وجهة نظر

هل نتوقع “انتفاضة” ديبلومسية مغربية تجاه فلسطين؟

لم يجف بعد مداد الموجة الجديدة من التطبيع مع الصهاينة التي شملت عددا من الدول، والتي كان الجديد فيها اكتساب المطبعين نوعا من الجرأة غير المسبوقة في الدفاع عن قراراتهم، حتى نزل عليهم الكيان الصهيوني بصفعة مدوية تبخرت معها شعارات السلام في رؤوسهم، ليستفيقوا على حقيقة الكيان الوحشي المغتصب، وهو يهجر الأبرياء ويروع ويقتل الأطفال والمدنيين من جديد.

وإذا كان التطبيع المغربي قد تلبس بالقضية الوطنية، مما وفر أرضية سياسية انزلق فيها ملف التطبيع إلى نوع من الشمول الممنهج والمتسارع، واكتسب فيه المسؤولون جرأة غير مسبوقة في الدفاع عن قراراته، فإن تأكيدات الدولة المغربية على “تمايز” ملفي التطبيع ونصرة القضية الفلسطينية، وتأكيد كونها قضية وطنية لا يمكن المساومة بها ولا ضدها، تفرض على المغرب، في ظل التطورات الأخيرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، تأكيد ذلك التمايز بشكل واضح وقوي.

وإذا كان قرار التطبيع قد صاحبته تحليلات سياسية رسمية تؤكد “العمق الاستراتيجي” للمغرب في “إسرائيل” بناء على وجود “جالية يهودية من أصول مغربية” في دولة الكيان تقارب المليون “مغربي” فإن فرصة تأكيد مزاعم التوفر على هذا العمق اليوم ماثلة ليستثمرها المغرب كورقة ضغط على دولة الكيان، لتكف عن جرائمها، أولا، وتباشر “حل الدولتين” ثانيا، بشكل واضح وعملي.

وإذا كان إعادة قطع العلاقات مع الكيان هو ما يتطلع إليه الشعب المغربي، فإن الأمرين السابقين على الأقل، تأكيد نصرة القضية بشكل قوي وعملي، وتجريب مزاعم العمق الاستراتيجي من خلال “الجالية”، هما المؤشران الرئيسيان المنتظران لتعزيز مصداقية الخطاب الرسمي حول فلسطين من جهة، وتأطير إعادة تطبيع العلاقات مع الصهاينة ثانية بما يميزه عن التطبيع المشرقي الذي لا يخفي مواقف معادية للمقاومة الفلسطينية، ولا يتردد في الدخول في أجندات محاصرتها والتضييق عليها.

المنطقي أن التطورات الأخيرة، التي حملت المغرب إلى واجهة التطبيع مع “إسرائيل” من باب “المكره”، بالنظر إلى ملف الصحراء، ومن باب “لاعب يستطيع التأثير على إسرائيل”، بالاستناد إلى الكثير من التحليلات التي حاولت تبرير خطوة التطبيع بعوامل اقتصادية وتاريخية وجيوسياسية، تفرض على المغرب دخول دائرة المؤثرين في مسار القضية الفلسطينية، باستثمار تلك التطورات وتأكيد استقلالية قراراته السياسية، وثبات مواقفه المبدئية حول القضية الفلسطينية. علما أن المغرب منخرط مند عقود في ملف فلسطين، سواء من باب رئاسة لجنة القدس، أو من خلال الالتزام بمواقف وقرارات جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الاسلامي، أو من خلال العمق التاريخي الذي يربط الشعب المغربي بالشعب الفلسطيني مند قرون، والذي تشهد له أوقاف المغاربة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

نعم، لقد أصدرت الخارجية المغربية يوم الأحد 9 ماي بيانا مقتضبا على موقعها الرسمي حول تطورات الأحداث في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وجاء فيه: ” تابعت المملكة المغربية بقلق بالغ الأحداث العنيفة المتواترة في القدس الشريف وفي المسجد الأقصى وما شهدته باحاته من اقتحام وترويع للمصلين الآمنين خلال شهر رمضان المبارك. وتعتبر المملكة المغربية التي يرأس عاهلها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، لجنة القدس هذه الانتهاكات عملا مرفوضا ومن شأنها أن تزيد من حدة التوتر والاحتقان، كما تعتبر أن الإجراءات الأحادية الجانب ليست هي الحل وتدعو الى تغليب الحوار واحترام الحقوق، وتؤكد على ضرورة الحفاظ على الوضع الخاص لمدينة القدس وحماية الطابع الإسلامي للمدينة وحرمة المسجد الأقصى المبارك”.

والبيان السابق، كما هو واضح من نصه، خطوة مهمة، لكنها غير كافية. ذلك أنه، مقارنة مع الحماسة الكبيرة التي دبرت به خطوة التطبيع، لم تواكبه جهود ترويجية لمضامينه، سواء في الإعلام العمومي أو في الإعلام الخاص، ولا أعلن عن عمل دبلوماسي موازي يترجمه على الواقع، باستثناء مزاعم حملتها تسريبات صحافية غير مؤكدة. وتم الاكتفاء بنشر نص البيان في الموقع الرسمي للخارجية المغربية، وتعاملت معه وسائل الاعلام بشكل عادي لا يتجاوز الإخبار. مما حوله إلى عمل شكلي قد لا يكون له أثر.

وبالنسبة لمسمى “الجالية اليهودية المغربية في إسرائيل”، لم نلمس بعد أي تحرك يترجم موقف المغرب المعلن عنه في بيان وزارة الخارجية، على غرار احتفاءها القوي بخطوة التطبيع بين المغرب و “إسرائيل”، مما يؤكد بعد مواقف تلك “الجالية” عن التناغم مع سياسات المغرب تجاه القضية الفلسطينية، وخاصة ما يتعلق بحل الدولتين، وقدرتها على الانحياز إلى سياسة “بلدها الأصل” المزعوم، والذي لا يعني بالضرورة وقوفها ضد دولة “إسرائيل” بقدر ما يعني اتخاذ مواقف نقدية تجاه سياساتها بما يرفع اللبس عن مزاعم اعتبارها “جالية يهودية مغربية”، وخاصة وأن مواقف المغرب، على الأقل من موقع ترأسه لجنة القدس، متضررة من السياسات الإسرائيلية التي تهدد الوضع القانوني للقدس وتهدد بتغيير معالمها الاسلامية الأصيلة.

إن المغرب بعد قرار التطبيع، مطالب بمواقف أكثر قوة في تعامله مع القضية الفلسطينية. مواقف تخرجه من دائرة تطبيع موسوم بالخيانة، إلى دائرة الفعالية في مناصرة القضية الفلسطية على غرار ما تقوم به دولة تركيا مثلا. والمغرب أقوى من الناحية الرمزية للعب هذا الدور الفعال، سواء من موقع رئاسته لجنة القدس، أو من موقع دولة تراهن عليها “إسرائيل” في تعزيز تموقعها الجيواقتصادي في القارة السمراء، أو من موقع دولة “لديها” إحدى أكبر “الجاليات” داخل دولة “إسرائيل”. لكن البيان المقتضب للخارجية، والتأطير البارد لصدوره وترويجه الاعلامي، وغياب جهود ومبادرات دبلوماسية لترجمته على أرض الواقع، كلها عوامل تبعد الموقف الرسمي للدولة المغربية عن تطلعات الشعب المغربي فيما يتعلق بقضيته الثانية قضية فلسطين. فهل نتوقع قريبا مراجعة تفضي إلى “انتفاضة” ديبلومسية مغربية توظف كل الامكانات الرمزية التي للمملكة لنصرة القضية الفلسطينية في مستقبل الأيام؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *