خبير: قانون مالية 2026 يجمع بين استمرارية المشاريع والتجاوب مع تطلعات الشباب

يمثل مشروع قانون المالية لسنة 2026، الذي حظي بالمصادقة في المجلس الوزاري الأخير تمهيدا لعرضه على البرلمان، نقطة تحول استراتيجية في السياسات العمومية المغربية.
فالمشروع لا يكتفي بضمان استمرارية المشاريع الكبرى التي رسمت ملامح التنمية في السنوات الأخيرة، بل يتجه بعمق نحو تعزيز ركائز الدولة الاجتماعية والاستجابة للتطلعات الجديدة، خاصة تلك التي يعبر عنها شباب “جيل Z”.
وفي هذا السياق، يرى الدكتور ياسين عليا، أستاذ الاقتصاد والباحث في السياسات العمومية، أن هذا المشروع يجسد “فلسفة تجمع بين البناء المستمر والاستماع الفعال لنبض المجتمع”.
أوضح الدكتور عليا في تصريح لجريدة “العمق”، أن البعد الاجتماعي هو السمة الأبرز لمشروع المالية الجديد، مبرزا أن ذلك يظهر جليا في مواصلة تعميم ورش الحماية الاجتماعية، عبر توسيع قاعدة المستفيدين من التغطية الصحية والتعويضات العائلية، وهو ما يمثل ركنا أساسيا في تحقيق العدالة الاجتماعية.
وأضاف الخبير أن الحكومة خصصت ميزانية ضخمة لقطاعي الصحة والتعليم، تصل إلى حوالي 140 مليار درهم، معتبرا أن “هذا الرقم ليس مجرد اعتماد مالي، بل هو استثمار مباشر في رأس المال البشري واستجابة واضحة للمطالب التي رفعها الشباب والمواطنون مؤخرا لتحسين جودة الخدمات العمومية”.
ومن المتوقع أن يساهم هذا الضخ المالي في خلق ما يزيد عن 27 ألف منصب شغل جديد، مما يعزز فرص العمل في قطاعين حيويين ويخفف من حدة البطالة.
ولم يغفل المشروع، حسب تحليل الدكتور عليا، التحدي الأكبر الذي يواجه الاقتصاد الوطني، والمتمثل في ارتفاع معدلات البطالة، خاصة في صفوف الشباب وفي الوسط الحضري. ولتحقيق ذلك، يتضمن المشروع برامج دعم موجهة للمقاولات الصغيرة والمتوسطة، باعتبارها المحرك الرئيسي لخلق فرص الشغل.
وأكد عليا أن “المشروع يوازن بذكاء بين دعم المشاريع الاستراتيجية الكبرى التي تضمن النمو على المدى الطويل، وبين تمكين النسيج المقاولاتي الصغير الذي يضمن ديناميكية سوق الشغل على المدى القصير والمتوسط، مما يضمن استمرار التنمية بوتيرة متوازنة ومستدامة”.
وتأتي هذه التحليلات متوافقة مع التوجهات الرسمية التي كشف عنها بلاغ الديوان الملكي عقب المجلس الوزاري، الذي انعقد اليوم الأحد 19 أكتوبر 2025، حيث وضع المشروع تعزيز النمو الاقتصادي والاستقرار المالي في صلب أولوياته، عبر حزمة من الإجراءات الهيكلية.
ومن بين تلك الإجراءات الهيكلية، تحفيز الاستثمار الخاص عبر تسهيل الإجراءات وتشجيع الاستثمارات الوطنية والأجنبية، وتسريع تنزيل ميثاق الاستثمار لتعزيز جاذبية مناخ الأعمال وجعل المغرب وجهة استثمارية تنافسية.
كما تشمل تلك الإجراءات الهيكلي إطلاق “عرض المغرب” للهيدروجين الأخضر؛ وهو مشروع استراتيجي يضع المغرب في قلب التحولات الطاقية العالمية، بالإضافة إلى تنويع مصادر تمويل الاقتصاد لضمان مرونة أكبر في مواجهة التحديات المالية.
كما يولي المشروع اهتماما خاصا بالمقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة عبر توفير دعم مالي وتقني، ويواكب جهود إدماج الشباب والنساء في سوق العمل. وفي مواجهة التحديات المناخية، يواصل المشروع دعم مربي الماشية المتضررين من الجفاف، ويعمل على إعادة تشكيل القطيع الوطني لضمان الأمن الغذائي.
وتستند هذه التوجهات الطموحة إلى أساس اقتصادي متين. فبحسب البلاغ الرسمي، يتوقع أن يسجل الاقتصاد الوطني نموا بنسبة 4.8% خلال السنة الجارية، وهو معدل قوي مدعوم بانتعاش الطلب الداخلي وحيوية القطاعات غير الفلاحية.
وفيما يعد مؤشرا على نجاح السياسات النقدية والمالية، تم ضبط معدل التضخم عند مستوى منخفض يبلغ 1.1%، كما تم التحكم في عجز الميزانية ليبقى في حدود 3.5% من الناتج الداخلي الخام، مما يعكس توازنا مستداما بين تحفيز النمو الاقتصادي والحفاظ على استقرار المالية العمومية.
ويبدو أن مشروع قانون المالية 2026 ليس مجرد وثيقة محاسبية، بل هو خارطة طريق تسعى لتحقيق تنمية شاملة، تجمع بين الطموحات الاستراتيجية الكبرى والاحتياجات الاجتماعية الملحة لجيل يتطلع إلى المستقبل بثقة وأمل.
اترك تعليقاً