منتدى العمق

الزفزافي ومعتقلو حراك الريف.. العفو الملكي كمدخل للمصالحة الوطنية

ناصر الزفزافي من سطح منزله بالحسيمة

رغم الأمل الذي ساد بين فئات واسعة من المغاربة في أن تشمل لائحة العفو الملكي بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف اسم ناصر الزفزافي ورفاقه، إلا أن لحظة الانتظار تحوّلت إلى خيبة ثقيلة مع عودة الزفزافي إلى زنزانته في سجن طنجة، بعد مشاركته في جنازة والده رحمه الله بالحسيمة.

المشهد الذي رافق لحظة وداع الزفزافي لوالده، دون أصفاد أو حراسة مشددة، أثار تعاطفًا وطنيًا عميقًا، وخلق انطباعًا عامًا بأن البلاد قد تكون على أبواب صفحة جديدة، عنوانها: المصالحة والطي النهائي لملف حراك الريف. إلا أن الأمل سرعان ما تراجع أمام واقع لا يزال يحمل في طياته تعقيدات سياسية وأمنية واجتماعية.

وبينما كانت العيون تترقب قرارًا بالعفو الملكي، جاءت بعض الأحداث الجانبية التي رافقت الجنازة—من محاولات بعض الأطراف توتير الأجواء أو استثمار الموقف بشكل سياسي ضيق—لتعكر المشهد، وتعيد الملف إلى دائرة الانتظار.

لكن الأهم أن الزفزافي نفسه، كما العديد من رفاقه، أدانوا تلك الانزلاقات بشكل واضح، مؤكدين تمسكهم بالنهج السلمي، ورفضهم التام لأي محاولة للركوب على قضيتهم أو توظيفها في سياقات بعيدة عن مطالبهم الأصلية.

اليوم، وبعد سنوات من المعاناة والانقسام، يبدو أن المناخ العام في البلاد ناضج أكثر من أي وقت مضى لتصفية هذا الملف الشائك. عناصر التهدئة الاجتماعية، واستمرار المبادرات التنموية في الريف، وتعالي أصوات النخب المدنية والسياسية المطالبة بالعفو، كلها إشارات في اتجاه واحد: الحاجة إلى قرار تاريخي يعيد الثقة، ويغلق هذا الجرح الذي طال أكثر من اللازم.

العفو الملكي في المغرب لم يكن يومًا مجرّد إجراء إداري أو مناسبة شكلية. بل هو تعبير عن رؤية متبصّرة للمؤسسة الملكية، التي لطالما اختارت سياسة الحكمة والإنصاف كأدوات لتقوية الجبهة الداخلية. وقد كانت مثل هذه الالتفاتات مفصلية في مسار التلاحم الوطني خلال محطات صعبة.

إن المطالبة بالعفو عن معتقلي حراك الريف لم تعد حكرًا على عائلاتهم أو على منطقة الريف وحدها، بل باتت مطلبًا وطنيًا عامًا، يتقاطع فيه البُعد الإنساني مع الرغبة في تعزيز المصالحة، وترسيخ نموذج جديد من العلاقة بين الدولة والمجتمع.

فهل تتهيأ البلاد قريبًا للالتفاتة الملكية التي ينتظرها الملايين؟

هل تكون الخطوة القادمة هي الإعلان عن عفو ملكي شامل يطوي الصفحة، ويعيد الأمل في عدالة إنصافية جامعة؟

كل المؤشرات توحي بأن اللحظة تقترب… وأن المغرب قد يكون بالفعل على أبواب إنصاف تاريخي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *