منتدى العمق

فلسطين في شعر محمد مستاوي

مقدمة
استأثرت القضية الفلسطينية باهتمام المغاربة ،وحظيت بمكانة رفيعة في قلوب ووجدان الشعب المغربي، بكل فئاته وتنوعاته، لأبعادها المتعددة العقدية والشرعية والأخلاقية والإنسانية، فهي تضم قبلة المسلمين الأولى-المسجد الأقصى- ومعراج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى سدرة المنتهى، وأرض النبوات والرسالات، ففي القدس نشأ عيسى عليه السلام وعاش فيها سليمان وداوود عليهما السلام ،وإليها هاجر أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام –مدينة الخليل-.

ظلت هذه العلاقة متوطدة تؤكدها مشاركة المغاربة زمن الموحدين بالسلاح والرجال مع الناصرصلاح الدين الأيوبي لتحرير القدس من أسر الصليبيين ،فعاش المغاربة في أكناف بيت المقدس منذئذ في حارة المغاربة وزاوية المغاربة وحي المغاربة ،وترسخت العلاقة مع مواكب الحجيج العائدة من مناسك الحج من أجل “التقديس”أي الصلاة في القدس و”التخليل”لزيارة مقام إبراهيم عليه السلام بمدينة الخليل بفلسطين.

لم تتوقف هذه العلاقة مع الهجمة الاستعمارية على العالم الإسلامي فترة القرن العشرين، حيث قسم المغرب منذ سنة 1912 إلى ثلاث مناطق منطقة الاستعمار الإسباني في الشمال والجنوب ،ومنطقة الاستعمار الفرنسي في الوسط ،وطنجة القابعة تحت حكم استعماري دولي، حيث ظلت القضية الفلسطينية”تشكل منذ ثلاثينيات القرن العشرين أهم مستقطب خارجي للرأي العام الرسمي والشعبي”-1-.واستأثرت نكبة 1947-1948 باهتمام المغاربة، تضامنا واحتجاجا ،ودعما ماليا ،ومشاركة بالفداء لتحرير فلسطين، حيث لبى العديد من المغاربة نداء المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي رحمه الله إلى الجهاد لتحرير فلسطين.

فلسطين في شعر محمد مستاوي
عبر المغاربة عربا وأمازيغ عن هذا الارتباط القلبي والوجداني بفلسطين في أشعارهم، الطافحة بمعاني التضامن والإحساس بمظلومية الشعب الفلسطيني أمام الاستكبار الصهيوني. ومن الشعراء الأمازيغ المتميزين في هذا الباب، محمد مستاوي حيث يعد حسب الباحثين -2- صاحب أول عمل شعري فردي مكتوب ومنشور، من خلال ديوانه الشعري “إسكراف” أي الأغلال أو القيود سنة 1976،وأقدم نص شعري فيه يعود لسنة 1963م ،وقد تأثر حينها محمد مستاوي بالمد الاشتراكي ،واعتمد في تأليفه الشعري على الحرف العربي بشكل منسجم مع الصواتة الأمازيغية، لتأثره بحفظ القرآن الكريم منذ صغره، وتدريسه للغة العربية لعقود مع احترامه لحرف تيفيناغ ،ومن نماذج أشعاره حول فلسطين-3-:

1-لَقّبْلَتْ ءِ يزْوَارْنْ ؤُرْبِّيتْ يفيلْ
2-أسْكْركيسْ لْقْهوَادَانْ-ويلِّي نُوفْلْينينْ
3-عُومارْ ءِ يفلْ-تيدْ ءِ يْفكَاَوْنْ تَاسَارُوتْ…

ترجمتها بالعربية:
1-القبلة الأولى الموجودة فيك لم يتركها لي
2-صيرها مقهى المجانين
3-عمر تركها ومنح لكم المفتاح

لتعبير عن تدنيس المسجد الأقصى من طرف الصهاينة وعدم وفاء المسلمين بأمانة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الحفاظ على مفتاح القدس حين كسرنا أبواب مناعتنا ونمنا للإشارة إلى هوان الأمة.

وفي تخاذل العرب والمسلمين وعجزهم الفاضح أمام آلة الإبادة الصهيونية في مجزرة صبرا وشاتيلا حينها وهو ما ينطبق على اليوم كذلك،عبر مستاوي بالقول:

1-صابْرا دْ-شَاتيلاَّ ءادَامْ سُولْ نتِّيني مِيتْ
2-ءورْنكي ءيرْڭازْنْ نْلاَ تِيمَا رِيدِينْ
3-تمَارْتْ ءوركِّينِتْءيوُولْ ءاسَافَارْ
4-صابْرا دْ-شَاتِيلاَّ دْرْنْتْ نيكِّين ورْنْسُولْ
ترجمتها:
1-لم يعد ما يقال لك صبرا وشاتيلا
2-لم نعد رجالا رغم كثافة اللعنة
3-ليست اللعنة دواء القلب
4-عاشت صبرا وشاتيلا ومت أنا…

كما صور المستاوي في أبياته الشعرية تواطؤ الأنظمة العربية على خذلان فلسطين مصورا الجسد العربي وفي قلبه فلسطين بجسد تتواطأ أعضاؤه من حنجرة تمنع مرور الطعام والشراب مما يهدد القلب بالتوقف والجسم بالتمدد في الأرض ليدفن إذا وجد من يدفنه أو سيترك للنملة لتقضمه جزءا جزءا والنملة في القصيدة هي “إسرائيل”:
1-ؤُلْ ؤُرْؤُفينْ ءِ يدَامْنْ أَحْ ينين فَسَّانْ
2-رَادْ يكْنُوءيخْفْ يضْرفْ-وَاكَالْ لْمويُّونْ
3-غْزْنَاسْ نْيخْتْن ؤُجَّانْ ياسيتْ ؤُطِّيفْ.

ترجمتها:
1-القلب يعاني خصاصة الدم يا ويلتاه إذا توقف.
2-سينحني الرأس وسيسقط على الأرض ذابلا
3-ليدفن مرة واحدة أو ليترك تحمله نملة.
ونختم هذه الأشعار المنتقاة من دواوين شعر مستاوي ببيت شعري تضمنته قصيدة “فلسطين”
1-تَامَّوْنْتْ أَفْ نَتَّيزيلْ لْمعَاونْتْ
2-أَسَّانْ غْ –نْبْضَا هَانْ ؤُدَايْنْ ؤُفَانْ أَغَارَاسْ.

ترجمتها:
1-للوحدة والتعاون نسعى
2-لما افترقنا وجد الصهوني الطريق
لاشك أن القضية الفلسطينية بأبعادها المتعددة ،حاضرة في الشعر والغناء الأمازيغي، وإذا كان الشاعر محمد مستاوي صاحب السبق في هذا الميدان بشعره المدون، فالحاجة ماسة إلى إماطة اللثام، بالتوثيق والبحث من طرف المختصين في الشعر والغناء الأمازيغي الشفوي بلهجاته المتعددة الذي تطرق لهذه القضية العادلة.

الإحالات:
1-“المغرب وفلسطين:ستون سنة بعد النكبة”، ورقة الاتصال، الجمعية المغربية للبحث التاريخي، عدد مزدوج 18/19،2009،ص42.
2-“التأليف الشعري المغربي المكتوب بالأمازيغية:منجزه وملامحه العامة” محمد أفقير، مجلة أسيناك،المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية،العدد 16 السنة 2021،ص11pdf-
3-الأبيات الشعرية وترجمتها إلى العربية منتقاة من مقال”الشعر الأمازيغي والقضية الفلسطينية”،توفيقي بلعيد،دورية الفكر الديموقراطي،العدد7،1989.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *