تقرير رسمي: التمدن والهجرة الداخلية باعدا بين الأجيال وعمقا عزلة المسنين

نبّه تقرير حديث للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إلى أن ارتفاع التمدن في المغرب أدى إلى زيادة الهجرة الداخلية والتنقل السكني والمهني، مما ساهم في ظهور الأسرة النووية وزيادة عزلة المسنين، وتراجع دور الأسرة كشبكة أمان داعمة لكبار السن.
جاء ذلك في الموضوع الخاص بالتقرير السنوي للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، حول موضوع “الإدماج الاجتماعي والاقتصادي للأشخاص المسنين بالمغرب.. من أجل الاستعداد بشكل أفضل للتكيف مع تسارع وتيرة شيخوخة السكان”.
وأشار التقرير إلى أن التضامن بين الأجيال شكل على مر سنوات دعامة أساسية لإدماج الأشخاص المسنين ودعمهم داخل محيطهم الأسري، “لكن هذا النموذج يواجه اليوم تحولات عميقة”، ومن بين العوامل الحاسمة المساهمة في هذا التغير، ظاهرة التمدن.
وتابع المصدر ذاته إلى أن ظاهرة التمدن ارتفع معدلها من 51.4 في المائة سنة 1994 إلى 62.8 في المائة سنة 2024، وساهم هذا التوجه في زيادة حركة التنقل السكني والمهني، مما أدى إلى تشتت أفراد الأسرة جغرافياً، وعزز من مظاهر التباعد بين الأجيال، وتحول نحو الأسرة النووية.
وفي الوسط الحضري، يضيف المصدر ذاته، أدت محدودية مساحة المساكن إلى تقليص فرص التعايش بين الأجيال داخل المسكن نفسه، “ويتجلى هذا التحول بوضوح في تراجع نسبة الدور المغربية التقليدية، التي لم تعد تمثل سوى 2.6 في المائة من أنواع المساكن في الوسط الحضري، مقابل ارتفاع نسبة الشقق المكونة من غرفة إلى غرفتين، التي باتت تشكل 43.5 في المائة من العرض السكني في المدن.
ونبه المجلس إلى تغيرات أخرى عميقة يشهدها تنظيم الأنشطة الاقتصادية والمهنية، إذ تختلف طبيعة الأنشطة المزاولة في الوسط الحضري بشكل كبير عن نظيرتها في الوسط القروي. إذ لا يزال العمل في القرى، خصوصا في قطاعي الفلاحة والصناعة التقليدية، يعتمد بشكل كبير على التعاون الأسري والتكافل بين الأجيال، مما يعزز أواصر التماسك داخل الأسرة الممتدة.
أما في المدن، يشير التقرير، يساهم الطابع الفردي الذي يتسم به العمل في الوسط الحضري، إلى جانب وتيرة الحياة السريعة، في إضعاف هذه الديناميات التضامنية. وتؤدي هذه التحولات الاجتماعية والاقتصادية، إلى جانب التغيرات الطارئة على أنماط السكن، إلى تراجع تدريجي لآليات الدعم الأسري، مما يزيد من مخاطر تعرض الأشخاص المسنين للعزلة، ويحد من مستوى التآزر بين الأجيال.
وأضاف أن المتطلبات المتزايدة للتنقل لأسباب مهنية فاقمت من وتيرة التحول في بنية الأسر، وأسهمت في تسريع الانتقال نحو بنيات أسرية أقل حجما، “فالنموذج التقليدي للأسرة الممتدة، التي تضم تحت سقف واحد عدة أجيال بدأ يتراجع ليفسح المجال تدريجيا أمام نموذج الأسرة النووية، المكونة من زوجين وطفل أو طفلين”.
وتتجلى هذه التحولات بوضوح، يضيف التقرير، في معطيات الإحصاء العام الأخير للسكان والسكنى، الذي كشف عن تراجع في متوسط حجم الأسر، إذ انخفض من 5.3 أفراد لكل أسرة سنة 2004 إلى 3.9 أفراد سنة 2024.
اترك تعليقاً