وجهة نظر

في الحاجة إلى تأسيس معهد وطني مختص بالوحدة الترابية وقضية الصحراء

مدينة العيون

وأنت تتصفح الإنترنت، لستُ متأكداً من أنك ستتوقف لقراءة هذا النص ، ليس لأي سبب آخر سوى أن هذه المواضيع لا تروقك، و لا تجذبك. لقد سبق لي كتابة مجموعة من المقالات حول هذا الموضوع الذي غرسته في كياني تجربة تدريسي بالجنوب بين سنة 1997 و 2006 ، لكن كنت أقف على مدى ضُعْف مقروئيتها و التفاعل معها. لكن، رجاء تمهل قليلا، و لا تستعجل الذهاب إلى صفحات السلفيات و أشرطة أخبار الفضائح، فمهما كان لن يجديك ذلك نفعاً، أمام حساسية قضية يهتمُّ بها الأجانب و الخصوم قبل أهل الأرض و الداخل. إذْ يكاد يكون كل ما يعرفه أهل الأرض حول قضيتهم الوطنية الأولى هو تلك القُصاصات السنوية التي تولد و تموت في في أبريل من كل عام، أو، استثناءً، كُلما دعت الضرورة بتعيين مبعوث أممي جديد، أو الوقوف على تصريح منسوب لأحد جنرالات الجارة الجزائرية، أو أحد زعماء جنوب إفريقيا، أو العثور على تسريبات تَتحدَّثُ عن ضبط سرقة المتاجرين بمآسي المُحتجزين للمساعدات الإنسانية التي يُقدمها دافعوا الضرائب الغربيين لمن تمت محاصرتهم داخل فخ صنعه صيادون يرون في كل شيء متحرك طريدة.

قضية الوحدة الترابية، التي تستعمل كتعبير مرادف، و لربما مجازيّ، لقضية الصحراء المغربية، أكبر بكثير –بل أخطر– من كل هذا. سأحاول فيما يلي تقريبك من الموضوع، و من عدة زوايا، بنية أن نلتفت و نلتف جميعا حول هذه القضية المصيرية، التي كلفتنا الكثير، و ستكلفنا أكثر ما لم نعمل على إنهائها وفق رؤية واضحة و برنامج محدد. إليك النقط التالية، و يبق عليك أنت أن تضعها في سياقها المناسب و تحاول قراءتها على ضوء التطورات التي يشهدها العالم، و التي لا تعطي فرصة لغافل، و لا تمهل متعثر. إليك النقط التالية:

إن موضوع الصحراء بشكل عام كَتَبَ و يكْتُب عنه الأجانب، خاصة الإسبان، و الإنجليز و الأمريكيون، و حتى الأتراك مؤخرا، في إطار سعي تركيا إلى جعل افريقيا مجالا جيوستراتيجيا لها مع وصول رجب طيب أردكن إلى السلطة مع بداية هذه الألفية. إن كان هذا يعني لك أي شيء، فيجب أن يعني أن العائق اللغوي يحول بين المضمون الفكري لتلك الكتابات و بين القارئ المغربي. أما الشريحة التي تعلمت اللغات الأجنبية فإنها مُنشغلةٌ بتدريسها في المدارس العمومية و الخصوصية و لا يبق لها وقت للقراءة خارج مناهج المادة و كتب “تمارين و حلول”، أو تستعملها لتبادل التحايا عبر التواصل الفوري، فأنى لها أن تَنْكَبَّ على التأليف أو الترجمة على الأقل.

إن جميع تلك الكتابات، و بدون استثناء، لها موقف معادي تماما للطرح الوطني الرسمي. مرد ذلك المجهودات الإنشقاقية (separatist) التي تقوم بها دياسبورا (Diaspora) الجبهة التي تجد ترحيبا –من الباب الإنسان المحض طبعا– في كل من إسبانيا و البلدان الإسكندنافية( الدانمارك، السويد، النرويج، و فنلندا) و إلى حد ما في أنجلترا.

غياب معهد رسمي أو مركز بحثي يهتم بسؤال الصحراء (The Question of The Sahara)، سواء في صيغة مستقلة، أو في إطار مراكز فرعية تابعة “للجامعات” المغربية. هذه المراكز يجب أن تُخْلقَ و أن تحمل اسم أكاديمية، (تماما كباقي الأكاديميات الوطنية السامية)، و أن تنكب على القيام بالأبحاث و صياغة المقاربات و بناء الجسور الديبلوماسية و تنظيم معاهد صيفية للصحفيين و المفكرين و البرلمانيين الأوربيين و الأمريكيين، سواء منهم المهتمون بعدالة القضية أو بالمتحاملين على وحدة المغرب، و أن تشكل المدن الجنوبية، كمدن كلميم و العيون و الداخلة، فضاءً لاستقبال و احتضان تلك البرامج التكوينية، وأن توظف المختصين و المفكرين الذين يجيدون اللغات الأجنبية المؤثرة، و أن تكون من مهام هؤلاء ترجمة الكتب و المقالات و المحتويات الرقمية حول الموضوع و إعداد الردود الأكاديمية لها إن كانت تنم عن عداء أو سوء تقدير أو فهم.

علينا أن نعرف أن السياقات التاريخية و التوازنات السياسية تتغير باستمرار، و أنه مادام أمر قضيتنا لم يستوي على الجودي بعد، فمن الأفضل أن يتم الحسم فيه بالحجة و الدليل و الاستثمار الهائل للمال و الوقت و الطاقات من أجل إخراس المعتدين و إيقاظ الغافلين أو “المغرر بهم” سواء كانوا مغاربة أو أجانب. اليومَ قبل الغد. فخير البر عاجله، كما يُقال.

شخصيا، استطعت—و بمجهود ذاتي محض—تجميع عشرات الحجج التي يمكنني أن أدافع بها على مغربية الصحراء، لدرجة أصبحت تؤلمني الفكرة التي سلم بها المغاربة جميعا و التي يبدو أن فيها انصياع لنضالات الانفصاليين، و التي تذهب إلى طرح الحكم الذاتي أو الموافقة على حل يرضي الطرفين. فَأَنَّى لك أن تُرضيَّ طرفاً يُنَصّبُ نَفْسهُ خصماً لك، و يخوض حربا ضدك بالوكالة، خاصة و أن خريطة المغرب كانت تمتد في وقت ما إلى آلاف الكيلومترات شرقاً و جنوباً، و ظلت جامعة القرويين بفاس بالنسبة للأفارقة بمثابة مكة بالسعودية لباقي المسلمين من شتى أنحاء المعمور.

أكثر من هذا، هناك مقاربات أصيلة من شأنها أن تسمح بحل هذا المشكل/النزاع من القاعدة، بدل رهن القضية برمتها في أيدي ديبلوماسيي الأمم المتحدة الذين يتصرفون كموظفون أجانب، و ليس كمواطنين محليين معنيين بتبعات السلم و الحرب عليهم و على الأجيال التي ستأتي من بعدهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *