الاتحاد الاشتراكي: تزايد الفوارق ومحدودية النمو يهددان التماسك الاجتماعي بالمغرب

قدم حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية مشروع ورقته الاقتصادية والاجتماعية قبل مؤتمره الوطني المزمع تنظيمه ببوززيقة أيام 17 و18 و19 أكتوبر الجاري، حيث شخص الوضع الاقتصادي والاجتماعي بالمغرب.
وأبرز الاتحاد الاشتراكي أن “مؤتمره ينعقد في ظرفية دقيقة يمر بها المغرب، تتسم بتزايد التحديات الاقتصادية والاجتماعية وتفاقم آثار الأزمات المركبة، سواء الناتجة عن التحولات الدولية الكبرى أو عن اختلالات داخلية بنيوية، حيث أفرز هذا السياق تراجعات مقلقة على مستوى القدرة الشرائية، وتوسع رقعة الفوارق المجالية والاجتماعية، وتزايد منسوب القلق لدى فئات واسعة من المواطنات والمواطنين، بما يحتم إعادة تقييم السياسات العمومية والخيارات الاقتصادية الكبرى في ضوء المستجدات العميقة التي يشهدها المشهد الوطني”.
وأشار إلى أن “التحول الشامل والمركزي الذي يعرفه النموذج التنموي الوطني يشكل فرصة تاريخية لتصحيح مسار التنمية، ووضع أسس اقتصاد وطني جديد قائم على الفعالية والعدالة والاستدامة، غير أن تفعيل هذا التحول يظل رهينا بالإرادة السياسية وبالتصورات التي تتبناها الفاعلية الحزبية والعمومية، خاصة تلك التي تتبنى مرجعيات تقدمية تراهن على جعل الإنسان محور التنمية، وتضع الحقوق الاجتماعية والاقتصادية في صلب مشروعها المجتمعي”.
محدودية نموذج الاقتصاد المغربي
اعتبر حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أنه “رغم ما تحقق من منجزات في بعض القطاعات الإنتاجية والخدماتية خلال العقدين الأخيرين، فإن النموذج الاقتصادي المغربي أبان عن محدوديته في تحقيق الإقلاع التنموي الشامل، حيث ظل معدل النمو الاقتصادي يتأرجح في حدود 3% سنويا خلال السنوات الأخيرة، وهو معدل غير كاف لمواكبة التزايد الديمغرافي وخلق فرص شغل كافية، كما أن مساهمة القطاعات المهيكلة في التشغيل ما تزال ضعيفة، مما أدى إلى توسع رقعة الاقتصاد غير المهيكل، الذي بات يشغل أزيد من 60% من الساكنة النشيطة في بعض القطاعات، خاصة في التجارة والخدمات والمهن الحرة”.
كما سجلت الورقة “هيمنة منطق السوق والليبرالية غير المؤطرة على السياسات العمومية جعلت الدولة تنسحب تدريجيا من أدوارها الاجتماعية، حيث تم تفويت قطاعات استراتيجية إلى القطاع الخاص دون تقييم فعلي للأثر الاجتماعي، كما أدى غياب التوجيه العمومي الحازم إلى انحراف السياسات الاستثمارية نحو الربح السريع عوض التنمية المندمجة، وهو ما انعكس سلبا على التوازن بين الجهات، وساهم في تركيز الثروة والفرص في محاور محدودة، خاصة الدار البيضاء – الرباط – طنجة، بينما ظلت العديد من الأقاليم تعاني من التهميش والإقصاء من الدورة الاقتصادية الوطنية”، وفق تعبيره.
وسجل الحزب “استمرار الضعف البنيوي للقطاع الصناعي، حيث لا تتجاوز مساهمته في الناتج الداخلي الخام نسبة 14%، مع تركيز واضح في بعض الصناعات الموجهة للتصدير، كصناعة السيارات والفوسفاط، في حين تعاني باقي الأنشطة من تراجع تنافسيتها، وضعف اندماجها في النسيج المحلي، ويفاقم هذا الوضع غياب سياسة صناعية مندمجة تراعي تثمين الموارد الوطنية وتحقيق الاندماج الترابي والتكنولوجي، مما يضعف فرص الاستقلال الاقتصادي ويبقي المغرب عرضة لتقلبات الأسواق الدولية وسلاسل التوريد الخارجية”.
وحسب المصدر ذاته، فتظهر مؤشرات التنمية البشرية استمرار الفوارق الاجتماعية بشكل بنيوي، حيث لا يزال أزيد من 3 ملايين مغربي تحت عتبة الفقر النقدي، وتعاني نسبة مهمة من السكان من الهشاشة واللااستقرار المهني، وتسجل الفجوة بين الطبقات تزايدا مطردا، إذ تشير التقارير إلى أن 10% من أغنى المغاربة يستحوذون على أكثر من 50% من إجمالي الدخل الوطني، في حين أن الشريحة السفلى لا تحصل إلا على 2.5%، وهو ما يعكس خللا بنيويا في توزيع الثروة، ويهدد التماسك الاجتماعي ويضعف الثقة في النموذج التنموي القائم”.
تعد الفوارق الاجتماعية والمجالية من أبرز مظاهر الاختلالات البنيوية التي تميز النموذج التنموي المغربي، إذ لا تزال الهوة واسعة بين الجهات المتقدمة والمناطق الأقل نموا، حيث تتركز البنيات التحتية الحديثة والخدمات الأساسية في المحاور الحضرية الكبرى، بينما تعاني جهات بأكملها من ضعف الولوج إلى الخدمات الاجتماعية الأساسية، كما أن توزيع الاستثمارات العمومية يفتقر إلى معايير الإنصاف المجالي، مما يكرس التفاوت في فرص النمو والتنمية، ويُضعف من جدوى السياسات الترابية المعلنة.
مقترحات لإقرار عدالة مجالية وتطوير الاقتصاد
دعا حزب الاتحاد الاشتراكي إلى إصلاح ضريبي جذري يكرس مبدأ العدالة، من خلال الرفع من مساهمة الأرباح الكبرى والرأسمال والمداخيل العليا، مقابل تخفيف الضغط الجبائي على الأجراء والفئات المتوسطة، بما يتيح توزيعا منصفا للثروة وتمويلا مستداما للسياسات الاجتماعية واعتبار الشغل حقاً مضمونا وليس امتيازا، عبر إطلاق أوراش كبرى للبنيات التحتية المستدامة، وتحفيز الاقتصاد الأخضر والرقمي، ودعم القطاعات المنتجة للشغل القار، خصوصا لفائدة الشباب والنساء، مما يساهم في تقليص البطالة وتحقيق الاندماج المهني.
وأكد الحزب ضرورة ملاءمة الحد الأدنى للأجور مع كلفة العيش، وتوحيد أنظمة التقاعد والتغطية الصحية، وتوسيع دائرة المستفيدين، مع تجويد الخدمات العمومية، في إطار منظومة وطنية عادلة وفعالة للحماية الاجتماعية، كما يرى أن الوقت قد حان لتجاوز الاقتصاد الريعي والخدماتي، والانتقال إلى اقتصاد منتج قائم على التصنيع، خصوصاً الصناعات ذات القيمة المضافة العالية، عبر تحفيز الاستثمار المحلي والأجنبي، وتطوير البنيات الصناعية، وربطها بالتكوين المهني والتكنولوجيات الحديثة.
ودعا الحزب إلى اعتماد سياسات اقتصادية دينامية تقوم على تحفيز المقاولة، وتبسيط المساطر الإدارية، وتوفير مناخ تنافسي للاستثمار، بما يساهم في تحقيق معدلات نمو أعلى وأكثر استدامة، قادرة على استيعاب أفواج الخريجين وتقليص الفوارق المجالية والاجتماعية، مع ضرورة تعزيز دور مجلس المنافسة وتفعيل القوانين المناهضة لتركّز السلطة الاقتصادية، ومنع الاحتكار وتضارب المصالح، لضمان شفافية الأسواق وتكافؤ الفرص، وتحرير الاقتصاد من الهيمنة غير العادلة.
ويرى الحزب أن العدالة الاجتماعية تمر عبر الولوج المتكافئ إلى العلاج، ويقترح تأهيل المنظومة الصحية العمومية، من خلال توسيع العرض الصحي في المجالين الحضري والقروي، وتوفير الأطر والتجهيزات الضرورية، وتحسين ظروف العمل في القطاع، والرفع من ميزانية الصحة بما يضمن خدمات ذات جودة لكل المواطنين، وضمان شروط المنافسة داحل القطاع الصحي الخاص بما ينعكس على جودة الخدمات و قدرة جميع شرائج المجتمع على الولوج الى خدماته.
وشدد الحزب على ضرورة جعل تنمية الإنسان محور كل السياسات، من خلال الاستثمار في التعليم، والصحة، والثقافة، والرياضة، والتكوين المستمر، مع اعتماد مقاربات مندمجة تضع الإنسان في صلب التنمية، وتضمن الإدماج الاقتصادي والاجتماعي للفئات الهشة والشباب، مطالبا بإرساء منظومة دقيقة للدعم المالي المباشر، تضمن وصوله إلى الفئات المحتاجة دون وسطاء، عبر استخدام آليات شفافة ترتكز على العدالة المجالية والبيانات الميدانية الدقيقة، وتطوير المؤشرات المعتمدة و انفتاحها على الفئات الهشة المقصية، و تتبع اثر الدعم و انعكاساته على هذه الفئات.
وأكد الحزب أهمية إعادة الاعتبار للمدرسة العمومية، عبر تحديث مناهج التعليم، وتحسين ظروف التمدرس، وتوسيع العرض التربوي خصوصا في المناطق القروية، مع دعم برامج سكن اجتماعي تستجيب للحاجيات الواقعية للأسر المغربية في إطار رؤية مندمجة للعدالة المجالية، داعيا إلى تحقيق السيادة الغذائية والمائية، عبر دعم الفلاحة المستدامة، وتشجيع الفلاحين الصغار، وتسريع مشاريع تحلية المياه وإعادة استخدام المياه العادمة، وتثمين الموارد الطبيعية، كضمانة للاستقرار الاجتماعي والعدالة البيئية.
ويقترح الحزب اعتماد مقاربة ترابية في السياسات الاقتصادية، تمكّن الجهات والجماعات من المساهمة في بلورة وتنفيذ البرامج الاقتصادية، وتستند إلى توزيع عادل للموارد وفق منطق الإنصاف المجالي، مطالبا بتمكين الجماعات المحلية والجهات من صلاحيات أوسع وموارد بشرية ومالية كافية، بما يسمح لها بلعب أدوارها في تدبير التنمية الاقتصادية والاجتماعية وفق منطق القرب والفعالية.
كما شدد الحزب على ضرورة بناء شراكة ثلاثية بين الدولة، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص، من أجل صياغة سياسات عمومية ناجعة، تقوم على التعاقد والمسؤولية المشتركة، وتشجع ثقافة المشاركة والمساءلة.
اترك تعليقاً