من الاستقلال إلى الريادة.. مدير أكاديمية العيون يرصد مسار تطور التعليم بالصحراء المغربية (حوار)

أكد مدير أكاديمية التربية والتكوين بجهة العيون الساقية الحمراء، حمدي كريطى، أن التعليم في جهة العيون الساقية الحمراء شهد تطورًا كبيرًا منذ الاستقلال. وقال إن البداية كانت صعبة بالنظر إلى الظروف التي كانت تعيشها المنطقة، حيث كانت البنية التحتية ضعيفة والموارد البشرية محدودة، مشيرا إلى أن المغرب راهن منذ بدايات استرجاع أقاليمه الجنوبية، على التربية والتكوين كأحد المرتكزات الأساسية لإعادة الهيكلة و البناء واستدراك التأخر الذي كان يشكو منه المواطنون في هذه الجهة.

وفيما يتعلق بغرس القيم الوطنية، أكد مدير أكاديمية التعليم بجهة العيون، أن المدارس في الجهة تولي اهتمامًا خاصًا لتعزيز مشاعر الانتماء والوطنية لدى التلاميذ. وقال إن هذه القيم “تعد جزءًا لا يتجزأ من المنظومة التعليمية في الجهة، سواء من خلال المنهج الدراسي أو الأنشطة الموازية التي تنظمها المؤسسات التعليمية”، مضيفا أن “غرس حب الوطن في نفوس الناشئة يبدأ من المدرسة، حيث يتم التركيز على أهمية تاريخ المغرب، خاصة قضية الصحراء المغربيةّ.

وتحدث كريطي، عن مشروع “مدرسة الريادة” في جهة العيون الساقية الحمراء الذي يهدف إلى تحسين مستوى التحصيل الدراسي للتلاميذ في المواد الأساسية، وتقليص الهدر المدرسي، وتعزيز الأنشطة الموازية، مشيرا إلى المشروع يشمل 38 مؤسسة تعليمية ابتدائية و8 مؤسسات إعدادية، ويستهدف تطوير مهارات التلاميذ في الرياضيات واللغات.وأوضح ، أن التقييمات أظهرت نتائج إيجابية، حيث تحسن أداء التلاميذ بشكل ملحوظ في هذه المواد، مما يبرز نجاح التجربة في تعزيز نجاعة التعليم، لافتا إلى أن  التقييم الذي أجراه مرصد التنمية البشرية، أظهر أن مشروع مدارس الريادة أسهم في تحول إيجابي داخل المؤسسات التعليمية، وأنه نموذج يمكن تعميمه لتحقيق نتائج تربوية أفضل.

وفيما يلي نص الحوار كاملا:

بداية، كيف تقيمون مسار التعليم في جهة العيون وأبرز التحديات التي تواجهكم؟

استمر الاحتلال الإسباني للمناطق الجنوبية مايقارب قرنا من الزمن ، و لم يكن في مدارس الجهة  في تلك الحقبة الاستعمارية أكثر من   920 تلميذا (ة)  في التعليم العمومي، تبلغ منهم الإناث 20 تلميذة، والانعدام  الكلي للتعليم الثانوي بسلكيه. لكن بعد عودة الصحراء إلى الوطن الأم  تطور عدد التلاميذ الملتحقين في المدارس بالجهة بشكل كبير، ففي جهة العيون الساقية الحمراء بلغ عدد التلاميذ  أزيد من  100000 بمختلف المؤسسات التعليمية بجهة العيون الساقية الحمراء خلال الموسم الدراسي 2025-2024، بنسبة زيادة تقدر ب  2,25% مقارنة بالموسم الدراسي 2024 – 2023، منهم 37388 من الإناث،  موزعين على الشكل التالي: عدد التلاميذ بمؤسسات التعليم الخصوصي   25105تلميذة وتلميذا، في حين يبلغ عدد تلاميذ مؤسسات التعليم العمومي    74901 تلميذة وتلميذا.

ويشكل تلاميذ التعليم العمومي بالابتدائي ما مجموعه 37691 تلميذة وتلميذا، وبالثانوي الإعدادي 21607 تلميذة وتلميذا، وبالثانوي التأهيلي 15603 تلميذة وتلميذا. كما أن مؤسسات التعليم الابتدائي استقبلت أزيد من 6158 مسجلا جديدا بالسنة الأولى من التعليم الابتدائي.

هذه الأرقام المسجلة على المستوى الجهوي، تؤكد على أن المغرب راهن منذ بدايات استرجاع أقاليمه الجنوبية، على التربية والتكوين كأحد المرتكزات الأساسية لإعادة الهيكلة و البناء واستدراك التأخر الذي كان يشكو منه المواطنون في هذه الجهة، ثم جاءت التحولات العميقة التي عرفتها بلادنا من خلال أوراش إصلاحية كبرى ومن بينها ورش إصلاح التربية والتكوين الذي خلق دينامية جديدة في هذا القطاع على المستوى الجهوي ،فكان البدء الفعلي لأكاديمية العيون بوجدور الساقية الحمراء سنة    2002 أن أعطيت لها صلاحيات مهمة لتسيير القطاع التربوي بالجهة .

التعليم بجهة العيون الساقية الحمراء يشهد تقدما كبيرا، فمنذ استرجاع المغرب لصحرائه عرف قطاع التعليم تطورا ملحوظا. كما أنه في السنوات الأخيرة، ومن خلال برنامج تنمية الأقاليم الجنوبية الذي أطلقه صاحب الجلالة الملك محمد السادس سنة 2015، عرف سرعة نوعية في مسيرة هذا التطور بفضل ما تم إنجازه من مشاريع ملكية خُصَّتْ بهذه الجهات. وساهم التزايد المهم للبنى التحتية، من مدارس وجامعات ومؤسسات التكوين المهني، في ارتفاع ملموس في نسبة الالتحاق بالمدارس بالنظر إلى المعدل الوطني، ونفس الأمر بالنسبة  لعدد المدرسين العاملين  بهذه الأقاليم .

لابد أن أشير، إلى أن جهة العيون الساقية الحمراء تتوفر، على مستوى العرض المتعلق بالبنيات التحتية الخاصة بمؤسسات التعليم العمومي، على ما مجموعه 147 مؤسسة تعليمية عمومية و 7 فرعيات و 1 ملحقة ثانوية إعدادية، منها 86 مدرسة ابتدائية و 35 ثانوية إعدادية  و26  ثانوية تأهيلية، بالإضافة إلى عدد متزايد من المرافق التعليمية الخاصة، سواء على مستوى التعليم الأولي أو الابتدائي أو الثانوي. وقد خضعت أغلب المؤسسات التعليمية في هذه الجهة إلى أشغال كبرى لتحسين التجهيز والتأهيل بغية توفير ظروف مواتية للتعلم والتأهيل الجيد للتلاميذ. فبينما كان عدد الأطفال المتمدرسين بجهة العيون الساقية الحمراء قبل سنة 1976 لا يتجاوز الالف، فإن عددهم اليوم يقارب المائة ألف طفل يتابعون تعليمهم بالعديد من المدارس الحديثة والمجهزة بالجهة.

وتفعيلا لاستراتيجيتها الرامية إلى تعميم وتطوير التعليم الأولي، باعتباره مدخلا أساسيا لتجويد المنظومة التربوية، تمت تعبئة أكثر من 162 حجرة تعليم أولي بالمؤسسات الابتدائية العمومية، لاستقبال ما يقارب 5600 طفلة وطفل، وسيسهر أكثر من 260 مربية ومرب على هذا النمط من التعليم، وذلك في إطار الشراكة التي تجمع الوزارة مع المؤسسة المغربية للنهوض بالتعليم الأولي.

وعلى مستوى تدبير الموارد البشرية، فقد تعزز هذا المجال بتعيين 176 إطارا من هيئة التربية والتعليم برسم سنة 2024، ( 36 أستاذة وأستاذ في التعليم الابتدائي، و100  أستاذة وأستاذ في التعليم الثانوي، و 40 من ملحقي الاقتصاد والإدارة والملحقين التربويين والملحقين الاجتماعيين)، ليبلغ مجموع الأساتذة بالجهة 3446  أستاذ(ة). كما تم تعيين 15  مفتشا تربويا و13 مستشارا في التوجيه التربوي و 01 مستشارا  في التخطيط التربوي. كل هذا يعطينا تقييما عاما حول مسار التعليم بجهة العيون الساقية الحمراء بكونه يسير في الطريق الصحيح.

كيف تتعاونون مع باقي الجهات لتحسين مستوى التعليم في مناطق الجنوب؟ وهل هناك شراكات استراتيجية بهذا الخصوص؟

يتم النظر بالإيجاب إلى جميع المبادرات التربوية حتى ولو كانت خارج الجهة، فالمبدأ العام هو  تحقيق المصلحة العامة، ورغم محدودية الشراكات خارج الجهة ربما بسبب العامل الجغرافي والقانوني، فالأكاديمية تبقى في تواصل مستمر مع المؤسسات الشريكة في المجال التربوي، من خلال العمل الإداري وعملية نقل البيانات التي تهدف إلى تيسير الوضعيات الإدارية للموظفين بالقطاع بالجهة، وكذا نقل التلميذات والتلاميذ وتسهيل تسجيلهم بداخل المؤسسات القريبة من محل السكن، ونقل بيانتهم عبر مختلف منظومات التدبير الرقمية، وكذا التعامل مع مختلف المقاولات لإنجاز صفقات وطلبيات تم ارساؤها عليهم وفق للقانون، ويتم التنسيق كذلك لتنظيم مختلف التظاهرات الثقافية والرياضة المشتركة الوطنية ومابين الجهات، كما يتم تنظيم ندوات للتعريف بالموروث الثقافي  المحلي  وصيانة الحسانية، باعتبارها جزءا لا يتجزأ من الهوية الثقافية المغربية الموحدة.

علاقة بمشروع “مدارس الريادة”، ما هي مستجدات هذه المؤسسات في الجهة؟ وهل حققت الأهداف المرجوة منها حتى الآن؟

مشروع المدرسة العمومية الرائدة او ما يطلق عليها بمدرسة الريادة هو مشروع تعليمي يهدف إلى مضاعفة نسبة تلميذات وتلاميذ السلك الابتدائي المتحكمين في التعلمات الأساس، ومضاعفة نسبة التلميذات والتلاميذ المستفيدين من الأنشطة الموازية، وتقليص الهدر المدرسي بنسبة الثلث.

وتميز الدخول المدرسي الحالي بمواصلة تنزيل مشاريع خارطة الطريق 2022-2026 من خلال توسيع نموذج المدارس الرائدة بالتعليم الابتدائي، والشروع في إرسائها بالسلك الاعدادي، وتعميم اللغة الأمازيغية بالتعليم الابتدائي واللغة الإنجليزية بالتعليم الثانوي الإعدادي، وإرساء وأجرأة آلية مواكبة مؤسسات التربية والتعليم العمومي والأحواض المدرسية، من أجل مؤازرة هيأة الإدارة التربوية والتدبير وهيأة التربية والتعليم ودعمهما للقيام بالمهام المنوطة بهما، ومنها، على الخصوص، إعداد وإنجاز وتقييم مشروع المؤسسة المندمج.

وبخصوص نموذج مؤسسات الريادة بالجهة، فبعد أن تم إرساء هذه التجربة السنة الماضية ب15 مؤسسة في السلك الابتدائي، تم توسيع التجربة في هذا السلك بإضافة 23 مؤسسة جديدة بالجهة ليصبح المجموع 38 مؤسسة تعليمية ابتدائية عمومية ( 12 بالعيون، 10ببوجدور،08 بالسمارة، 08 بطرفاية)، حيث سيستفيد من هذا المشروع في هذا السلك 15131 تلميذة وتلميذا خلال المرحلة الأولى، بتعبئة ومشاركة طوعية لما مجموعه 564 أستاذة وأستاذا يعملون بهذه المؤسسات التعليمية، وبتأطير ومواكبة من فرق مكونة من مفتشين تربويين.

وفي نفس الإطار، سيتم إرساء هذه التجربة لأول مرة  في السلك الإعدادي  ب 08 مؤسسات تعليمية (03 بالعيون، 02 بوجدور، 02 بالسمارة، 01 بطرفاية)، تستهدف  5601 تلميذة وتلميذ، بتعبئة ومشاركة طوعية لما مجموعه 229 أستاذة وأستاذ عاملين بهذه المؤسسات التعليمية، وبتأطير ومواكبة من فرق مكونة من مفتشين تربويين.

وبالاستناد إلى مختلف تقارير التقييمات والتي أنجزت في هذا الصدد بتنسيق مع مجموعة من الشركاء المستقلين من أجل قياس موضوعي لأثر مؤسسات الريادة تظهر النتائج المشجعة لمؤسسات الريادة:

1-    تم إنجاز تقييم أول من طرف جمعية “سندي” للتحقق من أثر برنامج معالجة التعثرات (التدريس وفق المستوى المناسب)، والذي أبان عن تحقيق أثر مهم على التعلمات الأساسية في المواد الثلاث وفي جميع المستويات الدراسية؛

2-    تم إنجاز تقييم ثان متعلق بالتصور النوعي، وذلك من طرف المرصد الوطني للتنمية البشرية، وشمل الأساتذة والفاعلين المنخرطين في مدارس الريادة حيث أبان عن ديناميكية حقيقية للتحول وانخراط للفاعلين؛

3-    تقيم ثالث أنجز من طرف الهيئة الوطنية للتقييم التابعة للمجلس الأعلى للتربية والتكوين، من أجل قياس نجاعة مؤسسات الريادة. وانطلاقا من التقييم الداخلي والخارجي لنجاعة الأداء، سيتم منح علامة الجودة الخاصة بمؤسسات الريادة؛

4-    إنجاز تقييم رابع من طرف مركز البحث المحدث كثمرة تعاون بين جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية و J-PAL التابعة للجامعة الأمريكيةMIT ، والذي يهدف إلى قياس الأثر على تعلمات التلاميذ، وأظهرت النتائج الأولية آثارا إيجابية لمدارس الريادة على التعلمات.

وبين تقييم المرصد الوطني للتنمية البشرية، أن الإصلاح التربوي “ولج قاعة الدرس، وأصبح واقعا يوميا يمارس بمنطق مبني على التسلسل المتدرج، المغري على التتبع والمحفز الجماعي على المثابرة في تحصيل النجاعة المطلوبة “.

كما أظهرت النتائج وجود اتفاق لدى غالبية المشاركين في البحث على أن برنامج “مدارس الريادة” يعد مكسبا تربويا وجب تثمين نتائجه الإيجابية الأولية وتحصين مكتسباته، باعتبارها رهانا جماعيا للنهوض بالمدرسة العمومية خلال السنوات المقبلة.

وعلى مستوى جهة العيون الساقية الحمراء -وفي بداية التجربة-  أظهر ملخص الآثار الأولى المنجزة  لأنشطة TaRL بعد أربعة أسابيع من الدعم والمعالجة مايلي:

• أظهر تحليل المعطيات الأولية التي أجريت على 8006 تلميذ(ة) تأثيرا واضحاً،  وتحسنا ملموساً في التعلمات الأساس، لدى تلاميذ جميع المستويات الدراسية، سواء في اللغات أو في الرياضيات.
• تُترجم هذه النتائج الأثر الواعد للمشروع والذي تم تأكيده في نهاية الموسم الدراسي.
• نسبة تحكم التلاميذ في الكفايات المستهدفة تضاعفت أربع مرات في الرياضيات، وثلاث مرات في اللغة الفرنسية، ومرتين في اللغة العربية، أي ما يعادل استدراكا من سنة إلى سنتين من الدراسة.

وبخصوص مباراة توظيف أساتذة في القطاع، ما هي أبرز الإجراءات التي قامت بها الأكاديمية لضمان سير المباراة في أفضل الظروف؟ وكيف تقيمون إقبال الشباب على هذه المهنة؟

كما هو معلوم فقد أعلنت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة عن إجراء مباريات ولوج سلك تأهيل أطر التدريس بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، وذلك يوم السبت 5 أكتوبر 2024 في التخصصات المعنية ووفق عدد المقاعد المحددة بخريطة التكوين المبينة وفق جداول وملاحق محددة ومرفقة بالإعلان.

وقد مرت مباراة التوظيف في قطاع التعليم على مستوى جهة العيون الساقية الحمراء في ظروف جيدة، حيث تم توفير عدة تنظيمية تشمل توفير مراكز الإجراء، والمراقبين، كما تم التنسيق مع السلطات الترابية والأمنية لتوفير الأمن بمداخل ومحيط مراكز المباراة ؛

وفي إطار التحضير أيضا لهذه المباراة؛ عقدت لقاءات تحضيرية جهوية مع مختلف المتدخلين والشركاء في هذه العملية، وذلك في اطار المقاربة التشاركية والتعبئة لإنجاح هذا الحدث، حيث تم عرض مختلف الجوانب التنظيمية والمنهجية والتدبيرية لعملية الإجراء ولعملية اجتياز الاختبارات الشفوية والعملية، والاطلاع على الجدولة الزمنية لإجراء الاختبارات الكتابية والشفوية.

وتعرف هذه المباراة اقبالا كبيرا من طرف المترشحات والمترشحين وفق الشروط المعلنة عنها بالإعلان  لولوج مهنة التدريس  والتي تبقى  إحدى غايتها رفع الجودة، واستقطاب الكفاءات، وزيادة الجاذبية للقطاع، باعتبار الأستاذ أحد المحاور الأساسية للمنظومة التعليمية ( التلميذ، الأستاذ، المؤسسة)، لهذا ينبغي أن نفهم لماذا يتم ولوج مهنة التدريس  بناء على معايير موضوعية وصارمة، فقطاع التعليم له خصوصية اعتبارا لأهميته ومكانته في تحقيق المشروع المجتمعي لبلادنا، ونظرا للأدوار المنوطة به في تكوين مواطنات ومواطني الغد، وفي تحقيق أهداف التنمية البشرية والمستدامة، وضمان الحق في التربية للجميع، بما يجعله في صدارة الأولويات الوطنية.

انسجاما مع تحققه الديبلوماسية المغربية بخصوص مغربية الصحراء، ما هي الأنشطة والبرامج التي تقدمها الأكاديمية لتعريف التلاميذ بقضية الوحدة الترابية وغرس قيم المواطنة؟

في سياق تنزيل مقتضيات القانون الإطار 17-51 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، وتفعيل خارطة الطريق 2022-2026، ولاسيما البرامج الأربعة الأولى من إطار التنزيل الاجرائي2023-2024، يتم إطلاق برامج مندمجة من أجل بناء وتنزيل النموذج الجديد للمدرسة العمومية ذات جودة، مما يتيح تحقيق الأهداف الإستراتيجية الثلاثة لخارطة الطريق: مضاعفة نسبة تلاميذ التعليم الابتدائي المتحكمين في التعلمات الأساس – تقليص الهدر المدرسي بنسبة الثلث- مضاعفة نسبة التلاميذ الموازية المستفيدين من الأنشطة الموازية.

كما يتضمن البرنامج الرابع المندمج للأنشطة الموازية للإطار الإجرائي لتنزيل خارطة الطريق2023-2024 مبادرات وإجراءات لجعل المدرسة فضاء للتفتح يكتسب فيه الأطفال القيم الوطنية والكونية وحس المواطنة وحب الاستطلاع والثقة في النفس.

وفي هذا الإطار، وانسجاما مع فلسفة ومقاصد خارطة الطريق 2022-2026، تقوم الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة العيون الساقية الحمراء من خلال برنامجها متعدد السنوات، وبرنامج عملها لسنة 2024، بمجهودات جبارة لجعل المدرسة فضاء للتفتح يمكن التلميذات والتلاميذ من إبراز مواهبهم وطاقاتهم المختلفة وصقلها وتطويرها، ويتيح لهم إمكانيات مهمة لاكتساب القيم الوطنية والكونية وتنمية حس المواطنة وحب الاستطلاع والثقة في النفس، ويساعدهم على خلق شخصية متوازنة على المستوى المعرفي والنفسي والعاطفي والجمالي والعلائقي، وهوما يتجلى من خلال بعض المؤشرات خلال الموسم الدراسي  2023-2024 ، بحيث تبلغ الأندية التربوية النشيطة في المجالات الفنية والثقافية والعلمية حوالي  664 ناديا تربويا، يستفيد من أنشطتها الموازية 34000 تلميذ وتلميذة .

وهذه الأندية في مجملها إلى جانب الدور الذي يلعبه المنهاج الدراسي مباشرة وأدوار فاعلين آخرين كالأسرة والإعلام …، تلعب دورا أساسيا في عملية التثاقف ومن خلالها تلقين القيم الوطنية ونقلها إلى الأجيال اللاحقة.

وجهة العيون الساقية الحمراء مثلها مثل باقي جهات المملكة تحرص على أداء دورها في الحفاظ على الإرث الوطني ونقله للأجيال الصاعدة من خلال منهجية استباقية تربوية أساسها التأطير، والإشراف، والتتبع، والتنظيم، وتوفير العدة اللوجستيكية، والشراكة مع الجمعيات المواطنة أو من خلال أدوار بعض المؤسسات كالمجالس العلمية المحلية بالجهة، وتشجيع كافة الفاعلين والمتدخلين في كل نشاط يخدم الوطن أولا وأخيرا.

وإذا تتبعتم مختلف الأنشطة التي تقوم بها المؤسسات التعليمية والتي يتم تقاسمها من خلال الصفحات الرسمية للأكاديمية والمديريات الإقليمية سترون أننا دائما نكون السباقين لمثل هذه الأنشطة الوطنية والتي على نفس المنوال تحدونا أكاديميات أخرى، وكمثال على ذلك فجميع المؤسسات العمومية والخصوصية شاركت في الاحتفال بالذكرى 49 لانطلاق المسيرة الخضراء المظفرة بنوع من الاعتزاز والفخر، وجسدت صورا احتفالية ورسائل يتلاحم فيها جميع التلاميذ من مختلف المناطق المغربية بلباسهم التقليدي الذي يرمز لكل منطقة من المغرب، فتجد ذلك التلاحم يتجسد من خلال صور المسيرات الخضراء المصغرة التي يعاد تجسيدها  بالمؤسسات التعليمية أو خارجها بتنسيق مع السلطات العمومية، والانخراط القوي بعروض وورشات وأبواب مفتوحة، لكافة الفئات المتمدرسة وكذا أطفال التعليم الاولي.

وهنا لابد من توجيه الشكر لكافة الأطر الإدارية والتربوية وكل المربيات وجمعيات أمهات وآباء واولياء التلميذات والتلاميذ، وجمعيات المجتمع المدني، والمؤسسات العمومية الشريكة في هذه العملية وللسلطات العمومية والجماعات الترابية على انخراطهم الفعال في تعريف أبنائنا وبناتنا بالمسيرة الخضراء المظفرة، باعتبارها ملحمة تاريخية، تبرز أروع صور التلاحم بين العرش العلوي المجيد والشعب المغربي الوفي من أجل استكمال الاستقلال الوطني وتحقيق الوحدة الترابية المقدسة.

سؤال له علاقة بمبدأي تكافؤ الفرص، ما هو دور الأكاديمية التي تتولون مسؤولية تدبير شؤنها في تحقيق هذين المبدأين بين جميع الفئات الاجتماعية؟

الإنصاف وتكافؤ الفرص يعني ضمان الحق في الولوج المعمم إلى مؤسسات التربية والتعليم والتكوين، عبر توفير مقعد بيداغوجي للجميع بنفس مواصفات الجودة والنجاعة، دون أي شكل من أشكال التمييز، وتحقيق الإنصاف وتكافؤ الفرص يستوجب الاستناد إلى مجموعة من الرافعات أهمها:

– تعميم تعليم دامج وتضامني لفائدة جميع الأطفال دون تمييز؛

– جعل التعليم الأولي إلزاميا بالنسبة للدولة والأسر؛

– تخويل تمييز إيجابي لفائدة الأطفال في المناطق القروية وشبه الحضرية، فضلا عن المناطق التي تشكو من العجز أو الخصاص؛

– ضمان الحق في ولوج التربية والتعليم والتكوين لفائدة الأطفال في وضعية إعاقة أو في وضعيات خاصة؛

– مواصلة الجهود الهادفة إلى التصدي للهدر والانقطاع المدرسيين، ووضع برامج تشجيعية لتعبئة وتحسيس الأسر بخطورة الانقطاع عن الدراسة في سن مبكرة؛

– العمل على توفير الشروط الكفيلة بالقضاء على الأمية.

وإذا نظرنا إلى كل هذه الرافعات نجد أنها متحققة في جهة العيون الساقية الحمراء، فالأكاديمية تقوم بمجهودات جبارة، تجسدها محدودية ظاهرة الهدر المدرسي بالجهة والتي تعد الأدنى وطنيا، إذ لا تتعدى نسبة الانقطاع خلال الموسم الدراسي 2022-2023 نسبة %0.65 في التعليم الابتدائي، ونسبة 1.74%  في الثانوي الإعدادي ونسبة 5.60% في الثانوي التأهيلي.

وبالرغم من ذلك؛ فقد وضعت الأكاديمية استراتيجية استباقية للتصدي للظاهرة، ترتكز على:

• محاربة التكرار​​ والهدر المدرسي من خلال تكثيف عمليات الدعم المدرسي،
• القضاء على حالات الاكتظاظ الشديد داخل المؤسسات التعليمية ولاسيما السلك الثانوي التأهيلي، بحيث لا تتعدى الظاهرة في مجملها بجميع الأسلاك سوى 1.53%، كما يتم قبول جميع طلبات إعادة التمدرس الوافدة على المؤسسات التعليمية؛
• تبني مقاربة الدعم الاجتماعي بالتركيز على خدمات النقل المدرسي والإطعام والإيواء بتنسيق مع جميع الفاعلين الترابيين؛
• التتبع الفردي للتلاميذ؛ من خلال تكوين فاعلين متمكنين من عدة التتبع الفردي، وتدابير الدعم لفائدة المتعلمين والمتعلمات؛
• ​​​المواكبة التربوية لمختلف الفاعلين والمتدخلين في المنظومة التربوية بما فيها أسر الحالات المهددة بالتكرار والانقطاع وتنظيم لقاءات تواصلية معهم، من أجل مدهم بوسائل وطرق معالجة الظاهرة والتدخل للحد منها كمقاربة علاجية؛
• ​​​اليقظة التربوية​ كوسيلة تهدف إلى استباق الحدث قبل وقوعه، وذلك من خلال إرساء نظام لرصد التلاميذ المهددين بالانقطاع وإيجاد الدعم المناسب لهم، وتأسيس خلايا اليقظة بمختلف المؤسسات التعليمية؛
• تنظيم عملية من الطفل إلى الطفل ومن اليافع إلى اليافع سنويا، بهدف تحسيس الفاعلين التربويين الخارجيين، من سلطات ومجتمع مدني، وكذا التلاميذ والأسر بظاهرة عدم التمدرس والانقطاع عن الدراسة، في أفق إيجاد حلول محلية لهذه الظاهرة.
• كما تكتسي هذه العملية أبعادا تربوية وبيداغوجية تتوخى تربية التلاميذ على المواطنة والمشاركة في الشأن التربوي المحلي بالتصدي لكل أشكال الإقصاء والتهميش، والوعي بمبدأ إلزامية التعليم وتفعيله من خلال إرجاع التلاميذ والتلميذات المنقطعين عن الدراسة، وتحديد خريطة محلية لتوجيه برامج الدعم التربوي من جهة وبرامج التربية غير النظامية.
• من جهة أخرى، إضافة إلى تعبئة الطاقات المحلية بغاية إيجاد حلول مناسبة لإشكالية الأطفال غير الممدرسين، من خلال العمل على إدماجهم المباشر في التعليم النظامي أو تسجيلهم في برامج الفرصة الثانية حيث خصصت الأكاديمية في هذا الشأن 03 مراكز للفرصة الثانية الجيل الجديد بكل من العيون، والسمارة، وبوجدور، أو دعمهم في إطار برنامج المواكبة التربوية؛
• مشروع المؤسسة المندمج كآلية تهدف إلى تحسين جودة التعلمات والتحسينمن مقياس جودة التمدرس من خلال التركيز على مجالات عمل تحقق ملائمة للبرامج التعليمية، وذلك باتباع منهجيات، ارتكازها الأساسي هو تعبئة المتدخلين وتشجيهم على استعمال ممارسات جديدة في مجال التدبير المندمج والمناهج التربوية المتمحورة حول التلميذ، وأيضا تعزيز تعبئة الفاعلين حول المدرسة المحلية، وهي آلية متكاملة للتدخل في مجالات عدة يساهم فيها كل الفرقاء الداخليين والخارجيين من اجل مدرسة الجودة والإنصاف.

هل تتوقعون تغييرا في بعض المشاريع التي انطلقت مع الوزير الأسبق أم أن الأمور ستبقى كما هي؟

نحن نتحدث عن برنامج حكومي 2021-2026، محوره تدعيم ركائز الدولة الاجتماعية من خلال مدخل  تنمية الرأسمال البشري، وبالتالي فالتعليم ظل إحدى التحديات التي يتعين على الجميع الانخراط فيها، كما ان القانون الإطار17-51 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي،  وفر بنية ملائمة للعمل بحيث يعتبر إطارا مرجعيا يجسد تعاقدا وطنيا ملزما للجميع وضامنا لاستدامة الإصلاح وتحقيق التعبئة الجماعية حول المدرسة المغربية؟

فتحقيق أهداف إصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي وتجديدها المستمر أولوية وطنية ملحة، ومسؤولية مشتركة بين الدولة والأسرة وهيئات المجتمع المدني، والفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين، وغيرهم من الفاعلين في مجالات الثقافة والإعلام والاتصال. ومن أجل ذلك، يتعين على الدولة أن تتخذ، طبقا لأحكام القانون -الإطار، ما يلزم من تدابير تشريعية وتنظيمية وإدارية ومالية وغيرها لتحقيق الأهداف المذكورة، والسهر على تنفيذها. كما يتعين أن تساهم الجماعات الترابية والقطاع الخاص ومختلف الهيئات العامة والخاصة الأخرى، كل في ما يخصه، في تحقيق هذه الأهداف، وأن تتخرط في مسلسل تنفيذها، وتقديم مختلف أشكال الدعم من أجل بلوغها.

فالبرنامج الحكومي يستند إلى القانون الإطار لتحقيق أهدافه من خلال :

1. مدرسة تكافؤ الفرص؛
2. تقوية المهارات الأساسية منذ المرحلة الابتدائية: القراءة والكتابة والحساب والبرمجة؛
3. تعميم المدارس الجماعاتية والنقل و المطعم المدرسيين؛
4. رد الاعتبار لمهنة التدريس؛

وقد جسدت خارطة الطريق 2022-2026 هذه الاعتبارات من خلال 20 برنامجا مندمجا متكاملا، تتميز بالمرونة وأجرأة التنفيذ وسرعة تحقيق الأثر، وهو مانلمسه اليوم من خلال مشروع مؤسسات الريادة ومشروع المؤسسة المندمج وتعميم اللغة الأمازيغية بالتعليم الابتدائي  واللغة الإنجليزية بالتعليم الثانوي الإعدادي، وإرساء وأجرأة آلية مواكبة مؤسسات التربية والتعليم العمومي والأحواض المدرسية، من أجل مؤازرة هيأة الإدارة التربوية والتدبير وهيأة التربية والتعليم ودعمهما للقيام بالمهام المنوطة بهما..

في الختام، ما هي رسالتكم للتلاميذ وأولياء الأمور والأطر التربوية والإدارية في جهة العيون بخصوص دورهم في تحقيق المدرسة المغربية المنشودة؟

رسالتي للتلاميذ وأولياء الأمور والأطر التربوية والإدارية بجهة العيون الساقية الحمراء إلى ضرورة مضاعفة المجهودات الحالية كل حسب موقعه،  وتقوية التنسيق بين مختلف الفاعلين والتكامل بين مختلف البرامج التنموية وبرامج تنزيل خارطة الطريق  2022-2026، قصد الارتقاء بمستوى المدرسة المغربية وترسيخ أدوارها في تحقيق المشروع المجتمعي، وتحقيق أهداف الإصلاح، ونحن سنسعى بدورنا من موقعنا إلى خدمة منظومة التربية والتكوين بالجهة والنهوض بها دائما وأبدا كـرافعـة لتحقيـق التنميـة المستـدامـة، فـي مختلـف الميـاديـن الاجتمـاعيـة والاقتصـاديـة والثقـافيـة والبيئيـة. والـركيـزة الأسـاسيـة لتـأهيـل الـرأسمـال البشـري، وأداة لإنتـاج الـوعـي، وتـوليـد الفكـر الخـلاق والمبـدع، تكـويـن المـواطـن الحـريـص عـلى ممـارسـة حقـوقـه، والمخلـص فـي أداء واجبـاتـه.