منتدى العمق

كبوة الديبلوماسية المغربية

ضجت هذه الأيام جميع المنابر الاعلامية بمختلف أطيافها و توجهاتها، و جميع وسائل التواصل الاجتماعي بالخبر الذي هز كيان الشعب المغربي وجعل الكل في سلة الدفاع عن الوطن و لو باللسان؛ ذلكم الأمر الهام و المقلق هو دعوة الرئيس التونسي لزعيم جبهة البوليساريو الانفصالية لحضور القمة الإفريقية / اليابانية المنعقدة في تونس، و ما زاد الطينة بلة و أرسل رسائل السبق و الاصرار هو ذهاب قيس سعيد بنفسه لاستقبال زعيم الانفصاليين المزعوم في المطار، متجاهلا مجموعة من زعماء الدول الإفريقية، الذين كان من باب أولى أن يكون هو في استقبالهم.

أنا في الحقيقة لا أريد أن أقلد السواد الأعظم من أبنائي وطني وأكون نمطيا وتقليديا في كلامي؛ فأنا أعشق التغريد خارج السرب عندما يظهر لي وجوب ذلك، وهذا التغريد ليس بالضرورة خروج عن الموضوع أو المألوف أو ابتغاء التميز أو شيء من هذا القبيل، ولكن كرهي لإعادة الكلام المستهلك والبعيد عن الموضوعية والانصاف والغارق في الاثنية المركزية هو ما يجعلني في هذا التغريد أهيم، وإلا فالسكوت أحسن وأسلم.
يبدو جليا أن الكل يحمل المسؤولية الكاملة للجانب التونسي الشقيق في هذا الاعتراف المبطن بهذه الميليشية – التي كانت وما تزال حجرة عثرة أمام ميلاد المغرب الكبير- وهذا الكلام -لا شك – فيه من الصحة ما يستحق المداد الغزير، وواضح كذلك أن هذه خطوة لم تتخذ بين ليلة وضحاها، وإنما أتت بعد دراسة معمقة لمآلاتها المستقبلية القريبة منها والبعيدة، ولا أعني هنا صحة أو خطأ ما اتخذ من قرارات في هذه القضية، فهذا راجع إلى المنظار الذي يستعمله كل فريقن سواء المغربي أو التونسي.

وبالمقابل فإن تونس لا تتحمل كل ما تفجر من توترات، ولكن الدولة المغربية لها حصة الأسد في هذه الكبوة، وأخص بالذكر هنا الجانب الديبلوماسي. فمما لا شك فيه أن تونس لا يمكن أن تحرق أوراقها بهذه السهولة إن لم تكن تقاضت ثمن هذا الاحراق؛ فهي ليست بتلك السذاجة التي يظنها الكثير من الناس، حتى تخاطر بفقد أحد الدول الاستراتيجية في إفريقيا، والتي استفادت منها في مناسبات كثيرة، ولكن مصلحة قصر قرطاج رجحت على غير العادة كفة الانفصاليين على حساب العلاقات التاريخية العريقة بين البلدين، ومعلوم في السياسة بالضرورة أنه لا توجد صداقات ولا عداوات دائمة وإنما لغة المصالح هي السائدة.

وكما أن منصفو الجزائر يعترفون بإخفاقات العسكر أمام الانتصارات التي تحققها الديبلوماسية المغربية، فعلينا نحن كذلك أن نعترف بأن لوبي الجزائر حقق نقطة ليست بالهينة، خاصة وأنه استطاع هذه المرة استمالة أقرب أشقائنا إليها، والتي وإلى وقت قريب كنا نظنها بلسم الجروح والسند الدائم والمخلص.

ولا شك أن فرنسا الجائعة والجاحدة لها اليد الطولى في هذا التوتر، فهذه الدولة تصطاد دائما في الماء العكر وتعيش عيش الطفيليات؛ فهي تحاول جاهدة الحفاظ على التوازنات في المنطقة حتى يتسنى لها استغلال نقاط ضعف كل الدول لصالحها أحسن استغلال، حيث ما زالت تؤمن بالمنهج الاستعماري القديم ” فرق تسود ” وهكذا أكلت الدول الشقيقة يوم استعمرت بالوكالة.

ومن هذه الكبوة نستشف أن المطبخ الديبلوماسي المغربي يعرف حرائق داخلية شغلته عن المعارك الحقيقة، وأعطت الوصفات غير المدروسة الفرصة لأعداء الوحدة الترابية للتكالب والاستهانة بقدرات المملكة، ويمكن أن نقول إننا خسرنا هذه المعركة داخليا قبل أن نخسرها خارجيا، وبالتالي وجب علينا إصلاح بيتنا أولا، وتعليق كل الحسابات الضيقة التي تضر بمصلحة الوطن العليا، وبذلك نتجنب طعنات الأشقاء التي هي أدهى وأمر. ورغم كل ما قيل، فهذه الكبوة تشبه إلى حد كبير الجراثيم التي تدخل الجسم، فهي إن لم تقتله تقويه وتزيده قوة مناعية فعالة، وتعرفه بمن يدور في فلكه بالخير أو الشر.

منتصر البغدادي
طالب باحث في ماستر “الدين والثقافة والهجرة”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *