وجهة نظر

واندحر الانقلاب وعاشت تركيا حرة ديموقراطية

ماذا كان سيفعل الانقلاب أمام تسعين مليون تركي وتركية، وأمام اتحاد جميع القوى السياسية والنقابية في البلاد وجميع المؤسسات التشريعية والقضائية دون احتساب المخابرات والقوات البحرية وجزء كبير من القوات العسكرية؟

إن تركيا اليوم، كما تركيا البارحة، أعطت من جديد درسا في أن الخيار الديموقراطي ضامن للوحدة الوطنية وحامي البلاد من كل انقلاب وتمرد وانفصال،

إن تركيا التنمية وتركية المعجزة الاقتصادية لم تترك للشعب أي خيار غير الدفاع عن مؤسساته و رئيسه وحكومته وبالتالي الحفاظ على أمنه واستقراره والقطيعة الجذرية مع عهد الانقلاب وإراقة الدماء وحكم العسكر.

إن الشعب التركي أسقط الانقلاب وقاد الدبابات وأرجعها لتكناتها وقاد المتآمرين على أمن البلاد إلى السجون في أفق المحاكمات العادلة التي تنسجم أحكامها مع الخيانة العظمة للوطن للشعب للديموقراطية.

إن الحكومة التركية قد نجحت في الامتحان لأنها طيلة السنوات الخمس وهي تجتهد وتحفظ دروسها وتنجز المطلوب منها فوفقها الله في هذا الامتحان العسير، وهذه رسالة إلى جميع الحكومات العربية الخائنة التي أتلفت أموال شعوبها وتلاعبت بمشاريعها وتسابقت في بيع أراضي الدولة، إن ذاكرة الشعوب لا تنسى، ولا يمكن لها أن تلدغ من جحر مرتين، إن الشعب التركي قد وجد في حزب العدالة والتنمية الحزب المناضل الذي يضع تركيا وتنميتها والشعب التركي ضمن أولوياته، فحافظ على المال العام وحول تركيا في غضون عشر سنوات إلى معجزة اقتصادية عالمية، وحول مدنه من مدن الجفاف والقصدير إلى مدن خضراء تشتهيها النفوس وتطمع لزيارتها العقول.

إن هذا الانقلاب قد أبان أن القيادة الراشدة لا تلين ولا تستكين، ولا تخاف أو تدس رأسها في الرمال أو تفر وتستسلم، بل خرج الأسد من عرينه بكل ثقة، ثقة في شعبه، ثقة بما قدم لبلاده، ثقة بأنه قال فصدق، وحكم فعدل، وعمل فأخلص، ثقة في أن يديه نظيفتان وأنه لا يتوانى في جعل بلاده أفضل البلدان، و ثقة في القيادات العسكرية المخلصة والمخابرات الصادقة والقيادات في مختلف الفرق والتشكيلات، ثقة في الخصوم السياسيين الذين عبروا عن نضج كامل ووعي تام بأن الخيار الديموقراطي مسار حتمي لا غنى عنه، وأن الانقلاب شر كله وما النموذج المصري عن تركيا ببعيد.

إن الانقلاب قد كشف أمورا كثيرة في الداخل جلها يثلج الصدر ويريح البال، وهو كل شيء أدى إلى سقوط الانقلاب، وكشف أمورا أخرى في الخارج هو ذاك النفاق الأوروأمريكي الذي رأيناه، حيث لم يجرأ أحد على دعم الخيار الديموقراطي والوقوف بجانب الحكومة المنتخبة لا أوباما ولا كيري ولا ألمانيا ولا انجلترا ولا روسيا ولا أي دولة من دول الغرب الصهيوني إلا بعدما بدأت الإرهاصات واضحة تؤشر على فشل الانقلاب والسيطرة على الدبابات والجيش المتمرد.

فهل يستطيع أحد أن يقول أن انقلابا عسكريا يمكن أن يحدث في بلد ما ، خصوصا إذا كان هذا البلد إسلاميا، دون علم أمريكا وبعض الدول الأوربية كانجلترا وألمانيا، وبالتالي ألا يمكن اعتبار هذا الانقلاب عبارة عن جس النبض ومحاولة معرفة منسوب الشعبية لدى الحزب الحاكم في تركيا من حيث الشعبية والجذور والدعم ومدى تمسك اللأحزاب المعارضة بالخيار الديموقراطي رغم أن خصمهم التاريخي يتربع على كرسي الحكم والرئاسة.

أليست تصريحات أوباما وبعض دول أوربا المتأخرة تفضح هذا التواطأ الأمروأوربي وتبين بوضوح الموقف المكنون من تركيا الخلافة العثمانية المسلمة؟

حفظ الله تركيا المسلمة من كل شر وسوء وجعلها دائما مع الحق وضد الانقلابات العسكرية كانقلاب العرص المصري والديكتاتوريات كدكتاتورية بشار، وجعلها دائما سندا للمستضعفين مثلما فعلت مع الشعب السوري المكلوم.