وجهة نظر

من الترشح إلى المحاسبة: هل آن أوان تطهير الحياة السياسية في المغرب؟

في مشهد سياسي لا يزال يتأرجح بين الإصلاحات المعلنة والممارسات المتجذرة، برزت مؤخراً دعوات من أحزاب وهيئات حقوقية تطالب بمنع المتهمين بالفساد من الترشح للانتخابات. هذه المطالبة، وإن بدت بديهية في منطق الديمقراطية، تطرح أسئلة عميقة حول العلاقة بين القانون، الأخلاق، والشرعية الانتخابية في السياق المغربي، خاصة في ظل التزامات دولية متزايدة تربط الشفافية السياسية بجاذبية الاستثمار الأجنبي.

حين يصبح الترشح امتيازاً لا مسؤولية

الترشح للانتخابات يُفترض أن يكون تعبيراً عن الثقة العامة في نزاهة المرشح وكفاءته. لكن في الواقع المغربي، كثيراً ما يتحول إلى وسيلة للتموقع السياسي أو حماية المصالح، حتى في ظل شبهات فساد أو سوء تدبير.

ومع ذلك، يجب التمييز بين الاتهام والإدانة: فالقانون المغربي الحالي لا يُجيز منع أي شخص من الترشح ما لم يصدر في حقه حكم قضائي نهائي. وهذا ما يجعل المطالبة بمنع “المتهمين” تصطدم بقاعدة قانونية راسخة، وهي قرينة البراءة.

الفساد الانتخابي: بين القانون والمحاباة

رغم وجود قوانين تُجرّم الفساد وتُحدد شروط الأهلية، إلا أن التطبيق غالباً ما يكون انتقائيًا أو متأخرًا.

الهيئات الحقوقية تُطالب اليوم بتفعيل مبدأ “عدم الإفلات من العقاب”، ليس فقط في المحاكم، بل في صناديق الاقتراع أيضًا.

لكن هذا يتطلب تعديلًا قانونيًا واضحًا يُحدد الحالات التي تستدعي تعليق الأهلية الانتخابية، دون المساس بالحقوق الدستورية أو فتح الباب أمام التوظيف السياسي للقضاء.

الشرعية الأخلاقية قبل الشرعية الانتخابية

كما يقول يورغن هابرماس: “الشرعية لا تُبنى فقط على القانون، بل على القبول الأخلاقي العام”.

في هذا السياق، يصبح منع المتورطين في قضايا فساد من الترشح ليس فقط إجراءً قانونيًا، بل ضرورة أخلاقية لحماية الثقة العامة في المؤسسات.
لكن هذه الضرورة لا يمكن أن تتحقق إلا عبر إصلاح تشريعي يُوازن بين حماية الحقوق الفردية ومتطلبات الشفافية السياسية.

البعد الدولي: ضغط ناعم أم شرط صريح؟

في ظل التداخل المتزايد بين السياسة الداخلية والرهانات الاقتصادية الدولية، أصبحت مسألة تطهير الحياة السياسية من الفساد مطلبًا دوليًا أيضًا.
فالمؤسسات المالية والمستثمرون الأجانب يُولون أهمية متزايدة لمؤشرات النزاهة والشفافية، ويُنظر إلى استمرار ترشح شخصيات مثيرة للجدل كإشارة سلبية.

وهكذا، تتحول المطالبة بمنع المتهمين بالفساد من الترشح إلى ضغط ناعم على رأس الدولة، من أجل تحسين صورة المغرب دوليًا، وجعل مناخ الاستثمار أكثر جاذبية.

هل نحن أمام لحظة تأسيسية؟

ربما تمثل هذه المطالبة لحظة تأسيسية لإعادة تعريف شروط الترشح، وربطها ليس فقط بالسن والجنسية، بل بالنزاهة والسجل الأخلاقي.

لكن السؤال الأهم: هل تمتلك الدولة الإرادة السياسية لتفعيل هذا المطلب؟ وهل يمكن للهيئات الحقوقية أن تُحوّله من بيان إلى ضغط مؤسسي؟
وهل يمكن أن يتحول الضغط الدولي إلى رافعة إصلاح داخلي، بدل أن يبقى مجرد توصية خارجية؟

خاتمة

الانتخابات ليست مجرد آلية تقنية لتداول السلطة، بل مرآة تعكس مستوى الثقة بين المواطن والدولة.

وحين يُسمح لمن تلاحقهم شبهات الفساد بخوضها، فإن الرسالة تكون واضحة: لا محاسبة، لا تطهير، ولا أفق.

لذلك، فإن منع المتورطين في قضايا فساد من الترشح ليس ترفًا قانونيًا، بل شرطًا أوليًا لإعادة بناء الحياة السياسية على أسس من النزاهة والاحترام العام، في الداخل والخارج على حد سواء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *