وجهة نظر

“جيل Z” بين الاحتجاج والبحث عن مغرب الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية

لم تعد صورة المغرب الحقوقية في الخارج حكرا على الخطابات الرسمية أو تقارير المؤسسات الوطنية، بل أصبحت تصنعها صور حية قادمة من الشوارع، صور احتجاجات قادها شباب “جيل Z ” في مدن مختلفة، نقلتها كبريات القنوات والصحف العالمية بالصوت والصورة إلى الرأي العام الدولي.

وهكذا وجد المغرب نفسه أمام صورة مزدوجة: صورة رسمية تتباهى بدستور فاتح يوليوز 2011 كأحد أبرز مكتسبات ما بعد مرحلة “الربيع العربي”، وصورة واقعية لمطاردات وعنف ومنع من التصريح لوسائل الإعلام… صور لم تساير إطلاقا الخطاب الرسمي حول “المغرب الحقوقي”، بل أعادت إلى الواجهة شعار “حرية، كرامة، عدالة اجتماعية” الذي رفعه المتظاهرون في مواجهة تناقض صارخ بين النص الدستوري والممارسة الواقعية.

ما يثير الانتباه أن تعامل الدولة مع هذه الاحتجاجات اتسم بقدر كبير من الصرامة، في وقت لم يشهد المغرب مثل هذا المستوى من العنف حتى في مرحلة “حركة 20 فبراير”، التي رفعت مطالب سياسية راديكالية. يومها اختارت الدولة مقاربة أكثر مرونة وذكاء، نجحت في تدبير لحظة استثنائية عصيبة في المسار السياسي لبلادنا، لتطلق مسار إصلاحات دستورية ومؤسساتية هامة جنبت البلاد منزلقات خطيرة أطاحت بأنظمة مجاورة.

لكن الجديد هذه المرة أن احتجاجات “جيل Z” نسفت كل الصور النمطية التي وسم بها هذا الجيل. فقد أثبت أنه ليس جيلا لامباليا أو فاقدا للوعي السياسي، بل أبان عن وعي سياسي حاد، وحس وطني عميق، ومعرفة دقيقة بما يجري في العالم بفضل امتلاكه لتكنولوجيات الاتصال الحديثة. والأهم من ذلك أنه أظهر غيرة وطنية على بلده، وإرادة في أن ينخرط في ركب الدول المتقدمة التي تجعل من الإنسان مركزا وغاية لكل السياسات العمومية.

في المقابل، يفرض هذا الواقع على الدولة مسؤولية جسيمة: البحث عن قنوات حقيقية للإصغاء إلى هذه المطالب الاجتماعية المشروعة، التي تتلخص في شعار “حرية، كرامة، عدالة اجتماعية”. وهو شعار يتقاطع في المضمون مع ما ترفعه الدولة نفسها من مشروع تتزيل “الدولة الاجتماعية”، لكن هذا الالتقاء سيظل مجرد شعار فارغ ما لم يصاحبه تعميق فعلي للإصلاحات الديمقراطية وإرادة سياسية صلبة لمحاربة الفساد بكل أشكاله وألوانه.

فالفساد الذي ينخر المؤسسات العمومية لم يعد مجرد حديث عابر، بل صار مظهرا ممنهجا يمارسه بعض من يسمون بـ”النخب الإدارية”، الذين يتقنون فن الاستفادة من المال العام بوسائل “مغطاة” بالقانون: منح استثنائية، تضخيم تعويضات، تلاعب في الصفقات، استغلال النفوذ… كلها أساليب تقوض الثقة وتغذي مشاعر الإحباط واليأس وتزيد في منسوب فقدان الثقة في المؤسسات. ومن هنا تبرز راهنية تفعيل المبدأ الدستوري القاضي بربط المسؤولية بالمحاسبة، ليس كشعار يصفق له الجميع، بل كآلية ردع حقيقية تحفظ الديمقراطية وتعيد الاعتبار لمفهوم العدالة، وتقطع مع مظاهر الإفلات من العقاب، لتؤكد أن الدولة حاضرة ولا تغيب عنها أي صغيرة أو كبيرة.

لقد وجه “جيل Z ” كفاعل صامت قاد حركة اجتماعية في ظرفية لها خصوصيتها، رسالته بوضوح ومسؤولية من خلال احتجاجاته السلمية، وهي رسالة لم تكن ضد الدولة بقدر ما كانت موجهة إلى أعلى سلطة فيها، دعوة إلى التدخل بحكمة كما كان الحال سنة 2011 زمن احتجاجات ” ربيع الشعوب”، حين ساهم تدخل جلالة الملك محمد السادس بشكل حاسم في تبديد التوتر وتهدئة الشارع وفتح ورش إصلاحات كبرى. وهذا هو المطلوب. والسؤال الذي يفرض نفسه اليوم: هل التقطت الرسالة هذه المرة، أم أن البلاد ستدخل في حلقة جديدة من التوترات التي قد تفقدها فرصة تاريخية للإصلاح؟
فهل وصلت الرسالة؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *