
في إطار مواصلة النقاش البرلماني حول ورش إصلاح العدالة الجنائية بالمغرب، تقدم فريق الحركة الشعبية بمجلس النواب بمقترح قانون يقضي بتغيير وتتميم الفصل 3-35 من القانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة، بهدف استثناء عدد من الجرائم الخطيرة من الاستفادة من هذه البدائل.
ويأتي هذا المقترح في سياق الجدل الدائر حول فعالية العقوبات البديلة في تحقيق الردع والإدماج، خاصة في ما يتعلق بالجرائم ذات الطابع العنيف أو المهددة للأمن المجتمعي، حيث يرى الفريق أن بعض الأفعال لا يمكن أن تخضع لهذا النوع من العقوبات لما تحمله من خطورة مباشرة على الضحايا والنظام العام.
إقرأ أيضا: رسميا .. قانون العقوبات البديلة يدخل حيز التنفيذ بالمغرب
المقترح الذي يحمل توقيع النواب إدريس السنتيسي، محمد والزين، لطيفة أعبوث، فاطمة ياسين، والشرقي شكوري، يدعو إلى تعديل الفصل 3-35 من القانون، ليشمل استثناءات إضافية تتعلق بجرائم تمس أمن الدولة، والاتجار في المخدرات، وجرائم العنف ضد النساء، والاستغلال الجنسي للقاصرين وذوي الإعاقة، إضافة إلى الجرائم المالية الكبرى مثل الرشوة واختلاس وتبديد الأموال العمومية.
وأكد الفريق في المذكرة التقديمية أن الهدف من هذا التعديل هو تعزيز الحماية القانونية للضحايا، وضمان فعالية الردع في مواجهة الجرائم التي تتجاوز في آثارها الطابع الفردي لتصبح تهديدا جماعيا للسلم والأمن الاجتماعي.
وسجل الفريق البرلماني، أن بعض الجرائم، بحكم طبيعتها أو بحكم حجم الضرر الذي تلحقه بالمجتمع أو بالأفراد، تستدعي إجراءات عقابية زجرية، بقصد تحقيق الردع العام والخاص وحماية النظام العام والضحايا. ويشمل ذلك الجرائم التي تضعف الأمن الاجتماعي أو تعرض كرامة وسلامة الأشخاص والممتلكات للخطر، والتي يمكن أن يؤدي تطبيق بدائل ميسرة عليها إلى تقويض فعالية الردع وتهديد المصلحة العامة.
وأضاف أن الجرائم المرتكبة في حق النساء، لاسيما العنف الجسدي أو الجنسي أو النفسي أو الرقمي، تكتسي طابعا خاصا يستدعي حماية فورية وقوية للضحايا ومساءلة صارمة للفاعلين، مؤكدا أن ” استثناء مثل هذه الجرائم من نطاق العقوبات البديلة يجنب إعطاء انطباع تقليلِي لخطورة الأفعال، ويعزز ثقة الضحايا في المنظومة القضائية وفي إجراءات الحماية”.
إقرأ أيضا: وهبي: 450 حالة استفادت من العقوبات البديلة و9 أعيدوا للسجن بعد رفض التنفيذ
وضمن نفس السياق، اعتبر الفريق البرلماني، الاتجار في المخدرات يمثل ظاهرة إجرامية منظمة تمتد آثارها إلى زعزعة الأمن العام، وإضعاف النسيج الاجتماعي، وتعريض الفئات الضعيفة للانحراف والاستغلال، لافتا إلى أن تطبيق بدائل للعقوبة على مرتكبي جرائم الاتجار في المخدرات قد يضعف جهود الزجر والوقاية ويقلل من قدرة الأجهزة القضائية والأمنية على مكافحة الشبكات الإجرامية بفعالية.
ويرى الفريق أن استثناء هذه الجرائم من نطاق العقوبات البديلة لا يُقلل من قيمة هذه الأخيرة، بل يضمن حسن تفعيلها في الجرائم القابلة للإصلاح، دون المساس بمبدأ الحزم في مواجهة الأفعال التي تستدعي جزاء يتناسب مع خطورتها. كما شدد على أن التعامل المرن مع بعض الجرائم قد يعطي إشارات سلبية تمس بثقة المواطن في العدالة.
ويؤكد فريق الحركة الشعبية أن هذا التعديل يندرج في إطار تحقيق التوازن المطلوب بين فلسفة الإصلاح التي يقوم عليها القانون، ومتطلبات الحزم القانوني لحماية المجتمع، خاصة في ظل تنامي بعض الظواهر الإجرامية التي أصبحت أكثر تنظيما وتعقيدا.
ومن المرتقب أن يفتح هذا المقترح الباب أمام نقاش موسع داخل البرلمان وبين مختلف الفاعلين في منظومة العدالة، حول الحدود الفاصلة بين حق المجتمع في الأمن وحق الأفراد في فرص إعادة الإدماج.
يشار إلى أن القانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة قد دخل حيز التنفيذ في 22 غشت 2025، بعد صدور مرسومه التطبيقي، وذلك في إطار توجه المغرب نحو تخفيف العقوبات السالبة للحرية وتشجيع آليات الإدماج، لا سيما في القضايا الجنحية البسيطة.
ومنذ دخوله حيز التنفيذ، بدأت المحاكم المغربية في إصدار أحكام بالعقوبات البديلة، حيث بلغ عددها حوالي 197 حكما قضت بتنفيذ 226 عقوبة بديلة حتى منتصف شتنبر 2025، بحسب معطيات رسمية. وتوزعت هذه الأحكام بين العمل لأجل المنفعة العامة الغرامة اليومية، وإجراءات المراقبة القضائية مثل التردد على مراكز الأمن، والعلاج من الإدمان وبرامج التكوين المهني.
اترك تعليقاً