وجهة نظر

فالدمع في فقد الرجال نقيصة .. والزهد في آثارهم إجرام

فالدَّمع في فَقْدِ الرجال نقيصةٌ
والزُّهـــد في آثارهم إجــــــرامُ

مِن صميم أخلاق الشَّعب المغربي الكريم؛ توقير وتقدير العلماء، أحياء وأمواتا، ولو اختلَفوا عندهم وحَوْلهم في مَحياهم، فإنّ الوفاق والإجماع يجمعهُم عليهم حين مماتِهم..، فيُورُونَ مِن أنفسِهم وللعالَم حبَّهم للعالِم، لا سيما إن كانت سيرته ومساره نقيين نزيهين على تقوى من الله ورضوان، وكان له أثرٌ يُرى في مدارسهم وجامعاتهم ومكتباتهم وأبنائهم.

كذا كان المشهَد اليوم من تطوان المحروسة، قلعة العلم وموئل العلماء ومَرقد كثيرٍ من الصالحين والأولياء، في جنازة شيخِ المدينة وفقيهها وعالِمها الموقّر وأستاذ الأجيال الأغرّ، سيدي محمد بن الأمين بوخبزة، التي آوت وجمَعت ما لا يُحصى من خلقِ الله، ذُكرانا وإناثا، شيبًا وشُبّانا، شهودا وإشهادا، حَضْرةً واستحضارا..، كاسِرة طوق التعتيم الإعلامي والرسمي عن شخصِ الرجل الوقور، وجاهرة بحبٍّ وتوقير لم يمازِجه طمعٌ ولا تزلّف؛ فالناس تحجُّ من كل فجّ، وآخرون يتابعون التابوت من عَلا أسطح المنازل والمراكز التجارية، وتتسابق الأيادي لحَمله، ونيلِ شرفِ مجاورته إلى مثواه، في مشهدٍ تُقدّم اللغة العربية فيه استقالتها _رغم جزالتها _ عن وصفه، والإلماع للغائبين بجلاله.

يصِل النّعش، ويصلي عليه مَن لم يدرك الصلاة الأولى بالمسجد الأكبر بمنطقة سيدي طلحة، ويتدافع الناس _كما شاهدنا في الصور والفيديوهات التسجيلية وعن طريق أفواه الرُّواة_، مُتسابِقين إلى باب مدخل المقبرة، للظَّفر بشرفِ إتمام مسارِ الجنازة ونيلِ أجْر المشي خلفها ودفْن صاحِبها..، وعظَمة الموتِ وهيبته وقيمة العالِم تُجلِّل المكان، وغروب الشمس يذكِّر بقُرب وحتمية غروبنا جميعاً ذات يوم.؛ أحوالٌ تزيدُ في وهَج مقامِ الآخِرة، فتختلط العِبَرُ بالعَبَرات، والتّهليل بترانيم التّكبيرات؛ وينتقل النعشُ من يدٍ ليدٍ متبوعٍ بحشودٍ هائلة من المحبّين والتلامذة والعائلة والناس، تعبِّر عن أصالة هذا الشعب الكريم، وإكبارِه للعلم والشّرع والعلماء.

وتعلو أصوات المؤذنين بآذان صلاة المغرب؛ وما يزال التوافُد جماعات وأفرادا على قبر الشيخ، بعد أن وُورِيَ الثَّرى وأُهيل عليه التراب، وكان إلى الله المَـآب.

فرحم الله فقيدنا، وأكرم مثواه، وغفر له ولسائر علمائنا الأحياء منهم والأموات، ولا حرمنا وبلادنا من بركات العلماء، والارتباط بالعِلم، واستئناف إشعاع البلاد والنبوغ المغربي، جيلاً تلوَ جيل.

وكل نفس ذائقة الموت، وإلى الله تُرجعون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *