وجهة نظر

بوصوف يكتب: هل تخون الجزائر حليفها التقليدي روسيا ؟

لا أعتقد أن جنرالات “سونطراك” ينامون قريري العين منذ اجتياح القوات الروسية للحدود الأوكرانية يوم 24فبراير…إذ فَـرَضت عليهم معادلة الحرب الساخنة في أوكرانيا…الإختيار بين الحليف التقليدي روسيا الاتحادية من جهة ، أو الغرب و أمريكا من جهة ثانية…و بذلك ينتقل الغاز الطبيعي من نِعمة يرفل فيها ” جنرالات سونطراك” وحدهم دون باقي الشعب الجزائري الشقيق المرابط في طوابير الحليب و اللحم والخبز…الى نِـقمة قد تجعل رؤوسهم مطلوبـة أمام هيئات حقوقية و قضائية دوليــة…

لقد جعل جنرالات الجزائر من البترول و الغاز سلاحا لتصفية حساباتهم مع خصومهم و في مقدمتهم المغرب بعدم تجديد عقد أنبوب “MEG ” يوم 31 أكتوبر 2021… إذ كان الهدف هو عزل المغرب عن محيطه المتوسطي خاصة أثناء ذروة أزمته مع اسبانيا وانفجار قضية الانفصالي بن بطوش/ إبراهيم غالي، بالإضافة إلى تهديد الاستقرار الداخلي بخلق كُـلفة اقتصادية ( ارتفاع أسعار المحروقات و التنقل و المواد الأولية…) وما قـد يَـنْتج عنها من كُـلفة إجتماعية ( اضطرابات اجتماعية…)..

وباعتبار الجزائرهي ثالث مورد للغاز الطبيعي الى أوروبا بعد كل من روسيا بنسبة 41 في المائة و النرويج 16,2في المائة والجزائر 7,6 في المائة من جهة ، و أول مورد لإسبانيا من جهة ثانية…فـقد نُـقِـلت معركة الغاز الطبيعي بين موسكو و بروكسيل في إطار البحث عن تعويض الغاز الروسي الى البحر المتوسط… وهو ما يعني فتـح لائحة الاصطفاف بين هذا الطرف أو ذاك ، مع كل ما يترتب عليه من نتائج سياسية و اقتصادية…

على المستوى الديبلوماسي ، فقد صرحت الجزائر من خلال رئاستها أو من خلال مُسيرو سونطراك عن استعدادها لتزويد أوروبا باحتياجاتها من الغاز الطبيعي في الحالات الصعبة…كما تحركت سفاراتها بدول الغرب الأوروبي لطمأنتهم و بأن الجزائر شريك موثوق في إلـتزاماته و تعهداته …

لكن هل كان جنرالات سونطراك جادين في تعويض الغاز الروسي..أم كانت فقط مناورات و بيع ” كلام معسول ” للشركاء الأوروبيين و الأمريكيين في انتظار نتائج المفاوضات بين روسيا و أوكرانيا ،لإنهاء الحرب..؟ و ما يعني ذلك من جني نتائج سياسية لصالح بروباغندا الجزائر و فرض أطروحة الانفصاليين على الأجندة الأوروبية…؟

وعلى المستوى التاريخي، فلا يمكن إنكار أفضال موسكو والمعسكر الاشتراكي على النظام الجزائري منذ إعلان استقلالها سنة 1962..في العديد من المجالات وفي مقدمتها مجال التسليح ، إذ سجلت بعض التقارير ان موسكو زودت الجزائر بأسلحة تقدر ب 11مليار دولار بين سنوات 1962 و1989…و خلال زيارة الرئيس ” فلاديمير بوتين ” للجزائر سنة 2006 ، سيُعلَـن عن إلغـاء ديون الجزائر لفائدة موسكو تقدر ب 4.7 مليار دولار ، و توقيع عقود شراء أسلحة بقيمة 7,5مليار دولار..وهو ما جعل من الجزائر ثالث زبون لموسكو في مجال التسليح و برامج التدريب داخل التكناث الروسية…

كما شمل التعاون مجال الطاقة بـتوقيع كل من العملاق الروسي Gazprom و Sonatrach الجزائرية ” بروتوكول تفاهم ” حول انتاج الغاز الطبيعي و تحديث الحقول و المنشآت سنة 2006 ، و جرى الحديث سنة 2014عن توسيع التعاون الى مجال الطاقة النووية و مفاعلات نووية، لكنه بقي مجرد نوايا و مشاريع معلقة…
ومن جهة أخرى ، فقد أعْتُبرت الجزائر من أول الدول التي سارعت إلى استعمال اللقاح الروسي Sputnik ضد كورونا…

و في 2 مارس 2022 سيختار جنرالات الجزائر الامتناع عن التصويت على قرار يُـدين روسيا بشأن أوكرانيا في الجمعية العمومية للأمم المتحدة…

لذلك لا نعتقد انه بعد كل هذا التراكم التاريخي لعلاقات الجزائر / موسكو..سيجرؤ جنرالات سونطراك في الذهاب أبعد من إطلاق “مفرقعات ” إعلامية و مجاملات و وعود ديبلوماسية / سياسية في مجال تعويض دول الاتحاد الأوروبي عن الغاز الروسي..وهو ما كشفه تصريح ” توفيق حكار ” المسؤول الأول عن ” سونطراك ” بأن الجزائر يُـمكنها مساعدة دول الاتحاد فقط بعد تلبية احتياجات السوق الوطنية ( 43,2 مليار متر مكعب سنويا ) و تنفيذ إلتزاماتها التعاقدية…

وهو ما ينقلنا للسؤال الأكثر جدية ، أي هل تمتلك الجزائر الوسائل التقنية و اللوجستيكية لتعويض الغاز الروسي ، حتى لو فرضنا ” مجازا ” رغبتها في مساعدة الغرب بطعم الطعن للحليف الروسي…؟

لقد انقلب السحر على الساحر بعدم تجديد الجزائر لعقد أنبوب MEG المار عبر التراب المغربي نحو اسبانيا ( أوروبا ) ، و الاكتفاء بأنبوب ” ميدغاز” عبر ألميريا (اسبانيا ) و أنبوب TransMed المار عبر التراب التونسي نحو إيطاليا ( أوروبا)..

وهو ما يجعل الجزائر بعيدة عن لعب أي دور قوي في سباق تعويض الغاز الروسي …أمام ضياع 12مليار متر مكعب وهو صبيب أنبوب MEG والاكتفاء فقط ب8 مليار متر مكعب ” ميدغاز ” و 30 مليار متر مكعب TransMed …في حين يـبلغ صبيب أنبوب ” نورد ستريم 2 ” الروسي وحده حوالي 55 مليار متر مكعب…وهو ما جعل من الجزائر مُـوَرِدا غير موثوق به ، و لذلك فضلت اسبانيا مثلا الغاز الطبيعي الأمريكي رغم إرتفاع تكلفته….

لكن النظام الجزائري يحتاج الى ساحة جديدة يُصَرف فيها إخفاقات سياساته الداخلية، كما يحتاج للقمح الروسي و الاوكراني ، و يحتاج أيضا الى تلميع صورته بالخارج خاصة بعد أزمته في ملفات ” الذاكرة المشتركة” و ” الاقدام السوداء ” مع فرنسا المقبلة على رئاسيات مهمة ضد اليمين المتطرف في ابريل المقبل..

فمما لا شك فيه ، أن هناك رغبة قوية لـدى جنرالات سونطراك بالظهور بمظهر ” الفاعل ” في معادلات العلاقات الدولية و لو بلعب دور ” ثانوي” أو ” بالوكالة ” …لـذلك هل سيقفز جنرالات الجزائر من سفينـة روسيا ـ بوتين..بـالزيادة في معدلات صادراتها من المواد الاحفورية الى دول الغرب نكايـة في موسكو…؟ و هل الثمن سيكون هو غـظ الطرف عن ملفات حقوق الانسان و حرية الاعلام و الحرية الدينية بالجزائر…كما يقول العديد من المراقبين…؟

في الوقت الراهن لا تملك الجزائر ” الورقة الرابحة ” في معركة تزويد أوروبا بالغاز الطبيعي.. بوجود دول منافسة تتكل في مجموعة ” شرق المتوسط ” للغاز ، و كذا بتعثر مشاريع أنابيب غاز منذ عشرات السنين ، كأنبوب GALSI وهو المار عبر جزيرة سردينيا الإيطالية نحو باقي التراب الإيطالي و بمقدار 8 مليار متر مكعب سنويا…و للإشارة فقد جرى الاتفاق ببداية إنجاز المشروع منذ سنة 2009 مع تحديد بداية الاستخراج في سنة 2012 و بتكلفة 3 مليار دولار..إلا أن المنافسة القوية للشركة الروسية Gasprom ستجعل من توقف اشغال أنبوب GALSI يتكرر على مدار سنوات عديدة…

التعثر شمل ايضا أنبوب الغاز ” العابر للصحراء ” من نيجيريا الى الجزائر عبر النيجر ، وهو الأنبوب الذي بدأ الحديث عنه منذ سنة 2009 و بعد توقف طويل سيعود للواجهة في أكتوبر من سنة 2018… أي مباشرة بعد توقيع اتفاقية تعاون بين أبوجا عاصمة نيجيريا و المغرب في نفس السنة حول أنبوب ” افريقيا الأطلسي ” و الذي كان ثمرة الزيارة الملكية لأبوجا في دجنبر من سنة 2016… وفي دجنبر 2021 سيحسم ” تميبري سيلفا ” وزير الطاقة النيجيري على هامش مشاركته في Gastech بمدينة دبي الإماراتية …برغبة نيجيريا في انجاز الأنبوبيْـن معاً مع تخصيص الانبوب الجزائري لاحتياجات الدول الافريقية ، فيما سيتكلف الانبوب المغربي باحتياجات السوق الأوروبية من الغاز الطبيعي…

وسواء تعلق الامر بمشروع GALSI مع إيطاليا ، أو مشروع العابر للصحراء ” مع نيجيريا… فإن الجزائر لن تستطيع تعويض الغاز الروسي على المدى المتوسط…و يلزمها الكثير من الوقت لإنجاز المشروعيْن و البحث عن شركاء لتغطية الكلفة المالية الباهضة…فهل ستخون الجزائر حليفها التاريخي روسيا بالدخول في شراكات استراتيجية في سياسات الأمن الطاقي للدول الغربية..؟ أم أن الأمر هو مجرد ” شطحات إعلامية ” لجنرالات سونطراك أمام استحالة تعويض ” الدب الروسي ” في السوق الأوروبية للطاقة..و استحالة تعويض السوق الجزائرية من القمح الروسي و الأوكراني…؟ سنُتـابِـع…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *