بلافريج: الاحتقان بالمغرب يتغذى على التهميش.. والحل يبدأ بانفراج سياسي وحقوقي

كشف البرلماني السابق بفدرالية اليسار الديمقراطي عمر بلافريج عن رؤيته للوضع السياسي الراهن في المغرب، معتبراً أن الأزمة الحالية لا تكمن في غياب الحلول للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية، بل في الافتقار إلى إرادة سياسية حقيقية لدى المسؤولين لتطبيقها.
وأعلن بلافريج، خلال حوار مطول أجراه الليلة الماضية مع حركة “جيل Z” على منصة “ديسكورد”، أنه قرر كسر صمته الإعلامي والسياسي الذي التزم به منذ انتهاء ولايته البرلمانية، مبرراً خطوته بظهور ما وصفه بـ”جيل جديد من الوطنيين” يمثله هؤلاء الشباب، الذين أعادوا إليه الأمل في إمكانية التغيير انطلاقاً من قواعد شعبية جديدة ومنظمة.
وأوضح القيادي السابق في حزب فيدرالية اليسار الديمقراطي، أن ابتعاده عن المشهد العام كان قراراً متعمداً يهدف إلى إفساح المجال أمام أصوات ومناضلين جدد لقيادة المرحلة، خصوصاً بعد ما اعتبره فشلاً في تحقيق بعض المشاريع السياسية التي انخرط فيها، وعلى رأسها محاولة توحيد قوى اليسار في إطار حزبي قوي ومنظم.
وأشار المصدر ذاته إلى أن دعوات الحوار التي تلقاها كانت كثيرة، لكنه اختار الاستجابة لدعوة هذه الحركة الشبابية تحديداً لأنه لمس لديها وعياً سياسياً وحماساً وطنياً نابعاً من إرادة صادقة في الإصلاح، وهو ما دفعه إلى اعتبار مشاركة تجربته معهم واجباً لدعم هذا النفس الجديد الذي تحتاجه الساحة الوطنية.
وأكد السياسي اليساري أن تشخيصه للمشهد المغربي لم يتغير، حيث لا يزال البلد يسير وفق منطق “المغرب بسرعتين”: الأول يستفيد من كل الامتيازات ومشاريع التنمية، والثاني يعاني من التهميش ونقص حاد في الخدمات الأساسية.
وشدد، حسب المصدر ذاته، على أن الحكومة الحالية، مثل سابقاتها، لا تضع القطاعات الاجتماعية الحيوية كالصحة والتعليم على رأس أولوياتها الحقيقية، وهو ما يتجلى بوضوح في الميزانيات المخصصة لها، وفي الواقع المتردي الذي يعيشه المواطنون يومياً، الأمر الذي يغذي الشعور بالإحباط ويفقد المواطن الثقة في المؤسسات.
وتابع عمر بلافريج تحليله بالإشارة إلى أن المناخ العام في البلاد تأثر سلباً بتضييق الخناق على الحريات، مستشهداً باستمرار اعتقال عدد من الصحفيين والنشطاء، ومن بينهم معتقلو حراك الريف. واعتبر أن هذه الممارسات تجعل دوره كسياسي معتدل يسعى للإصلاح من داخل المؤسسات أمراً صعباً ويكاد يكون بلا جدوى، حيث يشعر بأن صوته لم يعد له مكان في ظل غياب نقاش عمومي حر وصحافة مستقلة قادرة على ممارسة دورها في الرقابة والمحاسبة.
ودعا بلافريج إلى ضرورة تحقيق “انفراج سياسي” كشرط أساسي ومسبق لأي إصلاح جاد، موضحاً أن هذه الخطوة تبدأ بإطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي، ورفع القيود عن حرية الصحافة والتعبير. وأضاف أن هذا الانفراج من شأنه أن يعيد بناء الثقة المفقودة بين المواطن والدولة، ويخلق الأجواء الملائمة لفتح حوار وطني حقيقي تشارك فيه جميع القوى الحية في البلاد للاتفاق على رؤية مشتركة للمستقبل.
واقترح الفاعل السياسي حلولاً عملية وملموسة لمعالجة الاختلالات العميقة، مركزاً على ضرورة إعادة ترتيب الأولويات في الميزانية العامة للدولة. وأوضح أنه بالإمكان تقليص النفقات في قطاعات أقل أهمية، وتوجيه تلك الأموال بشكل مباشر لضخ ميزانيات ضخمة في قطاعي التعليم والصحة.
كما جدد دعوته إلى تحقيق العدالة الجبائية عبر إقرار ضرائب تصاعدية على الثروات الكبيرة والإرث، وإنشاء “صندوق للتضامن العادل بين الأجيال” لتمويل المشاريع الاجتماعية وتقليص الفوارق الصارخة بين فئات المجتمع ومناطقه.
وخلص بلافريج في نهاية حديثه إلى أنه، ورغم تشاؤمه من قدرة البنية السياسية التقليدية على إصلاح نفسها، فإن أمله معقود على الحركات الشبابية الجديدة والواعية التي ظهرت مؤخراً. واعتبر أن هذه الحركات تمثل قوة ضغط حقيقية وقادرة على تحريك المياه الراكدة وفرض نقاش حول القضايا الجوهرية التي تهم مستقبل جميع المغاربة، مؤكداً أن استمرار نضالهم وضغطهم المنظم هو السبيل الوحيد لدفع المسؤولين نحو تبني إرادة سياسية حقيقية للتغيير.
اترك تعليقاً