مغاربة العالم

مغاربة تركيا.. هكذا شاركوا في إفشال محاولة الانقلاب

ياسين أيدي – تركيا

شهد العديد من المغاربة المقيمين في تركيا، محاولة الانقلاب الفاشلة ليلة الجمعة الماضية، على النظام الديمقراطي الفتي في هذا البلد، الذي يملك تاريخا طويلا مع الانقلابات، بداية من انقلاب سنة 1960، مرورا بانقلاب 1971، وصولا إلى انقلاب 1980، والذي يعد أكثرها دموية مقارنة بسابقه.

فليس الأتراك وحدهم من واجهوا الانقلاب، فهناك العديد من الأجانب، وخصوصا القادمين من الدول العربية، سواء بغرض الدراسة، أو العمل، وما إلى ذلك، ساندوا إخوانهم الأتراك في هذه المحنة، ومن بينهم مغاربة مقيمين في تركيا.

أدهشني الأتراك في مواجهة البنادق

زهير عطوف، واحد من هؤلاء، هو شاب مغربي، يشغل مدير المركز المغاربي للدراسات في اسطنبول، يقول “بعدما كنت مع صديق في الخارج، جاءني اتصال مخبرا عن وجود محاولة انقلاب، فما كان مني إلى أن عدت نحو البيت للتأكد من الأمر، وفي طريقي شاهدت حالة من الهلع الشديد في وجوه الناس، والبعض منهم يسحب أمواله من البنوك”.

وأشار إلى أنه “بعد تواجدي في البيت، واطلاعي على الأخبار، تأكدت شكوكي، بعد كلمة اردوغان في التلفاز، سمعت الأذان في المساجد، وشاهدت توجه بعض الأفراد نحو مديرية الأمن في شارع الوطن، فتوجهت بدوري إلى هناك، عبر بلدية اسطنبول في منطقة الفاتح، حيث كانت محاصرة من طرف الجيش بشكل كامل”، مضيفا “لقد كان الأمر بالنسبة لي غريب، وجد مخيف، باعتبار أنني لم أشهد انقلابا في بلدي، ولست متعودا على مشاهدة طائرات ف16 تحلق بالقرب مني”.

وأضاف “لقد توفي 17 شخصا في المظاهرة التي شاركت فيها، بعد أن فتح الجنود بنادقهم في وجوهنا، لكن رغم ذلك كان الناس يندفعون إلى الأمام، والذي أدهشني أثناء هذا، هو تواجد مختلف الأطياف من الناس، أطفالا، شبانا، شيوخا، ونساء، وكذلك كان هناك من يبيع الرايات الوطنية، وقنينات المياه، في وقت المواجهات، والذين بدورهم ساهموا في نجاح الاحتجاج”.

لبيت نداء الرئيس

حميد فزاكة، أستاذ وباحث في الفكر الإسلامي والفلسفة، لبى بدوره نداء الرئيس، وتوجه مسرعا للإلتحاق بالمتظاهرين، يقول في هذا الصدد “عندما تأكد لدي خبر الانقلاب، وبعد مشاورة الزوجة في الأمر، كنت من الأوائل الذين التحقوا بالمديرية العامة للأمن، حيث تواجد الكثير من الناس يهتفون بشعارات مختلفة، وأخرى باسم اردوغان، ويرددون النشيد الوطني، بعدها مباشرة ذهبت في اتجاه بلدية اسطنبول الكبرى، حيث انطلقت مواجهات بين قوات الأمن الخاصة وعناصر الجيش”.

وتابع قوله “الأمر الذي أدى لسقوط جرحى، قمنا بنقلهم لأقرب مستشفى في المنطقة، وبحكم تكويني في مجال الإسعافات الأولية، واشتغالي سابقا في منظمات إنسانية، سارعت برفقة زوجتي، التي بدورها تمتهن التمريض، إلى المساعدة في إسعاف المتضررين، رفقة طاقم المشفى، الذي لم يكن كبيرا بالشكل الكافي ليشمل الجميع، فاختصر دوري في تقديم الإسعاف، ونقل القتلى إلى مستودع الأموات”، خاتما كلامه، “استجابتي منطلقة من إيماني بالحق، ومن مبادئي التي ربوني عليها الآباء والأجداد”.

كنت من أوائل المتفاعلين مع المظاهرات

ويحكي محمد إيزوتن، صحفي ويدرس ماجيستير في جامعة أنطاليا، “بعد تواجدي في الساحل رفقة صديق، اتصل بي المدير، طالبا إياي بالعودة إلى المكتب، فالبلاد تشهد أزمة، ونحتاجك للتنسيق مع المراسلين في عموم تركيا”، وأضاف، “شاهدت الناس تفر من مطار أتاتورك، الذي استولى عليه الجيش، ولم أجد وسيلة للعودة إلى مكان العمل، إلا إيقاف أحد السيارات الخاصة، الذي أجابني بعد أن سألته أين تتجه، ذاهب إلى المطار، إما أن يحيا هذا الوطن أو نموت”.

زهير وحميد ومحمد، ومغاربة آخرون في اسطنبول وأنقرة ومدن تركيا أخرى، استجابوا لنداء أردوغان لحماية البلد الذي يقيمون به من محاولة الانقلاب، وكانوا من الأوائل الذين تفاعلوا مع المظاهرات الحاشدة في ميادين تركيا، لأنهم -حسب رأي المحاورين- يعتبرون تركيا بلدهم الثاني، ويتمنون له الخير كما يتمنوه لوطنهم المغرب.

الجيش والعلمانية

الجيش التركي كان يبرر على مر الزمان، تدخلاته في الحياة المدنية، بالحفاظ على علمانية الدولة، وعلى دستورها، ومكتسباتها، تحت راية قائدها مصطفى كمال أتاتورك، فالجيش يعتبر نفسه الحامي الشرعي للعلمانية، والساهر على استمرارها دائما وأبدا.

لكن تدخل الجيش أو مجموعة في الجيش، هذه المرة جاء في سياق مختلف تماما عن الماضي، فتركيا اليوم ليست هي تركيا في الستينات، أوالثمانينات، حيث يشهد البلد تنمية اقتصادية، وقفزة نوعية في جميع القطاعات، بالإضافة إلى النموذج الديموقراطي الفريد من نوعه في المنطقة، والعديد من الإنجازات حققت في السنوات الأخيرة، لا يسع المجال لذكرها.

كما أن تدخل الجيش في الماضي، كان دائما ما يجد دعما من الأحزاب السياسية، وعلى رأسها حزب الشعب الجمهوري، الذي أسسه أتاتورك، وبدون معارضة تذكر، لا من قبل جهاز الشرطة، أو من المواطنين.

لكن هذه المرة، قوبل بالرفض من جميع المكونات السياسية، حتى الأكثرها معارضة للحكومة، ولرئيس الجمهورية أردوغان، كم دفع رجال الأمن، والاستخبارات، بكل ثقلهم لمنع فرض الأمر الواقع على الأرض.

رغم كل هذا، إلا أن الذي أحدث التغيير، وفرض على الجيش الانسحاب من الأماكن التي استولى عليها، هو التحرك السريع للشعب التركي بكل أطيافه، بمن فيهم المغاربة، فبعد النداء الذي وجهه الرئيس أردوغان لهم للنزول إلى الشوارع، عبر برنامج سكايب، في كلمة بثتها قناتي “ن تي في” و”أ تي في”، توجه المواطنون إلى الأماكن التي استولى عليها الجيش، مواجهين إياه بصدور عارية، وشعار كلماته، “يا الله، بسم الله، الله أكبر”.