وجهة نظر

تطبيق deep seek تكنولوجيا بفلسفة متزنة

تكنولوجيا القطيعة وماادراك ما هذه التكنولوجيا التي أجهضت على الأخضر واليابس في طريقها، هذه الأخيرة إلى أين تتجه الله أعلم، فكل يوم نسمع عن تطوير اختراع، أو براءات اختراع، عن زيادة قدرة تطبيق، عن عن عن …..، هذه التكنولوجيا التي لم يكن متوقع لها هذا النجاح الباهر، هذا التنين الذي أصبح يجري بسرعة جنونية لا قدر للأفراد والمؤسسات وحتى الدول على مواكبتها أو السير معها بنفس السرعة، والذي زاد من سرعته التطور التكنولوجي والصبيب العالي للانترنيت.

ويعتبر تطبيق deep seek للذكاء الإصطناعي واحدا من هاته الاختراعات والتطبيقات التي قلبت موازين القوى في مجال الذكاء الاصطناعي، بحيث يعتبر هذا الأخير متميزا، لعدة خصائص :

أولها، التطبيق المجاني الأكثر تحميلا على متجر أبل.
ثانيا، كفاءة أعلى من باقي التطبيقات الأخرى، حيث يتضمن 50 لغة متاحة، ثانيا 2000 رقاقة، يتوفر على تقنيات مفتوحة المصدر، يقوم بمراجعة المنطق الذي اعتمد عليه قبل توليد الإجابة النهائية.
ثالثا، وأخيرا أن تكلفته حوالي 5,6 مليون دولار.
فهذا التطبيق الصيني الذي تم تطويره من قبل شركة ناشئة صينية في يناير 2025، يتكون فقط من فريق من الشباب المبدعين المتخرجين من أفضل الجامعات الصينية وذوي مهارات تكنولوجيا عالية جدا. وبالتالي يظهر أن تشجيع البحث العلمي و والابتكار وتعزيز التفكير الإبداعي وتطوير النظام التعليمي يساهم في خلق الإبداع وكسر الحواجز وركوب موجات التغيير بسرعة البرق.

لقد كلف تطبيق deep seek خسائر قوية للشركات العالمية التكنولوجية، حيث تعتبر شركة “إنفيديا”، وهي أكبر شركة في العالم من أكبر الخاسرين حيث انخفض سهم الشركة ب 18%، وخسارة حوالي 560 مليار دولار في يوم واحد من طرح تطبيق deep seek في السوق العالمية.
كما ساهم في انخفاض مؤشر فيلادلفيا لأشباه الموصلات بأكثر من 10%، كما كان للتطبيق تأثير على شركات مايكروسوفت وألفابت(الشركة الأم لجوجل)، كما تأثر السوق الأوروبية فمثلا في هولندا انخفضت أسهم شركة ASML بنسبة 7%.

إن تطبيق deep seek، ليس صراع فقط بين الشركات التكنولوجية العالمية الصينية والأمريكية، بل هوصراع بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية من أجل رسم الخريطة المستقبلية العالمية للتكنولوجيا. إن هذا الأخير (التطبيق)، قام بفرض إعادة تقييم الاستراتيجيات في قطاع التكنولوجيا، وأظهر أهمية الابتكار والكفاءة في تطوير التقنيات الخاصة بالذكاء الاصطناعي.

إن الصين من خلال التطبيق، تعيد تشكيل جزء من السوق الأمريكية دون تقويض، وبالتالي كسر الهيمنة الأمريكية للتكنولوجيا، وإحداث توازن تدريجي في السوق التكنولوجية وكسر الاحتكار من خلال تعددية الأقطاب التكنولوجية وظهور منافسين جدد خارج النموذج الأوروبي والأمريكي، وبالتالي فنحن أمام تغيير جذري في قواعد اللعبة التكنولوجية على المستوى العالمي من خلال إعادة تشكيل العالم التكنولوجي.

إن التنين الصيني يختار التوقيت المناسب قبل الهجوم، فاستراتيجية الصين نابعة دائما من أصولها وثقافتها وقيمها، من خلال التناغم مع الطبيعة، والتوازن بين الين واليانغ وأخيرا قيم الكونفوشيوسية.
إن التنين الصيني يقوم بالانتظار قبل الهجوم، فالصين لا تهاجم أسواق المنافسين مباشرة، بل تنتظر الفرصة المناسبة، كما أنها تسعى للسيطرة على الموارد، من خلال السيطرة على سلاسل التوريد العالمية والمواد الأولية، كما يعتبر التنين الصيني مرنا في التحرك من خلال التكيف مع المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية، وأخيرا التنين الصيني يقوم بإبهار الفريسة بدلا من خنقها من خلال استخدام القوة الناعمة بدل المواجهة المباشرة(تطبيق deep seek).

يجسد تطبيق deep seek، الفلسفة الصينية من خلال قيم التناغم مع الطبيعة، والتوازن بين الين واليانغ، وأخيرا قيم الكونفوشيوسية.

١. على مستوى قيم التناغم مع الطبيعة، الذكاء والفكر جزء من توازن الطبيعة، فهذه الأخيرة متجددة دائما وتتكيف مع الظروف المناخية، فهي نموذج عضوي للتعلم المستمر. وفي هذا الإطار يعتبر تطبيق deep seek مفتوح المصدر مما يجعله في بيئة تقنية وديناميكية متجددة دائما، كما أن هذا الأخير نموذج عضوي للتعلم والمعرفة، فهو لا ينتج المعرفة بل يتعامل مع السياق وبالتالي فهو يحدث توازن بين التكنولوجيا والإنسان والطبيعة.
فالطبيعة تستخدم المنطق الطبيعي، نفس الشيء يقوم به deep seek يستخدم المنطق الطبيعي في مراجعة الاستنتاج قبل الإجابة النهائية، والطبيعة القدرة على التكيف مع المتغيرات وهو ما يفعله التطبيق الصيني له القدرة على التكيف والتحسين الذاتي.

٢. على مستوى التوازن بين الين واليانغ، فهما يمثلان التوازن للقوى المتعاكسة، فتطبيق deep seek، يكمل عمل الإنسان ويعزز التفكير البشري من خلال السرعة والدقة التحليلية، لكنه في المقابل لا يعمل بدون مدخلات بشرية. فهذا الأخير يعتبر أداة أكثر توازنا بين المنطق والابداع، على عكس النماذج الغربية التي تركز على قوة البيانات، ف deep seek يوازن بين الحسابات المنطقية والإبداع والتفاعل مع السياق.

٣. وأخيرا على مستوى قيم الكونفوشيوسية والتي ترتكز على ثلاث مبادئ أساسية وهي : التناغم المجتمعي و الأخلاق والتعلم المستمر.

فعلى مستوى التناغم المجتمعي، فالتكنولوجيا وسيلة وليست غاية، وبالتالي يجب أن تكون التكنولوجيا في خدمة الإنسان وليس العكس، وهذا ما يجعل ديب سيك ذكاء اصطناعي أكثر إنسانية وتعاون، كما أنه يوازن بين المنطق والإبداع مثل الين واليانغ مما يجعله شريك فكري يدمج الفلسفة مع التكنولوجيا.

أما على مستوى الأخلاق فالكونفوشوسية توازن بين الحكمة والعلم، وبالتالي التفكير العميق قبل اتخاذ القرار. وهذا ما يفسر تطبيق deep seek المراجعة المنطقية التي يقوم بها قبل إعطاء الإجابة بدلا من ردود عشوائية.

وأخيرا المدرسة الكونفوشيوسية تركز على التعلم المستمر، وتعتبر أن التعلم لا حدود له، ومادمت في الحياة فأنت تتعلم باستمرار في اي وقت وفي أي لحظة وبالتالي فالتطبيق يتعلم ويتطور باستمرار من خلال المحادثات والمدخلات البشرية.
وبالتالي فنحن لسنا أمام تطبيق للذكاء الإصطناعي، بقدر ما نحن أمام انعكاس للثقافة والفلسفة الصينية على التكنولوجيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *