي من الحرب على غزة، وهكذا نجد جلالة الملك في هذا الخطاب الملكي السامي الموجه إلى المشاركين في هذه القمة على أولويات أربعة ملحة وهي:

  • الخفض العاجل والملموس للتصعيد ووقف الاعتداءات العسكرية بما يفضي لوقف إطلاق النار، بشكل دائم وقابل للمراقبة.
  • ضمان حماية المدينين وعدم إستهدافهم، وفقا للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني .
  • السماح بإيصال المساعدات الإنسانية بإنسيابية وبكميات كافية لساكنة غزة.
  • إرساء أفق سياسي للقضية الفلسطينية، كفيل بإنعاش حل الدولتين المتوافق عليه دوليا ، وعلاوة على تأكيد جلالته على الأولويات الأربعة الملحة، فقد شدد في ذات الخطاب على المسلمات البديهية التي يجب الانطلاق منها، والتي حددها جلالته في أربعة:

– لا بديل عن سلام حقيقي في المنطقة…

– لا بديل عن دولة فلسطينية مستقلة…

– لا بديل عن تقوية السلطة الفلسطينية….

– لا بديل عن وضع آليات لأمن إقليمي مستدام.

ومن بين أقوى مضامين هذا الخطاب التاريخي تأكيد جلالة الملك على أن مستقبل المنطقة، ومستقبل أبناءها لا يجب أن يترك بين أيدي المزايدين، لأن مستقبل المنطقة يقول جلالة الملك ” لا يتحمل المزايدات الفارغة، ولا الاجندات الضيقة”.

سابعا: ستشكل الرسالة الملكية الموجهة إلى رئيس اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف، بمناسبة اليوم العلمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، يوم 26 نونبر2023، فرصة لجلالته لإعادة التذكير بالأولويات الأربعة الملحة التي حددها في الخطاب السامي الموجه إلى القمة العربية الإسلامية المنعقد بالرياض في 11 نونبر 2023، والمشار إليه أعلاه، بيد أن أحد أهم مضامين هذه الرسالة هو تحليل جلالته العميق لأسباب ” التصعيد المحموم والمواجهات المسلحة واسعة للنطاق”، الذي يعرفها قطاع غزة، والتي حددها جلالته في إنسداد الأفق السياسي للقضية الفلسطينية، وكذا تنامي الممارسات الإسرائيلية المتطرفة والممنهجة، والإجراءات الأحادية المتكررة في القدس.

ثامنا: في جميع الرسائل والخطب الملكية التي تناولت الأحداث في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر هناك دعوات ملكية واضحة إلى وقف إستهداف المدنيين، والأعمال العسكرية الإسرائيلية الانتقامية، هذا بالإضافة إلى الدعوة إلى إحترام القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.

وبكل الوضوح والشجاعة التي طبعت مواقف جلالة الملك من الصراع في الشرق الأوسط ورغم الأحداث المأسوية المؤلمة، لم يتوقف جلالته عن التأكيد على أن السلام هو الخيار الوحيد لضمان الأمن والاستقرار لجميع شعوبها وحمايتها من دوامة العنف والحروب.

تاسعا: بالإضافة إلى دعواته المتكررة لحماية المدنيين في غزة، وكذا وقف إستهداف المنشآت المدنية والمستشفيات ودور العبادة التي ما فتئ جلالة الملك حفظه الله يطالب بها في مخالف الخطب والرسائل الملكية، هناك تعبير قوي ورد في الخطاب السامي لجلالة الملك الموجه إلى القمة ل 15 لمنظمة التعاون الإسلامي، المنعقدة يوم 4 ماي 2024 بالعاصمة الغامبية بانجول، حيث قال جلالته ” إن قلوبنا تدمي لوقع العدوان القائم على غزة، الذي جعل الشعب الفلسطيني الأبي يعيش أوضاعا بالغة الخطورة تشكل وصمة عار على جبين الإنسانية…”

يشكل هذا الخطاب الملكي السامي بالإضافة إلى الرسالة الملكية الموجهة إلى المشاركين في المؤتمر البرلماني الدولي المنعقد بمراكش حول حوار الأديان: لنتعاون من أجل مستقبل مشترك، وثيقتين ملكيتين متكاملين، من حيث تطرقهما لموضوع التسامح الديني ومخاطر التعصب و الانغلاق والكراهية بسبب الدين أو العرق، وفيها نجد كما سبقت الإشارة إلى ذلك تحليل عميق للجدور الفكرية والتاريخية لنزعات التطرف والطائفية المقيتة.

عاشرا  : ما فتئ جلالة الملك يؤكد في العديد من الخطب والرسائل الملكية أنه وأمام ” الكارثة الإنسانية التي لم يعرف لها العالم المعاصر مثيل”، ونهوضا بأمانة لجنة القدس، وإنطلاقا من سياسة المملكة في التضامن فقد حرص جلالته على ادخال مساعدات إلى القطاع، هذا علاوة على تأكيده على أهمية العمل الاجتماعي والإنساني والثقافي الذي يقوم به بيت مال القدس، الذي يعد الدراع التنفيذية للجنة القدس التي يرأسها جلالته.

حادي عشر: مفهوم ” العدوان” بكل حمولته في القانون الدولي الذي سيستعمله جلالة الملك لوصف ما يحصل في قطاع غزة في الخطاب السامي لجلالة الملك الموجه إلى القمة 15 لمنظمة التعاون الإسلامي، سيعيد جلالته إستعماله في الخطاب الموجه إلى القمة الثالثة والثلاثون لجامعة الدول العربية المنعقدة بالمنامة بمملكة لبحرين يوم 16 ماي 2024، لم يقتصر جلالته على التنديد بذلك العدوان، بل أكد على أن هذا العدوان يجعل المملكة أكثر إصرار على أن تظل القضية الفلسطينية هي جوهر إقرار سلام عادل ودائم في منطقة الشرق الأوسط.

ثاني عشر: في الخطاب الملكي السامي الموجه إلى قمة المنامة نجد العديد من المواقف الملكية المهمة، بخصوص القضية الفلسطينية، حيث شدد جلالته على مواقف المغرب الثابتة بخصوص إقامة دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة، على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشريفة، على أساس حل الدولتين.

ثالث عشر: ظلت الدعوة الملكية إلى حماية  ووقف الأعمال الانتقامية وقتل الأبرياء و المطالبة بإدخال المساعدات الى قطاع غزة، ورفض محاولات التهجير القسري للفلسطينيين عناصر ثابتة في الخطب والرسائل الملكية التي وقع فيها الحديث حول الأحداث التي أعقبت 7 أكتوبر 2023.

رابع عشر: في اطار ذات المواقف القوية المنافحة عن الشعب الفلسطيني و المطالبة بوقف العدوان على غزة ، جاء الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش المجيد ليوم 29 يوليوز 2024، و الذي أجمل فيه جلالة الملك مواقف المملكة مما أسماها جلالته ” المأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني الشقيق”، حيث أكد جلالته استمرار مجهودات المملكة لدعم المبادرات البناءة التي تهدف الى وقف ملموس ودائم لاطلاق النار ومعالجة الوضع الإنساني ، غير أن أحد أهم مضامين خطاب عيد العرش هي الدعوة الملكية الى ضرورة الخروج من منطق تدبير الازمة، الى العمل على إيجاد حل نهائي للنزاع، لم يكتفي جلالة الملك بهذه الدعوة القوية، بل حدد المرتكزات الأساس لهذا الانتقال، و التي تتمثل في وجوب العمل بشكل متزامن على وقف اطلاق النار و في الان ذاته فتح أفق سياسي كفيل بإقرار سلام دائم وعادل، المرتكز الثاني يتمثل في أن اعتماد المفاوضات لإحياء عملية السلام يتطلب قطع الطريق على المتطرفين من أي جهة كانوا، أما المرتكز الثالث الذي حدده جلالة الملك فهو تأكيدة أن الامن و الاستقرار في المنطقة لن يتم إلا في إطار حل الدولتين تكون فيه غزة جزء من أراضي الدولة الفلسطينية المستقلة، و عاصمتها القدس الشريف.

يشكل هذا الخطاب الملكي مرجعا لا غنى عنه في الوقوف عند مواقف المملكة المغربية الواضحة و القوية من التطورات التي أعقبت أحداث 7 أكتوبر، ويتعين في هذا الاطار التأكيد على أن جلالة الملك أعتبر أنه من المهم قطع الطريق على المتطرفين في أي جهة كانوا، وهو مايعني أن الاعتدال و الحكمة و التوجه نحو السلام على أساس الشرعية الدولية هو الذي يجب أن يحكم التعاطي مع الملف.

خامس عشر:  الملاحظ من خلال قراءة الرسائل و الخطب الملكية أن هناك عناصر جوهرية ثابثة واضحة في الموقف المغربي، غير أن جلالة الملك ظل يتفاعل مع المستجدات و التطورات التي عرفتها الاحداث في غزة منذ السابع من أكتوبر، و تداعياتها الإقليمية و الدولية وهو الأمر الذي يتضح بجلاء من خلال قراءة مضامين الخطاب الملكي السامي الموجه الى القمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية المنعقدة بالرياض يوم الاثنين 11 نونبر 2024، الذي لئن كان جلالته قد أعاد فيه التذكير بالمنظور الملكي للانتقال من تدبير الازمة الى حل دائم ،كما عبر عنه جلالته في خطاب عيد العرش المومئ اليه أعلاه، الى أنه حمل مواقف جديدة حول التطورات التي شهدتها المنطقة، وفي هذا الاطار عبر جلالة الملك عن إدانة قرار إنهاء عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينين، كما عبر عن التضامن مع لبنان للمحافضة على سيادته على كامل أراضيه ودعم مؤسساته الدستورية في ممارسة سلطاتها، هذه الديناميكية التي طبعت التفاعل الملكي مع تطورات الاحداث نجدها كذلك في الرسالة التي وجهها جلالته الى رئيس اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف السيد شيخ نيانغ، وذلك بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني ، وتجدر الإشارة إلى أن هذه الرسالة تعد الثانية الموجهة من لدن جلالته الى رئيس هذه اللجنة منذ 7 أكتوبر 2023، ولقد سبق معنا في العناصر أعلاه الوقوف عند مضامين الرسالة الأولى ، أما بالنسبة لهذه الرسالة الأخيرة الموجهة بتاريخ 26 نونبر 2024، والتي تعد الى حدود كتابة هذه المقالة أخر وثيقة ملكية يعبر فيها جلالة الملك عن مواقف من الاحداث في الشرق الأوسط، تكتسي هذه الرسالة أهمية خاصة، ضمن سلسلة النصوص الملكية التي تناولت الاحداث التي أعقبت 7 أكتوبر 2023، ليس فقط بالنظر الى حجمه الكبير مقارنة بالنصوص السابقة، ولكن بالنظر للشرح المفصل لمواقف المملكة المغربية التي يتضمنها، ولعل أحد مميزات هذه الرسالة الملكية هو تركيزها بشكل كبير للمعاناة الإنسانية لسكان غزة جراء الاجتياح العسكري الإسرائيلي،لقد شدد جلالة الملك ان ما يحصل في غزة يسائل الضمير العالمي، ويتطلب تدخلا عاجلا لوقف إطلاق النار، و إحترام حقوق الانسان وتنفيذ القرارات الأممية ذات الصلة، وكذا المطالبة بوجوب إحترام القانون الدولي و القانون الدولي الإنساني، هذه الرسالة الملكية التاريخية هي مرافعة من أجل الإنسانية و من اجل الحياة، من أجل حماية حقوق الأبرياء، وتمكينهم من حقوقهم الادمية الإنسانية، تتضمن هذه الرسالة تذكير مفصل بالمواقف الثابثة للمملكة المغربية، سواء ما يتعلق بوجوب الوقف الفوري لإطلاق النار، أو حماية المدنيين، او المطالبة بفتح المعابر لإدخال المساعدات، هذا علاوة على الدعوة إلى المحافضة على دور وكالة الاونروا، ناهيك عن تأكيد جلالة الملك عن رفض المغرب لتهجبر الفلسطينين، و أخيرا الدعوة الى إستئناف عملية السلام على أساس الشرعية الدولية.

من بين العناصر التي أشار إليها جلالة الملك و التي لم يقع الحديث عنها في النصوص السابقة هو تشجيع مبادرات المصالحة الوطنية بين الاشقاء الفلسطينين، و بالنظر الى رئاسة جلالته للجنة القدس، فقد خصص جلالته حيزا بارزا من هذا الخطاب لمدينة القدس ووجوب صيانة هويتها الحضارية، و علاوة على كل ذلك فقد إستحضر جلالة الملك المجهودات الاستثانية التي قام بها قصد ادخال المساعدات الإنسانية للقطاع من خلال طريق غير مسبوق.

ما هي الخلاصة المركزية ؟

يتضح إذن قوة المواقف الملكية المدافعة عن الشعب الفلسطيني، و الداعية الى وقف فوري لاطلاق النار بموازاة مع إستئناف العملية السياسية، طبقا للمرجعيات الدولية ذات الصلة بالنزاع، في هذا الخضم أعلن جلالة الملك بوضوح أن الطريق نحو السلام يتطلب قطع الطريق على المتطرفين في أي جهة كانوا، لقد ظلت مدينة القدس حاضرة بشكل بارز في الخطب و الرسائل الملكية في اطار مهام جلالة الملك بصفته رئيسا للجنة القدس، و علاوة على كل ذلك و بالنظر الى المأساة الإنسانية في قطاع غزة فقد حظيت معاناة المدنيين بنصيب وافر في الاهتمام الملكي بتطورات الاحداث التي أعقبت السابع من أكتوبر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *