وجهة نظر

مغاربة العالم بين الانتماء الرمزي والتمثيل السياسي

قراءة نقدية في مقال نزهة الوافي: حين يتحدث من غاب عن الفعل باسم الانتماء

في مقال رأي بعنوان “مغاربة العالم: انتماء بلا حدود”، نشرت الوزيرة السابقة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج، نزهة الوافي، قراءة سوسيولوجية في علاقة مغاربة العالم بوطنهم، مستندة إلى أرقام عملية “مرحبا 2025” التي سجلت نحو 2.79 مليون وافد حتى 4 غشت 2025، بزيادة قدرها 10.37% مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية. المقال يحمل نبرة وجدانية قوية، ويطرح رؤية إيجابية للعلاقة بين الجالية المغربية والوطن الأم، لكنه يثير أيضًا تساؤلات حول مدى تماسك الحجة، وصدقية الاستدلال، ووضوح المفاهيم، خصوصًا حين يصدر عن شخصية كانت في موقع المسؤولية ولم تُظهر خلال تلك المرحلة ما يُثبت عمق الفهم أو القدرة على المبادرة.

هذا المقال لا يهدف إلى تفنيد نوايا الكاتبة، بل إلى تحليل بنية خطابها، واستجلاء بعض الاختلالات المنطقية التي تُضعف الرسالة، وتكشف عن نزعة تبريرية تُغلفها العاطفة، دون أن تُقدم إجابات حقيقية عن الإشكالات التي تعاني منها الجالية المغربية بالخارج.

تمهيد: ما معنى “الخطأ المنطقي”؟

في النقاشات العامة، لا يكفي أن تكون الفكرة مؤثرة أو أن تحمل شحنة وجدانية؛ فالحجة الجيدة تُبنى على منطق سليم، واستدلال متماسك، وتفريق واضح بين المفاهيم. حين يغيب هذا التماسك، يظهر ما يُعرف بـ”الأخطاء المنطقية” أو المغالطات، وهي ثغرات في طريقة التفكير تجعل الحجة تبدو صحيحة ظاهريًا، لكنها تنهار عند التدقيق.

من أبرز هذه الأخطاء:

• الاستدلال الدائري: عندما تُستخدم النتيجة المفترضة كدليل لإثباتها، كأن نقول “هذا صحيح لأنه صحيح”.

• التعميم المتسرّع: استخلاص حكم عام من حالة واحدة أو من بيانات غير كافية.

• مغالطة رجل القش: تشويه الحجة المعارضة لتسهيل مهاجمتها، بدل الرد على جوهرها الحقيقي.

• الخلط بين المفاهيم: استخدام مفاهيم مختلفة وكأنها متكافئة، مما يُربك المعنى ويُضعف الحجة.

• السببية الزائفة: افتراض علاقة سببية بين حدثين لمجرد تزامنهما، دون دليل على أن أحدهما سبب للآخر.

هذه الأخطاء لا تعني بالضرورة سوء نية، لكنها تُشوّش على النقاش العام، خصوصًا حين يتعلق الأمر بقضايا الهوية والانتماء التي تستدعي قدرًا عاليًا من الدقة والعمق.

تحليل نقدي: اختلالات في بناء الحجة

رغم الطابع العاطفي الذي يميز مقال نزهة الوافي، إلا أن البناء المنطقي للحجة يعاني من عدة اختلالات تستدعي التوقف عندها:

• الاستدلال الدائري: حين تقول الكاتبة إن “غياب الجسد لا يعني غياب الانتماء”، وتستدل على ذلك بزيارات مغاربة العالم الموسمية، فإنها تفترض مسبقًا وجود الانتماء لتبرير تلك الزيارات، دون تقديم دليل مستقل على العلاقة السببية بينهما.

• التعميم المتسرّع: تستند الوافي إلى رقم 2.79 مليون زائر في عملية مرحبا 2025 لتفنيد فكرة العزوف، معتبرة أن “الأرقام تُثبت بصورة قطعية أننا لسنا أمام ظاهرة عامة”. غير أن هذا الرقم لا يُمثل كل الفئات، خصوصًا الأجيال الجديدة التي قد لا تزور المغرب، ولا يُحلل دوافع الزيارة التي قد تكون سياحية أو عائلية أكثر منها سياسية أو شعورية.

• مغالطة رجل القش: تطرح الكاتبة سؤالًا استنكاريًا: “كيف يمكن أن نبرر أي حديث عن فتور في الانتماء؟”، دون أن تُحدد من أطلق هذا الحديث أو على أي أساس. بهذا، تُسهل تفنيد فكرة غير دقيقة أو غير موجودة أصلًا، بدل التعامل مع النقد الحقيقي الذي يطرحه بعض الفاعلين حول ضعف التمثيلية أو تراجع المشاركة السياسية.

• الخلط بين المفاهيم: حين تؤكد أن “الهوية لا تُقاس فقط بمدى التواجد المادي، بل بعمق العلاقة الشعورية والرمزية”، فإنها تدمج بين الهوية الثقافية والمواطنة السياسية، وتعتبرهما متكافئين. هذا الخلط يُغيب الفارق الجوهري بين الانتماء الرمزي والحقوق الفعلية، خصوصًا في ما يتعلق بالتمثيل السياسي أو المشاركة المؤسساتية.

• مغالطة السببية الزائفة: اعتبار ارتفاع عدد الزوار في عملية مرحبا دليلًا على قوة الانتماء يُغفل تعدد الأسباب المحتملة، مثل العطلة الصيفية، التزامات عائلية، أو حتى الاستثمار العقاري. العلاقة بين السبب والنتيجة هنا غير مثبتة، وتحتاج إلى تحليل سوسيولوجي أعمق.

خاتمة

إن الدفاع عن مغاربة العالم لا يُبنى على العاطفة وحدها، ولا على أرقام موسمية تُستعرض كل صيف، بل على فهم عميق لتحدياتهم، واستجابة سياسية حقيقية لمطالبهم في التمثيل والمشاركة. المقال الذي يُراد له أن يُقنع، لا يكفي أن يُلامس القلب، بل يجب أن يُخاطب العقل بمنطق متماسك واستدلال رصين.

وإذا كانت الوزيرة السابقة اليوم تُنظّر لانتماء الجالية وتُدافع عنه من موقع المراقب، فإن السؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح هو:

أين كانت السيدة الوزيرة لمعالجة هذه المشاكل أو استشراف الحلول قبل حدوثها، لما كانت مسؤولة على القطاع؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *