وجهة نظر

تطوير آليات التدبير العسكري والأمني في عهد الملك محمد السادس

    إن تصدر المؤسسة الملكية للنظام السياسي الذي تشكل بعد الاستقلال ، و نجاحها في الانتصار على مكونات الكتلة الوطنية ، و تمكنها من القضاء على مختلف التمردات الداخلية ، و قمع كل أشكال الانـتـفاضات الشعبية ، كان يرجع ليس فـقط للرصيد التاريخي و الرمزي الذي اعتـمدت عليه هذه المؤسسة ، بل يكمن بالأساس من خلال تحكمها منذ البداية في أهم مؤسسات الحكم . فمن خلال المؤسسة العسكرية ، و التحكم في بنياتها التنظيمية و الانفراد بالإشراف على تحديد هرميتها القيادية ، نجحت في إخضاع و إقصاء كل معارضة سياسة و القضاء على كل تمرد سياسي . كما لعب جهاز الأمن الوطني منذ تأسيسه ومغربته بعيد الاستقلال دورا سياسيا خفيا ولكن أساسيا في الحياة السياسية بالمغرب . فقد شكل منذ البداية الأداة الردعية الرئيسية في مواجهة المعارضين السياسيين للنظام . فمن خلالها كان يتم اعتقال واختطاف وتعذيب كل من صنفهم النظام ضمن خانة المعارضين أو الذين أحس بتهديدهم لسياسته. وعبر قنواته كان يتم التجسس والاستخبار على مختلف الهيئات و المنظمات السياسية  المعارضة. وبأساليبه المعلنة و الخفية، والترهيبية و الإغرائية كان يتم الإيقاع بالمعارضين وتدجينهم وتوظيفهم لخدمة أغراض سياسية محددة ومرسومة. وبالتالي فعلى الرغم  من أن هذا الجهاز ظل بعيدا عن الأضواء الدستورية؛ فقد شكل مؤسسة وازنة داخل النظام السياسي المغربي ؛ و جهازا فعالا للقبضة الملكية في تدبيرها و تحكمها في الشأن السياسي . فتمكنها ونجاحها في التحكم في مكونات الحقل السياسي المغربي يرجع بالأساس إلى تحكمها في مؤسستين الجيش والأمن . وبالتالي ، فقد اهتم الملك محمد السادس منذ تسلمه الحكم بتحديث وتطوير مؤسستي الجيش والأمن بالإضافة إلى الدرك الملكي

  1. تحديث الترسانة العسكرية

       لعبت القوات المسلحة الملكية منذ استقلال المملكة أدوارا أساسية في الحفاظ على  الاستقرار السياسي  الداخلي للمملكة وفي استرجاع الأقاليم الصحراوية من خلال خوض حرب مريرة وطويلة بالصحراء ضد قوات البوليزاريو الانفصالية المدعمة من الجزائر والتي انتهت بانتصار عسكري للجيش المغربي وفرض اتفاق هدنة في سنة 1991 بإقامة منطقة عازلة مكنت القوات المسلحة من شل أي تحرك مسلح للجبهة من خلال استخدام وسائل الاستشعار العسكري و المسيرات الحربية .لكن في إطار التحولات الجيوستراتيجية الدولية  التي انعكست من خلال التجاذب الصيني الأمريكي حول القارة الافريقية والتنافسات الإقليمية بمنطقة شمال افريقيا والمتوسط  خاصة بين الجزائر والمغرب واسبانيا والتي تمثلت على الخصوص في أزمة جزيرة ليلى ، نهج المغرب بقيادة الملك محمد السادس بوصفه القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية استراتيجية عسكرية تستهدف تركيز وضعية المغرب الإقليمية من خلال تطوير وتحديث الترسانة العسكرية من خلال تنويع مصادر تسلحه  لضمان استقلاليته  . فقد اقتنى المغرب  من فرنسا قمرين تجسسين مكناه من مراقبة كل التحركات العسكرية التي تتم في المنطقة واستشعار أية تهديدات أمنية بهذا الصدد . كما تم التوقيع على اتفاقية دفاعية تحمل عنوان “خارطة الطريق للتعاون الدفاعي 2020 – 2030 بين المملكة المغربية والولايات المتحدة” والتي اقتنى المغرب بموجبها أحدث أنواع التكنولوجية العسكرية الأمريكية سواء فيما يتعلق بالمنظومات الدفاعية أو العتاد الجوي أو المدفعية في حين دعم ترسانته الجوية باقتناء مجموعة من المسيرات سواء من الصين أو تركيا أو إسرائيل. في حين عمل ، لضمان حدوده البحرية الممتدة على طول 3500 كلم وتأمين حدوده البحرية في منطقة البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي في استراتيجية بعيدة المدى لحماية المملكة وتعزيز أمنها القومي،على تجهيز بحريته الملكية بمجموعة من السفن العسكرية والعتاد البحري. بالإضافة إلى ذلك ، فقد أشار الملك محمد السادس، في الأمر اليومي الذي أصدره للقوات المسلحة الملكية، بمناسبة الذكرى 63 لتأسيس القوات المسلحة الملكية عام 2019 إلى “ضرورة تطوير برامج البحث العلمي والتقني والهندسي والعمل على تعزيزها وتطويرها في جميع الميادين العسكرية والأمنية، على المستوى الأفريقي والدولي، بهدف تبادل الخبرات والتجارب ومواكبة التطور المتسارع في ميادين الأمن والدفاع”.كما وجه العاهل المغربي، بصفته القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، الأمر  بالشروع في تصنيع الأسلحة ومعدات الدفاع، مع منح تراخيص تسمح بتصنيع الأسلحة والمعدات العسكرية والأمنية المستخدمة من قبل القوات المسلحة وقوات الأمن. وهكذا  تركز تحديث وتجهيز القوات المسلحة الملكية على أربع أهداف أساسية :

      -الهدف العسكري الأول : تطوير العتاد الجوي من خلال اقتناء مقاتلات “F16” الأمريكية ، حيث أبرم المغرب في سنة 2007، صفقة  لشراء 24 طائرة من طراز“F-16 C/D Block 52” من شركة “لوكهيد مارتن” مقابل 2.4 مليار دولار، بما في ذلك المعدات والخدمات ذات الصلة وتدريب الطيارين . وقد انتظر المغرب إلى سنة 2011، ليحصل على هذه الطائرات، وكان أول استخدام لها سنة 2014 عندما شارك الطيران المغربي في محاربة تنظيم “داعش” بالعراق وسوريا. كما أبرم المغرب  مؤخرا صفقة شراء 131 طائرة ف16 المقاتلة من الجيل الرابع. ، حيث يرى المحللون العسكريون أن شراء المغرب لهذا الجيل الجديد من إف-16 يعد خطوة مهمة لتعزيز قدراته الدفاعية والهجومية. وبالإضافة إلى هذا النوع من الطائرات الحربية ، عزز المغرب اسطوله الجوي الحربي بالحصول على الدفعة الأولى من طائرات أي.إتش – 64 أباتشي الأميركية في إطار تنفيذ مضامين العقد الموقع بين شركة بوينغ لصناعة الطائرات والقوات المسلحة الملكية بهدف تعزيز قدرات الأمن البحري والجوي للمملكة. حيث تم في هذا الاطار توقيع عقد شراء بين  شركة بوينغ والقوات المسلحة الملكية المغربية يقضي باقتناء 24 مروحية أي.إتش – 64 أباتشي تسلم منها ست مروحيات خلال سنة 2025. كما قام المغرب في إطار تعزيز قدراته الدفاعية الجوية، باقتناء طائرات مسيرة من دول مصنعة لهذه المسيرات كالصين وإسرائيل و تركيا ، التي تسلم من شركة “BAYKAR” التركية 24  من الطائرات المسيرة الثقيلة “أكنجي”. وقد عد استلام المغرب لأول طائرات مسيرة ثقيلة من طراز “أكنجي” نقلة نوعية في دفاعاته الجوية، وهو ما يعتبر إضافة قوية للقوات الجوية الملكية المغربية، وتجدر الإشارة إلى أن حصول المغرب على هذا الطراز المتقدم من الطائرات المسيرة أثار ليس فقط مخاوف الجزائر بل أيضا مخاوف في إسبانيا، حيث حذر بعض الضباط العسكريين الإسبان من قدرة هذه الطائرات على دخول الأجواء الجنوبية الإسباني.

  الهدف العسكري الثاني :  عمل المغرب على تطوير أنظمة دفاعاته  ومدفعيته العسكرية حيث  أبرم المغرب صفقة سلاح مع الولايات المتحدة حصلت فيها القوات المسلحة الملكية على دبابات متطورة من نوع برامز.في حين عززت القوات المسلحة الملكية ترسانتها من المدفعية الصاروخية بإدخال أربع بطاريات من راجمات الصواريخ الموجهة WS-2D الصينية إلى الخدمة بمدفعية الجيش المغربي. بالإضافة إلى ذلك وفي سابقة هي الأولى من نوعها، حصل المغرب كأول دولة في القارة الإفريقية  على أنظمة الصواريخ المدفعية عالية الحركة “هيمارس” (HIMARS) ، وهي الصواريخ التي لا تمنحها الولايات المتحدة الأمريكية إلا وفق شروط خاصة. حيث افقت وزارة الخارجية الأمريكية على تزويد القوات المسلحة الملكية بهذه الأنظمة الصاروخية المتطورة  بتكلفة تقدر بـ524.2 مليون دولار. مما يبرز متانة العلاقات السياسية والعسكرية بين البلدين، خاصة أن المملكة تعتبر بالنسبة للولايات المتحدة بمثابة الحارس الاستراتيجي في المنطقة. مما أثار توجس الأوساط العسكرية الإسبانية التي رأت في حصول المملكة على هذا النوع من الأنظمة سيجعل منها قوة إقليمية في المنطقة المتوسطية بامتلاكها أنجع الصواريخ والأسلحة الثقيلة. وفي نفس السياق اقتنى المغرب  مؤخرا منظومة دفاع جوي باتريوت أميركية الصنع، ، فهو نظام صواريخ أرض/جو متوسط المدى مصمم لتحييد التهديدات الجوية للقوى الأجنبية الخارجية؛ الأمر الذي سيضع القوات المغربية في وضع أفضل و يسهم في سد الفجوة العسكرية الرئيسية الوحيدة التي تعيشها المملكة تجاه الجزائر التي  جهزت قواتها العسكرية بأنظمة سام 300و 400 الروسية .  

الهدف العسكري الثالث :  تحديث البحرية الملكية بإدماج فرقاطتين فرنسيتين من نوع فلوريال ، واقتناء ثلاث فرقاطات من طراز SIGMA ، مزودة بأحدث جيل من الأسلحة والأنظمة الإلكترونية ، و فرقاطة FREMM التي  يبلغ وزنها 6000 طن وطولها 142 مترا ، وهي واحدة من أكثر الوحدات القتالية الحديثة في المنطقة التي تتوفر عليها البحرية المصرية. وهكذا أصبحت البحرية المغربية تضم 12000 فرد ، منهم 3000 ينتمون إلى مشاة البحرية ، مع سبع فرقاطات وطرادات ، وقوارب دورية صاروخية مختلفة ، بالإضافة إلى زوارق دورية وخمس وحدات برمائية وقوارب نقل ودعم و وأسطول طائرات الهليكوبتر. وفي سابقة تُعد الأولى من نوعها منذ ثلاثة عقود، نجح كل من المغرب وإسبانيا في إتمام صفقة اقتناء الرباط لسفينة حربية تستعمل في الدوريات والإنقاذ، وذلك بفضل قرض قيمته 95 مليون أورو منحه مصرف “سانتاندير” للحكومة المغربية.ويتعلق الأمر، بقارب دورية متطور يحتوي على أكثر الأنظمة تطوراً، مثل أجهزة الاستشعار والرادارات الحديثة، ونظام إطلاق الصواريخ، والإجراءات المضادة الإلكترونية، ومدفع 76 ملم، يبلغ طولها 89 مترًا ويتألف طاقمها من 46 شخصًا وتتسع لاثني عشر شخصًا . كما أن المغرب قد تقدم بطلب لدى شركة «دامن»، من أجل اقتناء خمس سفن تستخدم لمراقبة الحدود والسواحل البحرية، لحمايتها من موجات الهجرة والإرهاب، اللذين يهددان أمن المغرب واستقراره السياسي والاجتماعي. فهذه السفن ستمكن البحرية الملكية من مراقبة المياه الإقليمية، كما ستمكنها من مكافحة الإرهاب والتهريب والهجرة غير الشرعية، خصوصا وأنها تتميز بخاصية السرعة والفعالية. كما يحاول المغرب الحصول على غواصات بحرية التي ما زال المغرب لا يمتلكها في الوقت الذي تمتلك فيه  كل من اسبانيا والجزائر بعض هذه الغواصات الشيء الذي يشكل أحد مظاهر ضعف الأسطول المغربي بالمنطقة . ولعل هذا ما دفع بالمملكة  في السنوات الأخيرة للتعبير عن رغبة ملحة لامتلاك غواصات ، و البحث عن أحسن الخيارات العسكرية لاقتناء الغواصات التي ستساهم في تقوية قدرات البحرية الملكية  والاستعانة بها في حماية امن حدوده البحرية وخلق نوع من التوازن العسكري مع الجزائر وبالأخص بعد الانتهاء من بنائه  وتشغيله لقاعدة القصر الصغير. حيث ليس من المستبعد أن يتم اقتناء غواصة بحرية سواء من طراز فرنس أو ألماني.

  الهدف العسكري الرابع :العمل على تطوير صناعة عسكرية محلية بتصنيع بعض الأسلحة خاصة المسيرات والمركبات العسكرية ، وخفض تكلفة الصيانة بإنشاء مواقع عديدة لصيانة المعدات العسكرية.  وبهذا الصدد ، تمت المصادقة على مرسوم يتعلق بإحداث منطقتين للتسريع الصناعي للدفاع. حيث يهدف هذا المرسوم إلى “توفير مناطق صناعية لاحتضان الصناعات المتعلقة بمعدات هاتين المنطقتين إلى توطين الصناعة العسكرية في المملكة وذلك لعدة أسباب بينها الرغبة في تقليص فاتورة استيراد السلاح والتقليل من التبعية للخارج في مجال التسلح، وفتح المجال أمام الاستثمار الأجنبي لخلق مشاريع صناعية عسكرية، سواء من طرف شركات هندية كشركة تاتا أو شركات سلاح برازيلية أو غيرها.  

  1. تحديث الاستراتيجية الأمنية

         ينبغي التذكير بأن تفجيرات الدار البيضاء لـ16 ماي 2003 استهدفت بالأساس المؤسسة الأمنية بالدرجة الأولى حيث أن تحديد توقيت هذه التفجيرات تزامن مع تخليد ذكرى تأسيس هذه الأخيرة، كما حملت رسالة سياسية تتغيا كشف اختلالات هذه المؤسسة خاصة فيما يتعلق بالتنسيق المعلوماتي والحس الاستباقي في مواجهة هذه الأحداث الإرهابية، بالإضافة إلى المساس بهيبة الدولة من خلال ضرب العاصمة الاقتصادية للمملكة.وبالتالي، فقد كان رد السلطات العليا على هذا الوضع هو تكليف الجنرال حميدو العنيكري باتخاذ كافة التدابير لمعالجة الوضع الأمني بالبلاد. لذا، عمل هذا الجنرال، بعد تعيينه مديرا عاما للإدارة الأمن الوطني، على تطبيق مقاربة أمنية تقوم على ركيزتين اثنتين: أولاهما تتمثل في مركزة القرار الأمني، حيث تم بهذا الصدد وضع هيكلة جديدة للإدارة العامة للأمن الوطني تتكون من خمس مديريات وهي: مديرية الأمن العمومي، ومديرية الاستعلامات العامة، ومديرية الشرطة القضائية، ومديرية الموارد البشرية، ومديرية التجهيز والميزانية، بينما تم إدماج بعض المديريات السابقة ضمن المديريات الجديدة. أما على صعيد الجهات، فقد تم إحداث ولاية أمنية في كل ولاية ترابية، وفي كل عمالة تم خلق منطقة للأمن. ولمواجهة تهديد الخلايا الإرهابية والجريمة المنظمة تم إنشاء المكتب المركزي للأبحاث القضائية الذي تبنى مقاربة استباقية في تحييد خطر العديد من العمليات الإرهابية التي تخطط لاستهداف الأمن الداخلي للمملكة. كما عرفت العقيدة الأمنية في عهد الملك محمد السادس تحولات عميقة ، انتقلت من”حماية الملك، والنظام الملكي” إلى إدماج  سلامة المواطن في جوهر العقيدة الأمنية للدولة  مستندة في ذلك إلى مرتكزات تقوم بالأساس على مفهوم جديد للسلطة وآليات خاصة في المقاربة الأمنية . ولتنزيل مرتكزات هذه العقيدة الأمنية ، تم تبني مقاربة أمنية  تستند إلى عدة آليات من بينها : التنسيق بين مختلف المصالح والأجهزة الأمنية . إذ منذ تولي الملك محمد السادس الحكم ارتكزت الاستراتيجية الأمنية بالمغرب على ضرورة التنسيق بين المصالح الأمنية خاصة ما يتعلق بالجانب الاستخباراتي . ولهذا الغرض تم التركيز على تعيين شخصية أمنية على رأس المديرية العامة للأمن الوطني وفي نفس الوقت على رأس المديرية العامة لإدارة التراب الوطني . وقد ظهر ذلك جليا في إسناد هاتين المهمتين للجنرال حميدو لعنيكري حيث تم تعيين الجنرال حميدو لعنيكري مديرا عاما للمديرية العامة للأمن الوطني في المغرب بعد أن كان يشغل منصب مديرا عاما للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني. وعلى نفس الغرار تم تعيين عبد اللطيف الحموشي على رأس نفس الإدارتين. وقد ظهر هذا الحرص في هذا التعيين المزدوج من خلال ما تضمنه البلاغ الملكي الذي أعقب تعيين السيد عبد اللطيف الحموشي مديرا عاما للأمن الوطني مع احتفاظه بمنصبه كمدير عام لإدارة التراب الوطني من ” أن هذا التعيين يندرج في إطار العناية المولوية التي يوليها جلالة الملك لأسرة الأمن الوطني وحرص جلالته على ضمان سلامة وأمن المواطنين . وبالنظر للحنكة والتجربة التي أبان عنها السيد الحموشي يضيف البلاغ فإن هذا التعيين المولوي السامي في هذه المرحلة يهدف لإعطاء دينامية جديدة للإدارة العامة للأمن وتطوير وعصرنة أساليب عملها بما فيه الوطني  . كما أن إشراف السيد الحموشي على المديرتين العامتين للأمن الوطني ولمراقبة التراب الوطني لفترة معينة يتوخى ضمان التنسيق التام بينهما والرفع من نجاعة عملهما ” . وبالتالي ، فقد ترسخت لدى السلطات الأمنية ، خصوصا بعد التفجيرات الإرهابية بالدارالبيضاء ، ضرورة أن يتم التنسيق بين الأجهزة الاستخباراتية المدنية و التحكم في المعلومة السياسية من خلال جمع شخصية أمنية بين المنصبين على الصعيدين العمودي والأفقي . ووفق هذا التصور يشتغل المكتب المركزي للأبحاث القضائية  في تتبع وملاحقة الخلايا الإرهابية . حيث أوضح السيد الشرقاوي حبوب، مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية، في حديث حصري خص به وكالة المغرب العربي للأنباء، في استعراض لحصيلة مكافحة المكتب للأنشطة الإرهابية “أن هذه النتائج تعد ثمرة تعاون وثيق وفعال بين مختلف الأجهزة الأمنية الوطنية، مبرزا في هذا الصدد، أن السياسة الأمنية للمغرب تتميز بفعاليتها وبالانسجام بين المؤسسات المعنية. وسجل أن هذه السياسة أثمرت نتائج وإنجازات ملموسة تمثلت في تفكيك عدد كبير من الخلايا الإرهابية .وأكد المدير العام للمكتب الشرقاوي حبوب أن هناك تعاونا “تاما وغير مشروط” بين المؤسسات الأمنية، مشيرا إلى أن الأمر يتعلق بتعاون أفقي وعمودي ” . كما شرح  في هذا السياق في حوار مع بيان اليوم بتاريخ 16 ماي 2023 كيفية عمل المكتب المركزي للأبحاث القضائية الذي يتلخص في الاعتماد على المعلومات التي توفرها له المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، حيث أن خصوصية المكتب تتمثل بالأساس في المزاوجة بين العمل الاستخباراتي والعمل القضائي. فهناك نوع من التنسيق بين جميع المصالح الأمنية بشكل أفقي وعمودي، وتكون هناك لقاءات دورية أسبوعية وسنوية أو آنية إذا اقتضى الحال للنظر في القضايا التي تمس أمن المواطن. وبالتالي فبفضل المعلومات الدقيقة وبفضل المجهودات الدءوبة والاستمرارية والمواكبة المستدامة والمستميتة التي يبذلها جميع موظفي المصالح المركزية التابعة لمديرية مراقبة التراب الوطني والتي تزود المكتب بتلك المعلومات، حيث يتم التنسيق في هذا الباب واستغلال المعلومة بشكل جيد ودقيق، وعندما يظهر أن المعلومات التي توفرها المصالح المركزية سواء على مستوى الجريمة المنظمة أو الجريمة الإرهابية، ويظهر أن هناك عناصر مادية متوفرة في الجريمة (مثلا شخص يقتني مواد مشبوهة عبارة عن سوائل أو سماد الفلاحة الذي يستعمل في صناعة المتفجرات، أو يدخل مكانا لاستعمال الإنترنيت لأغراض إرهابية) تتحرك عناصر المكتب للقيام بالتدخل لتحييد أي عمل إجرامي يهدد النظام العام وسلامة المواطنين.

 

  1. تعزيز الدور الأمني والخدماتي لجهاز الدرك الملكي:

تتركز مهام الدرك الملكي على ضمان الامن في المجال القروي الذي يعد ضمن أسس الاستقرار السياسي  للنظام الملكي ، وفق مقولة ريمي لوفو بأن الفلاح حامي للعرش  .   وبالتالي يتكلف هذا الجهاز بمراقبة مخارج المناطق  القروية من طرق وغيرها من خلال انتشار وحدات السلامة الطرقية. في حين تقوم وحدات الخيالة بمراقبة الغابات والمناطق الجبلية . مما يجعلها تتحكم في مختلف مكونات المجال القروي رغم اتساعه و صعوبة تضاريسه وقساوة ظروفه المناخية. كما أن وحدات الدرك الملكي تلعب دورا أساسيا في حفظ الأمن و النظام لدى الساكنة القروية ،  حيث تنتشر مراكز الدرك الإقليمي وسرياته بين المراكز الادارية والجماعات القروية . وعلى الرغم من اعتبار الدرك الملكي ضمن القوات المسلحة الملكية  وفرع من فروع الجيش ، إلا أنه يشكل تنظيما عسكريا متميزا ومستقلا سواء في إمكانياته اللوجيستكية أو في اختصاصاته الرقابية داخل الجيش.  وهكذا يتكون هذا الجهاز من عدة وحدات عسكرية تشمل الدرك الحربي، والدرك الإقليمي       ( بقياداتها الجهوية) ، والدرك المتنقل، والدرك البحري، والدرك الجوي، بالإضافة إلى فيالق الشرف. في حين يتوفر الدرك الملكي على أسطول كبير ومتنوع من السيارات، والدراجات النارية، والمروحيات، والطائرات، والزوارق. ويتكون غالبية أسطول الدرك الملكي من سيارات رباعية الدفع بحكم طبيعة التدخلات التي تقوم بها عناصر الدرك الملكي والتي تكون غالباً في المناطق القروية والتي تتميز بطرقها الصعبة.

    وقد شهد الدرك الملكي في عهد الملك محمد السادس تطورات كبيرة في مختلف المجالات، منها تعزيز قدراته في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وتحسين بنيته التحتية وتجهيزاته، وتحديث منظومته التدريبية، بالإضافة إلى تعزيز دوره في حماية الأمن العام والممتلكات. إذ يضطلع الدرك الملكي بدور حيوي في حفظ الأمن والنظام العام، من خلال الدوريات المنتظمة في مختلف مناطق المملكة، ومكافحة الجريمة، والتدخل السريع في حالات الطوارئ. كما يساهم في حماية البيئة من خلال مراقبة المخالفات البيئية والتدخل في حالات التلوث، بالإضافة إلى حماية الممتلكات العامة والخاصة من خلال الدوريات والمراقبة.  كما يشارك الدرك الملكي في العديد من المشاريع التنموية المحلية، من خلال توفير الأمن والاستقرار بالبوادي، والمساهمة في تنظيم الأسواق والمهرجانات، وتقديم المساعدات للمواطنين في المناطق النائية. بالاضافة إلى القيام بدور حاسم خلال الكوارث ، حيث تمكن الدرك الملكي من تحقيق نتائج ملموسة في هذا المجال، بفضل التكوين المتخصص لأفراده وتجهيزهم بأحدث التقنيات، مما ساهم في تفكيك العديد من الخلايا الإرهابية وإحباط مخططات إجرامية. فقد تعزز دور الدرك الملكي في الأمن العام بفضل تحديث بنيته التحتية حيث تم بناء وتجهيز مقرات جديدة للدرك الملكي، وتزويدها بأحدث التقنيات والمعدات، مما حسن من ظروف عمل الأفراد وزاد من كفاءة الأداء. في حين تم  تطوير المنظومة التدريبية لهذا الجهاز من خلال تحديث المناهج التدريبية في المدارس التابعة للدرك الملكي، مع التركيز على التدريب على أحدث التقنيات والممارسات في مجال الأمن والمراقبة، مما أدى إلى رفع مستوى الكفاءة القتالية والمهنية لأفراده.  كما يمكن اعتبار تعيين الجنرال دو ديفزيون محمد حرمو، قائدا عاما للدرك الملكي “مرحلة تغيير شاملة ليس فقط على المستوى الداخلي لهذا الجهاز بل في الجيش المغربي” بعد إحالة الجنرال حسني بنسليمان على التقاعد. إذ يبدو أن بعد إحالة هذا الأخير على التقاعد ، عرف هذا الجهاز عدة ترقيات ، حيث “أفرج الجنرال دوديفيزيون محمد حرمو، قائد الدرك الملكي، عن حركة تعيينات وانتقالات واسعة استفاد منها آلاف الدركيين والمسؤولين بمختلف السرايا والمراكز الترابية ومصالح الاستعلامات العامة وكوكبات الدراجات النارية.و شملت لائحة التعيينات والترقيات كبار مسؤولي الدرك الملكي بالعديد من جهويات المملكة، وبعض المواقع الحساسة والكبيرة بالقيادة العليا للدرك الملكي بالرباط. وفي إطار هذه الحركية الداخلية ، تمت ترقية الجنرال دو بريكاد عبدالرحمان لطفي يوم الأربعاء 31 يوليوز 2024 الى رتبة جنرال دوديفزيون من طرف الملك محمد السادس القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية بمناسبة الذكرى ال 25 لعيد العرش .وجاء تعيين الجنرال لطفي الذي تمت ترقيته في شهر يونيو 2020 من رتبة كولونيل ماجور إلى جنرال، بعد عطاء متميز بكل المواقع التي مر منها كمسؤول بجهوية فاس للدرك الملكي ، قبل أن يتم تنقيله للقيادة العليا للدرك الملكي بالرباط لشغل منصب كبير سيجعله ضمن الثلاثي القوي بالجهاز إضافة إلى نائب قائد الدرك الملكي الجنرال معمر والمفتش العام للجهاز الجنرال الحمداوي. ولعل هذه الحركية قد ساهمت بشكل كبير في تكيف هذا الجهاز مع مختلف التحديات الأمنية الحديثة التي تواجهها المملكة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *