الصحة في المغرب.. هل أصبح العلاج امتيازا لا حقا؟

في الوقت الذي يتقدم فيه العالم نحو ضمان الخدمات الصحية كأحد أبسط حقوق الإنسان، يعيش المواطن المغربي معاناة يومية كلما اضطر إلى ولوج مستشفى عمومي. في الجنوب كما في الشمال، في الحواضر كما في القرى، يكاد يكون المشهد واحدًا: اكتظاظ، قلة تجهيزات، نقص في الأطر، وتذمر عام من تدني جودة الخدمات، وانعدام الكرامة.
مستشفى الحسن الثاني بأكادير، الذي شكّل محط جدل واسع في الفترة الأخيرة بسبب احتجاجات المواطنين، لا يمثل حالة فريدة، بل هو مجرد نموذج مصغّر لواقع صحي مأزوم. رغم مرور المستشفى بمرحلة “تأهيل”، فإن أصوات المرضى ما زالت تتعالى، ما يدفعنا للتساؤل: هل نحن نُصلح المظهر فقط؟ وهل الترميمات تُخفي الخلل الحقيقي؟
“تمشيط الواقع”.. أسئلة لا بد منها
إذا قمنا بعملية تمشيط شاملة للمنظومة الصحية، فسنجد أن الأزمة لا تقتصر على مستشفى الحسن الثاني وحده، بل تمتد إلى مؤسسات أخرى في مختلف جهات المملكة. وهذا ما يطرح أسئلة مركزية:
– أين موقع وزارة الصحة من كل ما يحدث؟
– هل هي المسؤولة فعلاً، أم أن جهات أخرى تتقاسم هذا الفشل؟
– هل يُعقل أن تتحول المستشفيات إلى أماكن يُهان فيها المواطن، بدل أن يسترجع فيها صحته وكرامته؟
الحق في الصحة لا يُواجه بالوعود
من المؤلم أن يتحول طلب العلاج في المغرب إلى ما يشبه المعركة، وكأن المواطن يطلب امتيازًا، لا حقًا يكفله له الدستور والمواثيق الدولية. فبدل أن تُقابل مطالب الناس بتحسين جودة الخدمات الصحية، يتم تهميشها أو الرد عليها بحلول سطحية أو بتبريرات تقنية لا تمس جوهر الأزمة.
في المقابل، تزداد نفقات الصحة الخاصة، وتُفتح مصحات لا يستطيع دخولها إلا من “يملك”. فهل هذا هو “ورش الدولة الاجتماعية” الذي يُبشّر به؟ أم أننا نكرّس من جديد التفاوت الطبقي داخل أكثر القطاعات حساسية؟
منطق المحاسبة.. الغائب الحاضر
لا يمكن الحديث عن إصلاح بدون محاسبة. ولا يمكن محاربة الفساد في القطاع دون الاعتراف أولاً بوجوده، ثم إعلان إرادة سياسية جادة لاقتلاعه. من المسؤول عن صفقات المعدات المعطلة؟ من يُحاسب عن سوء التسيير والتدبير؟ من يُعاقب حين يُترك المريض يموت بسبب غياب طبيب التخدير أو تعطل آلة الأشعة؟
خاتمة: عندما يُصبح الألم عادياً
الخطر الحقيقي أن يعتاد المغاربة على المعاناة، وأن يصبح الألم اليومي شيئًا طبيعيًا. أن نعيش في بلد يُمتحن فيه المواطن في كل تفاصيل حياته: في المدرسة، في الطريق، وفي المستشفى. لكن حين يُصبح العلاج حلمًا، والكرامة ترفًا، نكون قد دخلنا مرحلة أخطر من الأزمة الصحية: مرحلة الإفلاس الأخلاقي.
فلتتحرك الضمائر، قبل أن يُصبح “الصمت” جزءًا من الجريمة.
اترك تعليقاً