أدب وفنون

“جيل Z” يكسر حياد الفنانين في قضايا المجتمع.. والوالي: الفن يخدم الإنسان لا السلطة

لم تعد الساحة الفنية المغربية كما كانت قبل أسابيع قليلة، فمع انطلاق احتجاجات “جيل زد”، التي هزت النقاش العام وأعادت ترتيب أولويات المجتمع، وجد المغاربة أنفسهم أمام مشهد غير مألوف، عشرات الفنانين والمشاهير يخرجون عن صمتهم، يساندون الشباب علنا، ويكسرون جدار الحياد الذي لازم الوسط الفني لسنوات طويلة.

وفي سابقة من نوعها بهذا الحجم والزخم، عبر فنانون من مختلف الأعمار والمجالات عن دعمهم للاحتجاجات منذ أيامها الأولى، دون تردد أو حسابات، لم ينتظروا أن تهدأ الموجة، ولم يكتفوا بالحياد الآمن أو العبارات الرمادية، على العكس، امتلأت حساباتهم على مواقع التواصل بمنشورات تضامن، ورسائل أمل، وصور تعبر عن الإحباط المشترك من واقع التعليم والصحة والفرص.

لم يسبق لكثير من هؤلاء الفنانين أن تناولوا قضايا سياسية أو اجتماعية حساسة أمام متابعيهم، وكانوا يتفادون الخوض في النقاش العام خوفا من تبعات الآراء أو فقدان جمهورهم، لكن ما حدث هذه المرة بدا مختلفا، إذ أن لغة الشباب التي امتزج فيها الغضب بالصدق كسرت الحواجز وأعادت تعريف العلاقة بين الفنان والمجتمع.

وتحولت منصات الفنانين على امتداد أيام إلى مساحات نقاش وتعبير بعضهم شارك قصصا شخصية عن معاناته أو معاناة أسرته مع المنظومة الصحية، وآخرون تحدثوا عن فشل التعليم في منح الأمل لجيل كامل، حيث بدا وكأن جيلا من الفنانين قرر أخيرا أن يتخلى عن “الحياد السلمي” الذي اعتُبر لعقود من علامات “الاحتراف”، وأن يعيد للفن معناه الأصيل في أن يكون شاهدا على الواقع، لا زينة له.

وسجل عدد من المتابعين للساحة الفنية انخرط عدد كبير من الفنانين والمشاهير في التعبير العلني عن دعمهم للشباب المحتجين، وتبنوا مواقف واضحة في قضايا طالما تجنبوا الحديث عنها خوفا من “العواقب” أو من تصنيفهم سياسيا.

وفي هذا السياق، يرى الممثل رشيد الوالي، أحد الأصوات الفنية التي لم تخشى التعبير عن رأيها في قضايا المجتمع حتى قبل اندلاع احتجاجات “جيل زد” (يرى) أن هذا التحول طبيعي ومطلوب.

وعبر رشيد الوالي في تصريح لجريدة “العمق”، عن قناعته بأن الفنان لا يمكن أن يكون مجرد من يسلي الناس أو “يضحكهم” فقط، بل هو ضمير جماعي، يطرح الأسئلة التي يخاف الناس طرحها، ويحرك المشاعر التي قد تخمد تحت ضغط الواقع.

وقال الوالي “الفنان ليس مجرد من يُسلي الناس، بل هو أيضا مرآة للمجتمع، دوره الأساسي هو ملامسة الوجدان وطرح الأسئلة التي لا يملك الناس الشجاعة لطرحها، الفن لا يتعارض مع السياسة، لكن هناك فرق بين الفنان الذي يحاول فرض رأيه، والفنان الذي يوقظ وعي الناس من خلال أعماله أو آراءه”.

وأعتبر الوالي أن “الفن الحقيقي لا يخدم حزبا أو سلطة بل يخدم الإنسان”، مشيرا إلى أن التفاعل الكبير الذي أبداه الفنانون مع احتجاجات الشباب لم يكن صدفة، بل انعكاسا لوجع مشترك وشعور عام بالمسؤولية.

وأضاف: “هاد الجيل كيعبر بطريقة مختلفة، بصدق وبسلمية، وهاد شي لمس قلوب الناس كاملين، الفنانين ما بقاوش فوق الواقع، حاسين بنفس الغضب ونفس الإحباط. لما كيخرج جيل كامل كيطالب بالكرامة والفرصة والصحة والتعليم ومحاربة الفساد، طبيعي الفنان يحس أن عليه أن يكون صوت داعم، ماشي متفرج”.

وردا على سؤال حول المخاوف التي تراود الفنانين من فقدان شعبيتهم أو تصنيفهم في خانة معينة، قال الوالي إن الخطر الحقيقي بالنسبة إليه لا يكمن في التعبير عن الموقف، بل في الصمت حين يكون كلام الحق واجبا وضروريا.

وتابع :“ أخاف من شيء واحد فقط، وهو الصمت في الوقت الذي يجب أن أقول فيه كلمة الحق، الشهرة لا تساوي شيئا إذا كان ثمنها السكوت على الظلم أو الخوف من التصنيف، ولا أخشى من فقدان شعبيتي لأن الناس تحترم الشخص الصادق حتى وإن اختلفت معه”.

وزاد ذات المتحدث: “أحاول دائما التعبير بعقل وباحترام بدون تهور، ومن يتحدث بصدق لا يدخل اللائحة السوداء وإنما للتاريخ، وأتمنى أن أكون في هذا الصنف”.

ويرتقب أن يعيد الحراك الجديد النقاش إلى جوهر الدور الثقافي للفنان المغربي، من خلال إعادة طرح أسئلة حول هل يمكن للفن أن يكون أداة وعي دون أن يتحول إلى منبر سياسي مباشر؟ وهل ما عاشه المغرب في الأسبوعين الأخيرين هو بداية لوعي فني جديد يربط بين الإبداع والمواطنة؟.

ويرى بعض المتابعين، أن ما حصل تجاوز مجرد “تفاعل ظرفي”، ليصبح لحظة مفصلية في علاقة الفنان بالمجتمع، معتبرين أن جيل المنصات الرقمية، الذي كبر على الحرية الافتراضية وواجه الواقع بجرأة، جر معه الفنانين إلى منطقة التعبير والتمرد على الواقع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *