وجهة نظر

قصتي مع العربية

سببان جعلاني لا أكمل دراستي العليا في الدراسات العربية؛ الأول ارتبط بالنحو والعروض، كنت أستشعر المواد المدرسة جافّة لا تصل إلى وجداني، الثاني مردّه كون الدراسات الفرنسية تُوفر حظوظا أكبر لولوج مهنة التدريس. أحلامنا كانت بسيطة بالنظر إلى خصوصيات المنطقة التي كبرنا فيها، كان الفقرُ جبارا لا يرحم، وأدنى فرصة للانخراط في الحياة نقبض عليها بالنواجد. لا مجال للتفكير أو الاختيار، أن نؤمّن مورد عيشٍ أولوية قصوى، في زاكورة المقصية من فرص التنمية.

عملتُ بنصيحة أستاذة الفرنسية، تسجلتُ في في شعبة الدراسات الفرنسية، وبدأت المسار. الحصة الأولى كونتُ انطباعا كاد أن يضع حدا لمسيرتي في هذا التخصص. عدتُ إلى المنزل بشارع المسيرة بحي الداوديات، خائبا محبطا لما رأيت طالبة مراكشية، بكلية الآداب تقدم عرضا بطريقة سلسة، تُظهر مدى تعودها على لغة موليير، بينما أنا، طبعا لست وحدي، أتابع من الخلف باندهاش وحيرة، والأفكار السوداء تتقافز في رأسي،يبدو أني أسأت الاختيار، تبا للغة الاستعمار.

مع توالي الأسابيع، عقدت عزما على الاجتهاد، رغم أن حلقيات الرفاق بالحي الجامعي كانت تجذبني لأن الخطاب الدائر يعكس ما أكبحه في صدري، يصف حالة بلدتي وسكانها في المغرب العميق. إلا أنني بادرتُ فتعرفت على مدام بوفاوري، البؤساء، أزهار الشر، عبر النصوص، كنت أجبر نفسي على القراءة لأجود لغتي وأنفتح على لغة بلاد الأنوار، كان للسينما أيضا الفضل في التعرف على الإرث الأدبي لفرنسا بتوجيه من الأستاذ المحترم أيت همو، هذا التراكم البسيط أهّلني للوج إلى مهنة التدريس، ولم يتبق الكثير لتمر العشرية الأولى في المجال.

قضيتُ ثلاث سنوات في التدريس، ضيعتُ فيها وقتا كثيرا، لم تكن القراءة من أولوياتي، كأن مشروعي الشخصي توقف بتوفقي في مباراة التعليم، ضيعت وقتا كثيرا إلى أن قرأتُ صدفة رواية الربيع والخريف لحنا مينه، أدهشني النص وشدني إليه. كنتُ أبحث عن طريقة لتحقيق المتعة وقتل الوقت فوجدت في قراءة الروايات ضالتي، لم أكن ولست قارئا نهما، لكن أقرّ بأن الأدب عامة والرواية خاصة معالج نفسي ساعدني كثيرا على التأقلم مع تقلبات الدهر.

أقرأ باللغة العربية وكما كتب عبد الفتاح كيليطو” أتحدث جميع اللغات لكن بالعربية”، لست ملما بقواعدها، وأحاول كل يوم أن أصحح أخطائي وأجود لساني. إنما لا أميل لتلك اللغة المحنطة التي لا تساير روح العصر، هناك من يريد أن يجعل من اللغة صنما، اللغة الفصيحة بالنسبة لهؤلاء هي تلك التي تمتح من قاموس الجاحظ والكتاب القدامى عامة، في المقابل هناك كتاب مجدون مبدعون جعلوا من اللغة كائنا يفعم بالحيوية عبر نصوص تحقق المتعة والإفادة، لمثل هؤلاء نرفع القبعة.
وكل عام واللغة العربية بخير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *