وجهة نظر

إنقاذ القطاع السياحي بورززات من الانهيار إلى الانتعاش

كانت ورززات، المعروفة بـ”بوابة الصحراء” و”هوليوود إفريقيا”، لسنوات عديدة وجهة سياحية جاذبة بفضل قصباتها التاريخية، ومناظرها الطبيعية الخلابة، واستوديوهاتها السينمائية الشهيرة. لكن اليوم، تواجه المدينة أزمة خانقة تحولها من مركز سياحي مزدهر إلى منطقة شبه مهجورة. فما أسباب هذا التراجع؟ وكيف يمكن إنقاذ القطاع السياحي في ورززات الكبرى؟

أزمة ورززات: من الريادة إلى التهميش

من خلال زيارات ميدانية وحوارات مع الفاعلين المحليين، تبين أن المدينة تعاني من تراجع حاد في النشاط السياحي، رغم ما تمتلكه من مؤهلات استثنائية. وتتجلى مظاهر الأزمة في:

  1. انخفاض أعداد السياح: سجلت الأشهر الثمانية الأولى من 2024 انخفاضاً بنسبة 20% في عدد الزوار و11% في ليالي المبيت مقارنة بعام 2023.
  2. إغلاق الفنادق: أُغلق أكثر من 18 فندقاً منذ جائحة كورونا، بما فيها فندق “بلير” الذي عُرض للبيع بـ 32.7 مليون درهم دون أن يجد مشترين.
  3. تراجع الربط الجوي: أُلغيت خطوط جوية حيوية تربط ورززات بمدن أوروبية مثل مدريد وبروكسل وبوردو، مما قلل من تدفق السياح الأجانب.
  4. ضعف البنية التحتية: محدودية الطاقة الاستيعابية (4000 سرير فقط)، وطرق وصول صعبة، خاصة ممر تيشكا الخطير.
  5. تردد المستثمرين: رغم الحوافز الحكومية (تصل إلى 30% للمشاريع فوق 50 مليون درهم)، لا يزال الاستثمار

السياحي شبه متوقف.

مقارنة مقلقة مع باقي الوجهات المغربية

في الوقت الذي تشهد فيه مدن مثل مراكش (+71%) وأكادير (+46%) نمواً سياحياً قوياً، تتراجع ورززات بشكل لافت. كما أن الاتفاقية الموقعة عام 2022 بقيمة 1.388 مليار درهم لتطوير سياحة الجبال والواحات في درعة-تافيلالت لم تحقق النتائج المرجوة، حيث:

  • لم تُنفذ العديد من البرامج رغم انتهاء الإطار الزمني للمرحلة الأولى.
  • لم تعالج مشاكل الربط الجوي والبنية التحتية الأساسية.
  • ظلت مشاريع ثقافية، مثل المتاحف، قيد الإنشاء منذ 15 عاماً.

حلول عملية لإنقاذ السياحة في ورززات

لإعادة الحياة إلى القطاع السياحي، نقترح الإجراءات التالية:

  1. إحياء الفنادق المغلقة
  • منح إعفاءات ضريبية واجتماعية للفنادق المتعثرة مقابل التزامها بخطط استثمارية.
  • تفعيل برنامج “كاب أوسبيتاليزي” لإعادة تأهيل الفنادق المهجورة.
  • تشجيع توظيف السكان المحليين لتعزيز الاندماج الاجتماعي.
  1. تعزيز الربط الجوي والنقل
  • إعادة الخطوط الجوية الأوروبية مع تقديم دعم مرحلي لشركات الطيران.
  • تطوير حزم سياحية تشمل الإقامة والطيران بأسعار تنافسية.
  1. حوافز استثمارية جاذبة
  • رفع نسبة الدعم الحكومي للمستثمرين في ورززات لتتجاوز 10%.
  • إنشاء مناطق اقتصادية خاصة بالسياحة مع إجراءات إدارية مبسطة.
  1. استراتيجية تسويقية مبتكرة
  • توظيف التراث السينمائي (استوديوهات أطلس، متحف السينما) لجذب عشاق الأفلام.
  • تنظيم مهرجانات سينمائية دولية تعيد إشعاع المدينة.
  1. تطوير مسار سياحي متكامل
  • ربط المعالم التاريخية (قصبة آيت بن حدو، تلوات، تفلتوت فينت تاوريرت امريديل……) بواحة سكورة ومحطة نور للطاقة الشمسية.
  • إعادة تأهيل استوديوهات السينما لتصبح وجهة دائمة للزوار.
  1. تحسين البنية التحتية
  • إكمال المشاريع المتعثرة (المتاحف، الطرق البديلة لممر تيشكا).
  • تطوير مرافق ترفيهية تلبي تطلعات السياح.
  1. تعزيز الحوكمة المحلية
  • تشكيل لجنة أزمة تضم القطاعين العام والخاص لمتابعة الملف السياحي.
  • ضمان الشفافية في صرف أموال التنمية السياحية.

8. تحفيز الطلب السياحي عبر سياسات جوية جريئة

إصلاح هيكلة تكاليف المطار

  • تخفيض رسوم المكتب الوطني للمطارات بنسبة 40% لشركات الطيران المنخفضة التكلفة لمدة 3 سنوات
  • إعفاءات ضريبية مؤقتة للخطوط الجديدة التي تفتح مسارات نحو ورزازات
  • برنامج “محطة جوية مجانية: منح 6 أشهر بدون رسوم للشركات التي تعيد تشغيل الخطوط الملغاة (مدريد، بروكسل، بوردو)

حزم جوية سياحية متكاملة

  • شراكات مع “عطلات جوية: رحلات + فندق + زيارة موقعين سياحيين بسعر ثابت (مثال: 199 يورو لـ 3 أيام/ليلتين)
  • تذاكر مجمعة مع مراكش: استغلال الوجهة الأكثر جذباً لدفع جزء من السياح نحو ورززات (حافلة مجانية للمسافرين بين المدينتين)
  1. إشراك كل حلقات السلسلة السياحية في خطة الإنقاذ

خلق تكتل اقتصادي سياحي

  • تأسيس “تجمع ورززات للسياحة المستدامة يضم:
    • المطاعم والمقاهي (تنسيق عروض “قائمة سياحية موحدة” بأسعار مخفضة)
    • وكالات تأجير السيارات (عروض خاصة لزوار المحطة الشمسية والقصبات)
    • مرشدين سياحيين (تدريب على لغات نادرة مثل الصينية والكورية)
    • باعة الصناعة التقليدية (إدماجهم في المسارات السياحية المنظمة)
    • سائقي سيارات الأجرة (تخصيص خطوط ثابتة بأسعار موحدة للمواقع السياحية)

برنامج “كل زائر هو سفير

  • منح بطاقات خصم تراكمية تستخدم في جميع المنشآت (الفنادق، المطاعم، المتاجر)
  • نظام نقاط مكافآت يحول الزائر إلى “مسوّق طوعي” لكل المنطقة
  1. 10. تحويل المواقع السياحية إلى تجارب تفاعلية

إعادة اختراع زيارة المحطة الشمسية “نور

  • جولات واقع افتراضي داخل الألواح الشمسية مع شاشات تعرض إحصائيات حية عن الإنتاج
  • ورشات “طاقة المستقبل للأطفال مع تجارب عملية في تحويل الطاقة
  • مقهى “الشمس الأبدية بمشروبات مبردة بالطاقة الشمسية مباشرة

إحياء متحف السينما كوجهة عالمية

  • معرض دائم لأزياء وأدوات أفلام شهيرة صُوّرت في المنطقة (صراع العروش، غلادياتور)
  • استديو زائر حيث يمكن للسياح تمثيل مشاهد قصيرة مع إخراج محترف
  • سينما تحت النجوم بعرض أفلام صورت في ورززات 3 ليالي أسبوعياً

مسار “الواحة الذكية” بين القصبات

  • تطبيق جوال يروي تاريخ كل قصبة بلغة الزائر مع تقنية AR لإعادة بناء المشاهد التاريخية
  • محطات تذوق منتجات محلية (تمر، زيت أركان، خبز تقليدي) على طول المسار
  • حافلات كهربائية صغيرة تربط بين المواقع بطريقة مستدامة
  1. 11. ضمان الجودة كمدخل للتنافسية

شهادة “ورززات للتميز السياحي

  • منح علامة جودة للمنشآت التي تلتزم بمعايير صارمة في:
    • النظافة
    • الاستقبال اللغوي (الحد الأدنى 3 لغات)
    • المسؤولية البيئية
  • لوائح إلزامية للعاملين في القطاع (تدريب سنوي على خدمة الزبون)

وحدة مراقبة الجودة السياحية

  • فرق تفتيش مفاجئة من شباب المنطقة المدربين
  • منصة إلكترونية لتقييم الخدمات من قبل الزوار مع رد فوري على الشكاوى
  1. 12. إدارة الأزمة عبر حوكمة تشاركية

خلية أزمة دائمة

  • اجتماع أسبوعي عبر “طاولة مستديرة” تضم:
    • ممثلي الوزارات المعنية
    • رؤساء الجماعات الترابية
    • ممثلي القطاع الخاص (الفنادق، شركات الطيران)
    • جمعيات المجتمع المدني

13 صناديق تمويل مبتكرة

  • صندوق “ورززات تزدهر“:
  • 30% من مداخيل الضريبة على القيمة المضافة السياحية تعود للاستثمار المحلي
  • تمويل مشترك بين الدولة والمستثمرين للمشاريع الصغيرة

خاتمة: ورززات 2030 – رؤية للريادة

الخروج من الأزمة يتطلب تحولاً جذرياً من “السياحة التقليدية” إلى “اقتصاد التجارب السياحية”. هذه الخطة تقترح نموذجاً قائماً على:

  1. الدمج الكامللكل الفاعلين في منظومة واحدة
  2. التحول الرقميللخدمات والمسارات
  3. التميز في الجودةكعلامة مسجلة للمنطقة

الفرصة سانحة اليوم قبل أن يتحول التراجع إلى انهيار لا رجعة فيه. ورززات تستحق أكثر من أن تكون مجرد محطة عابرة في طريق الصحراء، إنها قصة تحتاج إلى إعادة كتابة بمشاركة جميع أبنائه

ورززات ليست مجرد مدينة، بل هي إرث ثقافي وسياحي يستحق الحماية. إن تنفيذ هذه المقترحات لن ينعش الاقتصاد المحلي فحسب، بل سيعيد للمنطقة مكانتها كواحدة من أهم الوجهات السياحية في المغرب. آن الأوان لتحويل التحديات إلى فرص، قبل أن تتحول “هوليوود إفريقيا” إلى ذكرى من الماضي.

يدير اكيندي أستاذ العلوم الاقتصادية والاجتماعية

خبير في التنمية الشاملة والاعاقة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *