الاعتداء الهمجي الذي استفز المشاعر!

كم كان مستفزا لمشاعر عموم المواطنات والمواطنين المغاربة، ذلك المشهد الفظيع الذي تضمنه مقطع فيديو مصور تداوله عديد النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي في المنتصف الثاني من شهر شتنبر 2025، وهو الشريط الذي يوثق للجروح العميقة (أزيد من 100 غرزة طبية)، التي خلفها الاعتداء الشنيع باستعمال السلاح الأبيض في الشارع العام على سيدة مغربية من مدينة تازة، وهي أم لطفل وتبلغ من العمر 25 سنة فقط، على يد طليقها ذي السوابق العدلية، الذي لاذ بالفرار فور إقدامه على تشويه وجهها وإصابتها بإصابات بليغة على مستوى يديها، فيما نقلت الضحية المدعوة إيمان على وجه السرعة إلى مستشفى ابن باجة بمدينة تازة، مما استدعى تدخل طبي عاجل وإجراء عملية جراحية دقيقة…
ويشار في هذا السياق إلى أن أجهزة الأمن لم تتأخر في إلقاء القبض على المعتدي في مدينة صفرو، وتقديمه أمام النيابة العامة لدى محكمة الاستئناف بتازة التي أحالته يوم الثلاثاء 23 شتنبر 2025 على قاضي التحقيق، من أجل جناية محاولة القتل العمد والاغتصاب والاحتجاز والتهديد بارتكاب جناية.
فبناء على ما تم الكشف عنه من معطيات، يشار إلى أنها ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها الضحية للاعتداء من طرف طليقها، حيث أنه سبق لها أن تقدمت بشكاية لمصالح الأمن بتهم الاختطاف والاحتجاز والاغتصاب، مما ترتب عنه حمل واضطرارها إلى عقد قرانها به تحت الضغوط الاجتماعية. وبعد تعرضها لمجموعة من الاعتداءات المتوالية، اضطرت إلى اللجوء للقضاء من أجل طلب الطلاق، في محاولة منها للتخلص من الجحيم الذي وجدت نفسها ضائعة وسط نيرانه، بيد أن “المجرم” لم يستسغ الأمر، وعاد بعد مرور ستة شهور فقط عن طلاقها منه، للانتقام عبر مهاجمتها من جديد بذلك الشكل الهمجي، تاركا إياها تترنح من شدة الألم في بركة من الدماء، حتى أن طفلها البالغ من العمر خمس سنوات، الذي كان برفقتها أصيب بالذعر عند رؤيتها وهي مشوهة الوجه…
وهو الاعتداء الوحشي الذي هز الرأي العام الوطني وأثار حفيظة المواطنين، حيث خلف سيلا من التضامن وردود الفعل الغاضبة على منصات التواصل الاجتماعي، ودخول عديد المنظمات النسائية والحقوقية على الخط، التي سارعت إلى التعبير عن استنكارها الشديد، والمطالبة بإنزال أقصى العقوبات الرادعة في حق الجاني، حتى يكون عبرة لكل من تسول له نفسه ممارسة العنف ضد المرأة وغيرها، ولاسيما بعدما خرجت الضحية “إيمان” عبر مقطع فيديو تناشد المتعاطفين مع حالتها الصحية الخطيرة داخل المغرب وخارجه، بمد يد العون لها وصغيرها حتى تتمكن من تجاوز محنتها الشديدة…
فالعنف ضد النساء من القضايا التي يعاقب القانون المغربي على جميع أشكاله، حيث أن القانون رقم: 13.103 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، الذي دخل حيز التنفيذ في شتنبر 2018 لتوفير الحماية القانونية للنساء ضحايا العنف، يعرف مفهوم العنف في المادة الأولى بأنه “كل فعل مادي أو معنوي أو امتناع أساسه التمييز بسبب الجنس، يترتب عنه ضرر جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي للمرأة”. وهناك العنف الجسدي الذي يعاقب عليه بالحبس من 6 شهور إلى سنة وغرامة مالية تصل إلى حدود 30 ألف درهم، وتضاعف العقوبة إذا كانت الضحية قاصر أو في وضعية إعاقة. والعنف النفسي: يشمل التحرش والسب والقذف، ويعاقب عليه بغرامات مالية تتراوح ما بين 12 و120 ألف درهم. والعنف الاقتصادي: يشمل الحرمان من الحقوق المالية والاقتصادية، ويعاقب عليه حسب نوع الفعل المرتكب. ثم هناك كذلك الإكراه على الزواج: يعاقب عليه بالحبس من 6 أشهر إلى سنة وغرامة مالية تصل إلى 30 ألف درهم، وتضاعف العقوبة إذا ارتكب الفعل ضد امرأة بسبب جنسها أو قاصر.
وتشير الإحصائيات الرسمية في هذا الصدد إلى انتشار واسع في العنف ضد المرأة، حيث أن حوالي 57 في المائة من النساء البالغات من العمر ما بين 15 و74 سنة تعرضن لشكل واحد على الأقل من العنف خلال عام 2019 حسب تقارير المندوبية السامية للتخطيط، ويمثل العنف النفسي واللفظي الشكل الأكثر شيوعا، يليه في المرتبة الثانية العنف الجسدي، ثم العنف الجنسي والاقتصادي، ويشمل الزوج كواحد من أكثر مرتكبي العنف في القضايا الجنحية، بينما قد يختلف المعتدي في الجرائم الأخرى الخطيرة، فضلا عن الانتشار الملحوظ للعنف الرقمي ضد النساء.
وإذ نشكر صاحبة السمو الملكي الأميرة الجليلة لالة مريم رئيسة الاتحاد الوطني لنساء المغرب على مبادرتها الإنسانية النبيلة، من خلال إصدار أمرها للاتحاد السالف الذكر بالتكفل بالعلاج التدريجي المتخصص للضحية إيمان في إحدى مصحات جراحة التجميل بالرباط، قصد إصلاح الأضرار المترتبة عن الاعتداء الإجرامي الشنيع، فإننا ندعو إلى ضرورة نبذ العنف بجميع أشكاله وخاصة ذلك الذي يمارس على الفتاة والمرأة، تعزيز دور الإعلام في التحسيس والتوعية بمناهضة هذه الظاهرة الخطيرة، وأن تحرص الجهات المسؤولة على حماية المرأة بمزيد من الصرامة، تشديد العقوبات على المعتدين دون أي تمييز، وعدم الإفلات من العقاب حتى عند تنازل الضحايا.
اترك تعليقاً