سياسة

النقابات بالمستشارين تحذر من “خوصصة العلاج” وتطالب بمستشفيات تحفظ كرامة المغاربة

أجمعت النقابات في مجلس المستشارين على أن المنظومة الصحية تعيش أزمة بنيوية عميقة، نتيجة سنوات من الإهمال والخوصصة الزاحفة، محذرة من تهميش المستشفى العمومي لصالح القطاع الخاص، ومن نزيف الموارد البشرية وضعف التجهيزات والخدمات، داعية إلى إصلاح جذري يضمن الحق في العلاج لكل المواطنين، ويعيد الاعتبار للقطاع العام من خلال التوظيف والتحفيز وتوسيع التكوين، مع توجيه التمويل العمومي نحو المؤسسات التي تخدم فعلاً المصلحة العامة، لا تلك التي تشتغل بمنطق الربح.

وخلال اجتماع للجنة الشؤون الاجتماعية بمجلس المستشارين لمناقشة عرض وزير الصحة حول إصلاح المنظومة الصحية، مساء اليوم الثلاثاء، حذر نورالدين سليك، رئيس فريق الاتحاد المغربي للشغل بمجلس المستشارين، من استمرار “الخوصصة الزاحفة” لقطاع الصحة في المغرب، مشددا على أن وزارة الصحة يجب أن تعود إلى أصل تسميتها: “وزارة الصحة العمومية”.

واعتبر أن ما يجري اليوم هو تفريغ ممنهج للقطاع العام لصالح المصحات الخاصة، التي “تستفيد من دعم الدولة رغم أنها تشتغل بمنطق الربح وليس الخدمة الاجتماعية”، مضيفا أن الدعم العمومي يجب أن يُوجَّه للمستشفيات العمومية التي تخدم ملايين المواطنين وليس للمقاولات الصحية الربحية.

سليك لم يكتف بالنقد السياسي، بل تحدث من واقع ميداني مؤلم، قائلا: “زرت مستشفيات بالعاصمة، فما بالك بمناطق نائية مثل الرشيدية أو أيت بوكماز، حيث المواطن يموت في صمت”، منددا بانعدام الحد الأدنى من الكرامة في المرافق الصحية، قائلا: “المواطن لا يطلب المستحيل، بل سريرا نظيفا، دواء متوفرا، وطبيبا حاضرا”، مبرزا أن المشكل لا يكمن فقط في قلة البنيات، بل في غياب العدالة في توزيع الموارد الصحية بين الجهات، وهو ما يكرّس الإقصاء المجالي والفوارق الصحية الصارخة.

كما أشاد سليك بقرار وزير الصحة بإيقاف الدعم المالي الموجه لبعض المصحات الخاصة، لكنه طالب بالكشف عن الجهات المستفيدة سابقا، قائلا: “إذا كنا جادين في الإصلاح، فلنبدأ بالمصارحة: من استفاد؟ وبأي حق؟”، معتبرا أن الاستمرار في دعم القطاع الخاص دون رقابة هو تبذير للمال العام، داعيا إلى تحقيق شفاف حول دعم الدولة للقطاع الصحي الخاص، وإعادة توجيه تلك الأموال نحو تقوية العرض الصحي العمومي الذي يحتاج إلى إنعاش حقيقي.

بدوره، وجّه المستشار البرلماني لحسن نازهي، منسق مجموعة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، انتقادات لاذعة إلى الحكومة بسبب ما وصفه بـ”الوضع المأساوي” الذي تعرفه المستشفيات العمومية، وفي مقدمتها مستشفى محمد الخامس بالجديدة، الذي يعاني من نقص حاد في الأطر الطبية والتجهيزات والأدوية، مؤكدا أن ما يقع بهذا المستشفى ليس استثناء، بل يعكس واقعا عاما يمتد من طنجة إلى الكويرة، حيث يعاني المواطنون من صعوبة الولوج إلى العلاج وانهيار الخدمات الأساسية.

وأشار نازهي إلى أن القطاع الصحي يعيش نزيفا خطيرا في الموارد البشرية، نتيجة الضغط الكبير، ضعف الأجور، وغياب التحفيزات، ما يدفع آلاف الأطر إلى الهجرة نحو الخارج أو خوض احتجاجات متكررة داخل البلاد، معبرا عن قلقه من مسار الإصلاح الصحي، معتبرا أن غياب إشراك النقابات والأطر المعنية، يهدد بتحويل هذا الورش إلى مدخل لخوصصة تدريجية، تمس بمبدأ مجانية العلاج وتضرب العدالة المجالية في الحق في الصحة.

وانتقد المستشار البرلماني توجيه التمويل العمومي نحو المصحات الخاصة، حيث أظهرت الأرقام أن أكثر من 90% من نفقات صناديق التأمين الصحي تستفيد منها مؤسسات خاصة، في حين تبقى المستشفيات العمومية مهمشة. وطالب نازهي بإصلاح جذري وشجاع يعيد الاعتبار للقطاع العام، يشمل التوظيف والتجهيز وتحسين الأجور، وضمان الولوج المتكافئ للعلاج باعتباره حقًا دستوريًا، مؤكّدًا أن “المواطن البسيط لا يطلب مستحيلاً… فقط أن يجد طبيبا، ودواء، ومستشفىً يضمن له الكرامة”.

من جانبها، وجهت المستشارة لبنى علوي انتقادات لاذعة للحكومة بسبب ما وصفته بـ”التسيير الحزبي الضيق” لقطاع حيوي مثل الصحة، محذرة من أن الوضع داخل المستشفيات العمومية بلغ مستوى مقلقا من التردي، مقابل انتعاش لافت للقطاع الصحي الخاص، مشددة على أن “القطاع الصحي العمومي يجب أن يظل هو حجر الزاوية لأي منظومة صحية”، مستنكرة تهميش الكفاءات الصحية في التعيينات الإدارية وتعطيل تنزيل مقتضيات اتفاق يوليوز 2024، في وقت يواجه فيه المواطنون واقعا صحيا مزريا في مناطق كأكادير وتاونات وإنزكان وسلا.

أشارت لبنى علوي إلى أن الاحتجاجات الأخيرة التي شهدها مستشفى الحسن الثاني بأكادير، والذي وصفه السكان بـ”مستشفى الموت”، كشفت عن فشل ذريع في تدبير القطاع، داعية الوزير إلى الاعتراف بما لم يعد يُخفى على أحد، مؤكدة أن جولات الوزير في المناطق كشفت له مباشرة حجم المعاناة اليومية للمواطنين، من انقطاع الأدوية الأساسية إلى ضعف النقل الصحي وغياب العناية في الحالات المستعجلة، مضيفة أن “الصحة العمومية لم تعد تعكس مقتضيات ميثاق المرافق العمومية الذي يشدد على الجودة والكرامة والعدالة في الخدمة”.

في سياق متصل، أكدت المستشارة البرلمانية عن فريق الاتحاد العام للشغالين، هناء بنخير أن الحراك الشبابي الأخير يعكس مطالب اجتماعية مشروعة، في مقدمتها الصحة، التعليم، والتشغيل، مشددة على أن النقاش يجب ألا يختزل في القطاع الصحي فقط، بل يجب أن يشمل جميع القطاعات الاجتماعية التي تُعدّ أساس بناء دولة اجتماعية حقيقية، موضحة أن أزمة الصحة ليست جديدة، بل هي نتيجة تراكمات ممتدة عبر العقود تشمل كل من المدن والقرى على حد سواء.

وشددت على أن حل أزمة الصحة يبدأ من إصلاح قطاع التربية والتعليم، مشيرة إلى أن نسبة كبيرة من تلاميذ الباكالوريا تطمح لدراسة الطب، لكن المنظومة الحالية لا تستوعب هذا الطلب بسبب محدودية المقاعد في كليات الطب العمومية وغلاء التكوين في القطاع الخاص، داعية إلى تجاوز “الاحتكار الثنائي” في ولوج كليات الطب بين التفوق النادر أو الإمكانيات المادية العالية، عبر انخراط وزارة التعليم العالي في إصلاح شامل لمنظومة التكوين.

كما تطرقت بنخير إلى وضعية أعوان الحراسة بالمستشفيات، مطالبة بمقاربة منصفة تأخذ بعين الاعتبار ظروفهم الاجتماعية الصعبة، بدل تحميلهم وحدهم مسؤولية بعض التجاوزات، داعية أيضا إلى مراجعة أسعار الأدوية لجعلها في متناول الجميع، مؤكدة أن “المواطن المغربي لا يطلب الكثير، فقط أن يجد من يسعفه عند الحاجة، ومستشفى يضمن له العلاج بكرامة”، وهو ما يتطلب، في نظرها، إرادة سياسية واضحة وجادة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *