وجهة نظر

محاولة لتقييم حصيلة التعليم العالي لحكومة

تحتاج تجربة حزب العدالة والتنمية في تدبير الشأن العام تقييما موضوعيا بعد مرور خمس سنوات عن ترأسها أول حكومة بعد دستور 2011، التي جاءت في سياقات سياسية وطنية ودولية خاصة اتسمت بحراك الشعوب ومطالبتهم بإصلاحات شاملة وهيكلية تهم القطاعات الاقتصادية والاجتماعية وتكريس الديمقراطية لغاية تحقيق العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.

في سياق اقتراب الاستحقاقات التشريعية لسنة 2016 التي تعتبر تمرينا ديمقراطيا جديدا لإتمام تجربة الانتقال الديمقراطي بنكهته المغربية المتسمة بالاستقرار، التي اعتبرت نموذجا ناجحا حضي باحترام الفاعلين الوطنيين والدوليين، والذي بدون أي شك أن له أثار ايجابية على الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للمغرب، نحتاج تقييمات موضوعية للسياسات العمومية والإصلاحات في كل القطاعات الحكومية بعيدا عن المزايدات السياسية أو الحزبية للحفاظ على مكتسبات خيار الإصلاح في ظل الاستقرار.

لهذه الأسباب وفي ظل هذه السياقات، سأقوم في هذا المقال بمحاولة لتقييم قطاع التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر، أولا باعتباري طالبا جامعيا وفاعل طلابي من خلال مشاركتي بمجلس جامعة القاضي عياض ومجلس تدبيرها، ثانيا باعتبار قطاع التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر، كقطاع إستراتيجي وأساسي لكل الدول التي تريد مسايرة ركب التقدم والتنمية ومنافسة القوى الكبرى في المجالات الفكرية والثقافية و البحث المؤدي للتنمية الاقتصادية من خلال التطور التكنولوجي وتطوير الصناعات وإيجاد آليات للنهوض بجميع القطاعات الإنتاجية.

لقد أبانت الحكومة التي تقودها العدالة والتنمية على اهتمامها بهذا القطاع، موضوع التقييم، من خلال فصل هذا القطاع عن التربية الوطنية وجعله قطاعا قاما بذاته وعلى رأسه وزيرين متخصصين لتطويره وتأهيله، وكانت أول خطوة إجرائية هي الزيادة في منح الطلبة ابتداءها من أول قانون للمالية لهذه الحكومة ومنحها لكل مستحقيها عن طريق مجموعة من المعايير الموضوعية بدلا عن نظام الكوطة الذي كان يمنحها لبعض الطلبة ويحرم آخرين رغم حاجتهم الملحة لها، مع العلم أن منحة الطلبة لم يتم الزيادة في مبلغها أو عدد المستفيدين منها أو على الأقل وضعها محل نقاش في المشهد السياسي مند سبعينيات القرن الماضي أي من حوالي 40 سنة تقريبا. كما تمت الزيادة في عدد الأسرة في الأحياء الجامعية والوجبات المقدمة في مطاعمها للاستجابة للحاجات الملحة للطلبة والطالبات المنحدرين من المناطق الغير متوفرة على جامعات وتخليصهم من التكاليف الباهظة للكراء بالمدن الجامعية.

ثانيا، تفعيل مقتضيات المادة 76 للقانون 01.00 المنظم للتعليم العالي، الذي ينص على أن الدولة تلتزم بتفعيل نظام للتغطية الصحية والتأمين عن المرض لفائدة الطالبات والطلبة، وكذا مقتضيات القانون 65.00 بمثابة مدونة للتغطية الصحية بخصوص هذا الشأن، والتي دخلت حيز التنفيذ خلال السنة المالية 2016 بتعميمها على كافة الطلبة ممن لا يستفيد منها باعتباره أجيرا أو من دو الحقوق.

ثالثا، إدماج الجامعات الموجودة بنفس المدينة الجامعية لأجل تقليص نفقات الإدارة والتسيير والرفع من جودة ونجاعة الجامعة عن طريق توحيد الجهود. وذلك من خلال دمج كل من جامعتي محمد الخامس أكدال و السويسي وخلق جامعة محمد الخامس الرباط، وجامعتي الحسن الثاني عين الشق و المحمدية وخلق جامعة الحسن الثاني الدار البيضاء. كما تم إدماج كلية العلوم والتقنيات والمدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية وخلق الأقطاب التكنولوجية (مشروع في طور التنفيذ).

رابعا، تأسيس مؤسسات جامعية جديدة لتخفيف الضغط على الجامعات الكبرى بالمغرب والحد من ظاهرة الإكتضاد بالمدرجات والقاعات بالمؤسسات الجامعية، وذلك من خلال فتح كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ايت ملول، المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير (ENCG DAKHLA) بمدينة الداخلة، وكليتين للطب والصيدلة بكل من أكدير وطنجة خلال الموسم الجامعي 2016/2017 وكذلن فتح مجموعة من الاوراش المهمة كورش المدرسة العليا للتكنولوجيا بقلعة السراغنة والقطب الجامعي بالمدينة الجديدة تامنصورت.

خامسا، تعديل المرسوم المنظم للكليات المتعددة التخصصات لتمكينها من طلب اعتماد مسالك للماستر و الماستر المتخصص لتمكين طلابها من إتمام دراستهم ما بعد الإجازة وتمكين الأساتذة الباحثين من فتح وحدات للبحث العلمي. وكذلك اعتماد مراكز البحث من أجل الدكتوراه ممركزة على مستوى الجامعات بدل المراكز المخصص للكليات حسب التخصص لتمكين الأساتذة الباحثين بالمدارس الوطنية والعليا التابعة للجامعات من طلب اعتماد مسالك للدكتوراه كباقي زملائهم في الكليات.

ورغم كل هذه الإصلاحات المهمة والأساسية، تبقى تطلعات الفاعلين في المشهد الجامعي من طلبة وأساتذة وباحثين خصوصا وكافة المواطنين عموما أكبر بكثير من هذه الإصلاحات التي يجب أن نعتبرها قنطرة للرقي والنهوض بالجامعة المغربية في المجالات الاجتماعية للفاعلين والبنية التحتية و الإصلاح البيداغوجي والعلمي… من منطلق أن الجامعة مفتاح للنهوض والتنمية.