المغرب وتركيا.. من تحرير التجارة إلى شراكة صناعية توسع آفاق الاستثمار

في خطوة تعكس عمق العلاقات الاقتصادية بين المغرب وتركيا، التأم، يوم أمس الخميس بالدار البيضاء، عدد من الفاعلين الاقتصاديين والمستثمرين من القطاع الخاص بالبلدين في مائدة مستديرة خصصت لاستكشاف فرص استثمارية جديدة وتعزيز الشراكات الصناعية والتجارية. اللقاء جاء بمبادرة من الاتحاد العام لمقاولات المغرب، تزامنا مع زيارة نائب وزير التجارة التركي مصطفى توزجو إلى المملكة، على رأس وفد يضم أكثر من عشرين مقاولة تركية ناشطة في مجالات متنوعة.
الاجتماع شكل مناسبة لرؤساء المقاولات المغاربة والأتراك لعرض تجاربهم العملية، وتبادل الرؤى حول إمكانيات تطوير التعاون الثنائي، في وقت يشهد فيه الاقتصاد المغربي تحولات بنيوية عميقة مدفوعة بالاستراتيجيات الوطنية الكبرى في مجالات الصناعة، الطاقات المتجددة، والبنيات التحتية.
تكامل اقتصادي واعد
في كلمة افتتاحية، أكد نجيب الشرايبي، رئيس مجلس الأعمال المغرب–تركيا بالاتحاد العام لمقاولات المغرب، أن تركيا تظل أحد أبرز الشركاء الاقتصاديين للمغرب، لافتا إلى التكامل القائم بين اقتصادي البلدين. وقال إن المغرب بصدد تعزيز مكانته كمنصة إقليمية للتصنيع والتصدير نحو إفريقيا وأوروبا، في حين تتميز تركيا بخبرة صناعية متقدمة وشبكات تجارية واسعة، وهو ما يفتح آفاقا لشراكات استراتيجية مستدامة.
وشدد الشرايبي على أن المستقبل يفرض التفكير في مشاريع مشتركة تتجاوز المبادلات التجارية التقليدية لتشمل التعاون في الابتكار ونقل التكنولوجيا، بما يضمن قيمة مضافة لاقتصاد البلدين ويوفر فرص عمل جديدة.
إقرأ أيضا: المغرب وتركيا يتجهان نحو شراكة تجارية أكثر طموحا لتعزيز التوازن والاستثمار
من جهته، أوضح عثمان أكسوي، عضو مجلس إدارة مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية التركي، أن اللقاء يخصص حيزا كاملا للقطاع الخاص، ما يمنح المقاولات فرصة لعرض أنشطتها بشكل مباشر وتبادل التجارب. واعتبر أن النسيج، صناعة السيارات، اللوجستيك، الفلاحة، الطاقات المتجددة والبنيات التحتية، تعد قطاعات ذات إمكانات واعدة للتعاون. وأضاف أن المشاريع التركية بالمغرب، إلى جانب الفرص التي تتيحها المقاولات المغربية في تركيا، تؤكد متانة هذا التوجه المشترك.
تجربة التبادل الحر
محمد بشيري، رئيس “ماروك أندوستري” ورئيس لجنة التنمية الصناعية بالاتحاد العام لمقاولات المغرب، ذكّر بأن المبادلات التجارية بين البلدين عرفت وتيرة متصاعدة منذ توقيع اتفاقية التبادل الحر سنة 2006. وأشار إلى أن هذه الدينامية كان لها تأثير مزدوج: إيجابي من حيث ارتفاع المبادلات وتنويع الشركاء التجاريين، لكنها في المقابل أثرت سلبا على بعض القطاعات المغربية، خاصة صناعة النسيج التي واجهت منافسة قوية من المنتجات التركية.
وقال بشيري إن تجاوز هذه الإكراهات يتطلب تعميق الشراكة بما يضمن التوازن، من خلال استثمار نقاط القوة المشتركة وتعزيز مشاريع صناعية مشتركة تسهم في بناء نسيج اقتصادي أكثر تكاملا.
سلاسل قيمة إقليمية
زينب أوكياي بودور، رئيسة مجلس الأعمال تركيا–المغرب بمجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية التركي، أبرزت أن اللقاءات الثنائية الأخيرة سمحت للطرفين بتحديد خطوات عملية لإعادة هيكلة التعاون بشكل استراتيجي. وأكدت أن الاستراتيجية المغربية للنمو الموجه نحو التصدير، المدعومة بالخبرة الصناعية والتنوع التكنولوجي التركي، يمكن أن تسهم في بناء سلاسل قيمة إقليمية تمتد نحو أوروبا وإفريقيا والشرق الأوسط.
وقدمت بودور مقترحات عملية في هذا الصدد، من بينها إنشاء مجموعات عمل قطاعية متخصصة في الطاقات المتجددة، اللوجستيك، البنيات التحتية، التكنولوجيات الفلاحية، وصناعة السيارات والنسيج، معتبرة أن هذه المقاربة ستعزز فرص الاستثمار المشترك وتسرع الاندماج الاقتصادي.
سياق استراتيجي جديد
تأتي زيارة نائب وزير التجارة التركي إلى المغرب في أعقاب الإعلان المشترك الصادر في يونيو الماضي، الذي يؤسس لمرحلة جديدة من الشراكة الاقتصادية بين البلدين تقوم على العدالة والاستدامة. كما تأتي في ظرفية تعرف زخما كبيرا في العلاقات الاقتصادية المغربية على الصعيد الدولي، في ظل سعي المملكة لتعزيز مكانتها كمنصة استثمارية تربط بين إفريقيا وأوروبا.
وبحسب مراقبين، فإن العلاقات الاقتصادية المغربية التركية تجاوزت منطق المبادلات التجارية البسيطة لتلامس اليوم أفق بناء شراكات صناعية استراتيجية، قادرة على مواجهة التحديات العالمية، خاصة في ظل التحولات الجيو-اقتصادية المرتبطة بسلاسل التوريد والطاقة.
رهانات مستقبلية
تؤكد مختلف التصريحات أن الرهان الأساسي يكمن في تحويل التحديات إلى فرص، عبر توجيه الاستثمارات نحو مشاريع إنتاجية مشتركة تخلق قيمة مضافة وتوفر مناصب شغل، إلى جانب تطوير نقل التكنولوجيا وتوسيع سلاسل التوزيع نحو أسواق جديدة.
وتبرز هذه الدينامية المشتركة أن المغرب وتركيا يقفان اليوم أمام فرصة تاريخية لإرساء تعاون اقتصادي متجدد، يقوم على التكامل والابتكار، ويستند إلى رؤية استراتيجية بعيدة المدى من شأنها أن تضع البلدين في موقع متقدم داخل محيطهما الإقليمي والدولي.
اترك تعليقاً