وجهة نظر

هدام الدولة

قبل أسبوع من اليوم فجر عبد السلام اللبار، رئيس الفريق الاستقلالي بمجلس المستشارين فضيحة ثقيلة تهم قطاع التعليم خلال الجلسة الشهرية لمساءلة رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران. اللبار وجه اتهامات مباشرة لمسؤولين معروفين، متسائلا في تدخل قوي نال إعجاب رئيس الحكومة عن الجهات التي سيشتكي إليها وفاضحا المنطق السائد داخل الإدارة المغربية بالقول “نحن عندما نريد أن نشتكي فإننا نشتكي إلى كبيرهم الذي علمهم السحر”.

قبل يومين نشرت مواقع إلكترونية خبر تفويت وزارة الاقتصاد والمالية بقعة أرضية تقدر مساحتها بحوالي 3755 متر مربع في موقع استراتيجي بعاصمة المملكة لوالي الرباط بحوالي 350 درهم للمتر فقط، أي بمليون و395 ألفا و350 فقط. الخبر عرف تفاعلا كبيرا من طرف رواد مواقع التواصل الاجتماعي و تحركت فرق برلمانية لمساءلة وزير الداخلية عن هذه الفضيحة، ليأتي الرد صارما وصادما في نفس الوقت في بلاغ مشترك لوزيري الداخلية والاقتصاد والمالية، واصفين فيه سعادة الوالي بأنه “من خدام الدولة وأنه حريص على الصالح العام”،ومتهمين في الوقت نفسه حزبا سياسيا في إشارة واضحة إلى حزب العدالة والتنمية والإعلام الذي يدور في فلكه بإثارة القضية؟؟

الجميل في هذا البلاغ الذي كتب بمداد “اعطيني نعطيك” ليس ما أنكره، بل ما أكده، أي أن هناك “خدام دولة” آخرين أكلوا من نفس الكعكة التي أكل منها الوالي لفيتيت، الذي تحول إلى أكبر معارض لمنتخبي حزب العدالة والتنمية في جهة الرباط-سلا -القنيطرة. ولأن بلاغ حصاد وبوسعيد لم يتفضل بنشر لائحة “خدام الدولة” هؤلاء، فقد تكلفت المنابر الإعلامية التي اتهمها البلاغ زورا بالقرب من “البيجيدي” بالقيام بذلك. لتصبح الصدمة أكبر عندما اكتشف المغاربة أن من بين المستفيدين هناك محمد حصاد ومحمد بوسعيد وزيري الداخلية والاقتصاد والمالية، قبل نحو عقد من اليوم بنفس الثمن البخس تقريبا. ليسمح لي القارئ أن أتساءل هنا عما يمكن أن يستفيد منه “خادم دولة” برتبة وزير إذا كان هذا هو نصيب “خادم دولة” برتبة والي؟

هذا البلاغ الفضيحة لم يكن في الحقيقة دفاعا عن الوالي لفتيت، بقدر ما كان دفاعا عن حصاد وبوسعيد ومن خلفهما، حيث سارعا بلغة تخويفية وتهديدية إلى احتواء هذه الفضيحة قبل أن تتسع دائرتها وينفضح أمرهما. وهو أيضا –البلاغ- دفاع عن عينة طفيلية من المسؤولين الذين لا تقنعهم الرواتب والامتيازات التي يحصلون عليها من أموال دافعي الضرائب، ويسعون إلى امتصاص ما تبقى من دم المغاربة. وهنا يحق لنا أن نتساءل أيضا مع اللبار عن الجهة التي سنشتكي إليها تجبر وتغول هؤلاء واستباحتهم لأموال المغاربة ما دمنا سنشتكي لـ”كبيرهم الذي علمهم السحر”؟ المغاربة كلهم خدام للدولة وهم خدام أوفياء أكثر من عبد الوافي لفتيت نفسه أو حصاد أو بوسعيد أو غيرهما وهم يفعلون ذلك عن اقتناع وحب ولا ينتظرون مقابلا.

هناك نظرية في السياسة تقول بأن الفضيحة يمكنها أن تشكل مدخلا للإصلاح. فمثل هذه الفضائح تساهم في تشكيل الرأي العام وتعبئته ليتحول إلى قوة ضاغطة. هذا الرأي العام إذا وجد الشجاعة الكافية عند من هم في السلطة، والحال هنا هو عبد الإله بن كيران رئيس الحكومة، يمكن أن يشكل آلية للمحاسبة والمراقبة، أما عندما لا يجد هذه الشجاعة فقد يبحث عن قنوات أخرى لتصريف هذا الغضب، وربما بطرق قد لا تكون سلمية. بالأمس أكد عبد الإله بنكيران بأنه مستعد للشهادة في سبيل هذا الوطن في مهرجان خطابي بمدينة أكادير. لكن هذا الكلام لا ينسجم مع السف مع رفضه التعليق على بيان حصاد وبوسعيد. فإذا كان بن كيران حريص على مصلحة هذا الوطن عليه أن يتحرك بسرعة لمحاسبة المسؤولين عن هذه الفضيحة قبل أن يتحول “خدام الدولة” هؤلاء إلى “هدام للدولة”.