وجهة نظر

غسان فميريكان 2: الإحترام والثقة‎

وصلنا إلى واشنطن، وقد قطعت وعدا على نفسي في شيء واحد و وحيد، أن لا أغطس في مستنقع المقارنات، و أجلس لساعات أمام ميزان الحقوق و الإنخراط و السلوك و المعاملات و التطور و الإحترام و التكنولوجيا و الخدمات، و أنتظر أي كفة سترجح..كانت النتيجة متوقعة مسبقا، لذا اختصرت على نفسي مرارة التفكير و طرح السؤال الشهير : و علاش حنا معندناش؟..لكنني كنت متأكدا أنه في لاوعي سأستغرب، و أقارن.. في الأخيرأنا إنسان..

كنت الشاب المغربي الوحيد المشارك مع الوفد العربي الذي تعرفت عليه أثناء وصولي، و الأجمل أنني كنت أصغرهم سنا، حتى و أنه يوما ما مازحني أحدهم قائلا ماذا تفعل معنا هنا و أنت في هذه السن الصغيرة، أجبته بتمغربيت الأصيلة : يجب عليك إعادة صياغة السؤال، و تطرح على نفسك لماذا أنت أتيحت لك هذه الفرصة متأخرا في بداية الثلاثينات..بدل 10 سنوات من قبل…

لم أستطع أن أرتاح في الفندق الذي يبعد عن البيت الأبيض بخمسة عشر دقيقة مشيا على الأقدام، أخدت وقتا قصيرا لتغيير ملابسي، ثم خرجت لأكتشف ما كنت أشاهده على شاشات التلفاز، كان الهدف من خروجي تلك الليلة أن أتوه..صدقا..لأن لدي قناعة أنك عندما تتيه في بلد ليس بلدك، فذلك يعني أنك تكتشف و راك غادي فالطريق الصواب..

خرجت أبحث عن مكان أشتري منه بعض الأغراض الخاصة، ثم مررت لأحد المطاعم، وسألته عن أكل حلال، كان الرجل في الخمسينات من عمره، ابتسم في وجهي و قال لي أنه موجود، احتراما لزبائننا العرب الكثر الذين يزورننا يوميا، في الوقت الذي أنتظر فيه وجبتي، بدءنا الحديث حول علاقة العرب بأمريكا، و المسلمين خصوصا، و مازحته قائلا : يبدو لي حسب إعلامكم أنكم تظنون أن الإسلام دين إرهاب، و أنكم تكرهون العرب..فتغير لون وجهه ثم قال لي بصوت خافت : يا بني.. أنا عشت في هذه الولاية لسنوات كثيرة، جعلتني متيقنا من أن الذي يقول شيئا مثل هذا هو غبي، فعقلاء هذا البلد و مثقفوه و الأشخاص المتعلمون، الذين لهم عقل و يفكرون به، يعلمون أن بلدانكم فيها ناس طيبون، و الإسلام رغم أنني لا أعرف عنه الكثير، لكن أظن أن به مبادئ عظيمة..تأكد يا بني أن الذي جعل الإنسانية تستمر هو الإحترام الواجب بين دياناتها..و الأكيد أن في كل ديانة متشددين، هم من وجب علينا التوافق لمحاربتهم..

كانت بالنسبة لي فرصة لأتعرف عن قرب وجهة نظر مواطن أمريكي عن موضوع حساس، لم يكن مبرمجا أن أتحدث عنه، هنا خالجني شعور غريب، يقول أنه ربما سياسات الدول أحيانا..لا تمثل رأي الشعب..ممكن أن أكتشف أشياءا أخرى الأيام القادمة..
أكملت فترتي المسائية بجلسة إلى جانب نصب واشنطن التذكاري رفقة صديقي المصري، هذا النصب الذي هو عبارة عن مسلة ضخمة تم تشييدها تكريما لجورج واشنطن، و التي طالما سمعنا قصصا في المقاهي المغربية و في فيديوهات “هل تعلم” أن لها علاقة بالماسونية “والله و أعلم”، حيث تحتل موقعا في مدينة واشنطن عاصمة الولايات المتحدة الأمريكية قرب نهر بوتوماك، عند منتصف المسافة تقريبا بين مبنى الكونجرس الأمريكي، ونصب لنكولن التذكاري..

مررت بجانب البيت الأبيض، فوجدت على مشارف حديقة المبنى، مجموعة من الشباب في ثلاثينات العمر كيلعبو الهوكي، و مستمتعين كثيرا بحماس المقابلة، الذي لفت انتباهي مباشرة و انا قادم من بلاد العرب، كيف لمجموعة من الشباب لم يحترموا حرمة مكان كالبيت الأبيض، و يلعبون و يصرخون بجانبه بهذه الطريقة التي لو كانت قرب مبنى رسمي في بلدي لتم اعتقالهم جميعا…حملت السؤال إلى أحد المتفرجين الذي تعجب جدا من سؤالي..عرفت عن نفسي و تبادلنا التحايا ثم قال لي : أظن أنه جزء من حقوق هذا الشعب الذي من ماله تم بناء هذا المبنى أن يختار أماكن يستمتع فيها، و بما أن هذا المكان عمومي و لا تمر منه السيارات، فلا أظن أن هذا سيشكل مشكلا للأمن، رغم أننا منعنا في الأول و بالقوة، لكن هذا يعتبر في الماضي.. و هاد البلاصة معروفة كيلعبو فيها من2005 تقريبا، المهم كل شخص يقوم بما له و ما عليه…و الأساس لي مبني عليه علاقتنا بالدولة هو الثقة..فالذي تنظر اليه الآن هو شيء عادي..

كان يوما غريبا بامتياز، مليء بآثار التعب، لكن مثير بلقاءات و ملاحظات، حاولت من خلالها أن أكون موضوعيا و واقعيا..لكن بدأت ملامح صور بالظهور في مخيلتي..عن أن أساس تقدم أي شعب..يبقى في احترامه للآخر كيف ما كانت ديانته و مرجعيته الفكرية، و أن العلاقة الأولى التي يجب أن تجمع المواطن بدولته هي : الثقة.

هامش : فالأخير تهت عن الفندق.