منتدى العمق

جماهير الوداد.. قوة ناعمة تشع في أمريكا وتجسد صورة المغرب المتجددة

تُعتبر الجماهير المغربية العاشقة لكرة القدم من بين أكثر الجماهير إبداعا وإمتاعا على مستوى العالم، ويكاد لا يُستثنى منها جمهور، سواء تعلق الأمر بجماهير الأندية العريقة من الرباط، مكناس، الدار البيضاء، فاس، وجدة، طنجة، أكادير وغيرها، و هذه الجماهير الفريدة في تنوعها تشكّل فسيفساء حقيقية للمجتمع المغربي بكل مكوناته: موظفون سامون وبسطاء، عمال وعاطلون، رجال أمن وفاعلون في المجتمع المدني، سياسيون، شباب وكهول من المدن والقرى، من الجبال والسهول، من مغاربة العالم و الداخل… الكل يجتمع في حب كرة القدم ويذوب في عشق فريقه.

هذا الشغف الجماهيري لا يقف عند حدود الملاعب الوطنية، بل يتجاوزها ليصير سفيرا متحركا للوطن في المحافل العالمية، ولعل أبرز دليل على ذلك ما نشهده اليوم مع جماهير نادي الوداد البيضاوي، هذا النادي الذي يُلقّب عن جدارة بـ«نادي الأمة» لما يجسّده من رمزية وتاريخ عريق.

في الولايات المتحدة الأمريكية، لم يكن الوداد وحيدا حين خاض مباراته الأخيرة، بل رافقته جماهيره الوفية التي أذهلت الجميع بحماسها وأهازيجها وأعلامها المرفرفة، وكأنها حوّلت المدرجات إلى قطعة من مدرجات مركب محمد الخامس الشهير في قلب الدار البيضاء، وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه الجماهير لم تأتِ فقط من داخل المغرب، بل كانت وفودا من كل بقاع العالم: من مغاربة العالم المقيمين في أمريكا وأوروبا و أسيا ومن أبناء الوطن داخل المغرب، و هكذا تجمّع المغاربة بمختلف مواقعهم الجغرافية ليجسدوا وحدة الانتماء وحب الوطن خلف ناديهم أينما حل وارتحل.

هذه المشاهد المبهرة لم تكن مجرد تشجيع عابر، بل رسائل حضارية قدّمت للعالم صورة حقيقية عن المغرب: بلد الخير، التعايش، الكرم وحسن الضيافة.

وقد ذكّرت هذه الأجواء الصاخبة الجميلة بما عاشه العالم قبل سنوات مع جمهور الرجاء البيضاوي خلال كأس العالم للأندية في المغرب سنة 2013، حين خطف الأضواء وأبهر الجميع بروحه الرياضية وحضوره الفريد، واليوم يعيد جمهور الوداد الكرة لكن على أرض بعيدة، مؤكدا أن الجماهير المغربية قادرة على حمل اسم المغرب عاليًا في كل مكان.

الأهم من ذلك أن هذه الحشود الودادية أصبحت حديث الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي في أمريكا وخارجها، وأثارت فضول آلاف المتابعين للبحث عن نادي الوداد، عن مدينة الدار البيضاء، وعن المغرب ككل، تماما كما حدث مع المنتخب المغربي في كأس العالم قطر 2022، حينما تحوّلت قصة الأسود والجماهير المغربية إلى ظاهرة عالمية ألهمت الملايين.

إن هذه القوة الناعمة التي تُمارس بإمكانات بسيطة ومن جيوب الجماهير نفسها، تساهم في تحسين صورة المغرب خارجيًا، وتزرع في قلوب الناس رغبة لاكتشاف هذا البلد الذي يحتضن شعبًا يعشق الحياة والفن والرياضة، وهي قوة تنجز ما تعجز عنه الحملات الدعائية المكلفة التي تصرف عليها بعض الدول الملايير، فالجمهور المغربي بقلبه وصوته وعلمه يحقق المعجزات.

ختاما، أثبتت جماهير الوداد أن التشجيع ليس مجرّد هتاف في المدرجات، بل رسالة حضارية وسفارة متحركة، تُعرّف العالم بمغرب الأصالة والانفتاح، وتفتح أمام الوطن أبوابا جديدة للسياحة والثقافة والاحترام الدولي.

فتحية لجماهير الوداد… جماهير الأمة، ورمز القوة الناعمة المغربية في كل مكان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *