العنف ضد المرأة: بين محاربة الظاهرة واستغلالها إيديولوجيا

العنف ضد المرأة ظاهرة إنسانية واجتماعية معقدة تتطلب تحليلًا عميقًا ومعالجة واقعية، لكن تطورات النقاش حولها أفرزت تحريفًا واضحًا للموضوع، حيث تم استغلاله من قبل بعض الحركات النسوية لتحقيق أهداف أيديولوجية بعيدة عن جوهر القضية. هذا التداخل بين محاربة الظاهرة واستخدامها كوسيلة لتحقيق أجندات معينة أدى إلى تدهور الوضع الاجتماعي على المستويين العالمي والمغربي.
العنف ضد المرأة ليس مجرد أرقام وإحصاءات بل هو انعكاس لأزمة أعمق تشمل غياب العدالة الاجتماعية، وترسخ أنماط سلوك ثقافية خاطئة. في البداية، سعت الجهود الدولية والمحلية إلى مكافحة العنف عبر تشريعات صارمة وبرامج توعوية، إلا أن هذه المبادرات لم تسلم من الاستغلال. في بعض الحالات، استُخدمت هذه القضية لإحداث تغييرات اجتماعية جذرية تتنافى مع القيم الثقافية والدينية السائدة، مما خلق نزاعات جديدة بدلًا من تحقيق التوافق المنشود.
على المستوى العالمي، ساهمت الحركات النسوية المتطرفة في تحويل قضية العنف ضد المرأة إلى مادة صراع بين الرجل والمرأة. فبدل التركيز على حماية المرأة وتمكينها من حقوقها، تم توظيف هذه القضايا لإضعاف العلاقات الأسرية وتجريم الرجل كمصدر لكل عنف. هذه المقاربة غير المتوازنة زادت من تدهور النسيج الاجتماعي وأثرت سلبًا على النساء أنفسهن، إذ أصبحت القوانين والإجراءات تُفصّل أحيانًا بطريقة تزيد من التوتر بين الجنسين بدل تعزيز التفاهم والانسجام.
في السياق المغربي، ورغم خصوصية المجتمع، استوردت بعض الحركات النسوية خطابات من الغرب تهدف إلى تفكيك الروابط الأسرية. هذا التوجه أساء لقضية العنف ضد المرأة بدل خدمتها، حيث ركز على التضخيم الإعلامي وخلق صورة أحادية تُظهر المرأة كضحية والرجل كظالم. في المقابل، أهملت هذه الحركات معالجة الأسباب الحقيقية للعنف، مثل الفقر، والتفكك الأسري، ونقص التوعية.
لقد سبق لي أن تناولت هذا الموضوع في الماضي بشكل دقيق، مشيرًا إلى أبعاده المختلفة على المستوى المجتمعي والثقافي والديني. كنتُ قد ركزت على ضرورة فهم القضية في سياقها الشامل بدل اختزالها في شعارات فضفاضة أو أجندات مستوردة. هذا التناول السابق كان محاولة لفتح نقاش متزن حول الظاهرة بعيدًا عن الأحكام المطلقة التي لا تقدم حلولًا حقيقية.
إن استغلال قضية العنف ضد المرأة لتحقيق أهداف أيديولوجية يؤكد الحاجة إلى إعادة تصحيح مسار النقاش. القضية تتطلب مقاربة شاملة تجمع بين تشديد القوانين، وتعزيز القيم الأخلاقية، وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي للنساء المعنفات، مع الحفاظ على تماسك الأسرة كمؤسسة اجتماعية أساسية.
العنف ضد المرأة ليس قضية نسوية فقط، بل هو قضية مجتمعية يجب أن يُنظر إليها من منظور شامل. السعي لتحقيق العدالة لا يكون بإذكاء الصراع بين الجنسين، بل بتكريس قيم الاحترام المتبادل، والاعتراف بدور كل من الرجل والمرأة في بناء مجتمع متوازن ومتضامن.
اترك تعليقاً