وجهة نظر

“جيل Z” في المغرب: بين الحرمان النسبي وحراك التغيير

يشكل شباب “جيل Z” اليوم قوة ديمغرافية هائلة، إذ يمثلون أكثر من ربع سكان المغرب، حوالي 9.6 ملايين شخص تتراوح أعمارهم بين 13 و28 سنة. ورغم ثقلهم العددي، يواجهون تحديات اجتماعية واقتصادية مركبة: بطالة مرتفعة، هشاشة، ونقص فرص الاندماج في سوق العمل. لكنهم في الوقت ذاته، القوة الأكثر دينامية في التحرك الاجتماعي، قادرين على تحويل إحباطاتهم إلى حراك من نوع جديد، يقوده الذكاء الرقمي ويترجم شعاراته على أرض الواقع.

هذا الواقع يذكّرنا بما طرحه تيد روبرت غير في كتابه “لماذا يتمرد الناس”: التمرد لا ينشأ من الفقر وحده، بل من الحرمان النسبي، أي الفجوة بين توقعات الناس وواقع حياتهم. وما نراه اليوم في المغرب مع احتجاجات جيل “Z 212″، يندرج تماماً ضمن هذا الإطار. فقد خرج الشباب مطالبين بتحسين التعليم والصحة، وتوفير فرص شغل لائقة، احتجاجاً على تدهور الخدمات العامة وعلى الإحباط الناتج عن وعود لم تتحقق، وكان المحفّز المباشر وفاة نساء في مستشفى بأگادير بسبب ضعف الرعاية الصحية.

تُظهر الإحصاءات الأخيرة للمندوبية السامية للتخطيط حجم المأزق الذي يعيشه الشباب المغربي اليوم، إذ بلغ معدل البطالة لدى الفئة العمرية 15-24 سنة 35.8%، بينما تجاوز 21.9% لدى من تتراوح أعمارهم بين 25 و34 سنة، مقابل معدل وطني متوسط يبلغ 12.8%. وما يزيد الوضع خطورة هو وجود أكثر من 1.5 مليون شاب في وضع “لا عمل، لا دراسة، لا تكوين”، فئة تُهدد مستقبلهم وتطرح تساؤلات جدية حول جدوى السياسات الحالية في إدماج الشباب في سوق الشغل والتعليم

ومع ذلك، يتميز هذا الجيل بقدرة فريدة على تحويل الفضاء الرقمي إلى منصة احتجاجية وتنظيمية، يطلقون عبرها شعاراتهم ويشكلون آليات ضغط مباشرة على المؤسسات والمجتمع. هكذا يصبح الحراك الاجتماعي المعاصر نتاج الإحباط الجماعي المحرك للتغيير، حيث يختلط المطالَب الواقعية (التعليم، الصحة، الشغل) بالبحث عن الكرامة والاعتراف الاجتماعي.

من هنا، يتضح أن ما يحدث مع حركة جيل Z 212 ليس مجرد احتجاج عابر، بل رسالة واضحة إلى الدولة والمجتمع: لا يمكن تجاهل هذه الفئة الهائلة التي تمثل مستقبل المغرب، لأن استمرار الفجوة بين التوقعات والواقع قد يؤدي إلى انفجارات اجتماعية أعمق.

كما قال غير: “حين تتسع الفجوة بين ما نأمل وما نعيشه، يصبح السكوت تمرداً محتملاً.”

قراءة الواقع المغربي من خلال هذا المنظور تجعلنا نفهم أن التحدي لا يقتصر على إصلاح الخدمات أو خلق فرص عمل، بل على إعادة بناء الثقة بين الدولة والشباب، وضمان أن يكون هذا الجيل شريكاً فاعلاً في صناعة مستقبل المملكة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *